الكاميرا الخفية.. فى رئاسة الجمهورية
عرض رائع ذلك الذى أخرجته السيدة باكينام الشرقاوى، مستشارة رئيس الجمهورية، التى لابد وأنها كانت من أشار به على الرئيس، ثم قامت بعد موافقته بدعوة المشاركين فيه، ثم أشرفت بنفسها على وضع الكاميرات الخفية التى نقلته على الهواء دون إخطار الضحايا، ثم بادرت بعد ذلك بالاعتذار لهم حين انكشف الملعوب.
ولأن السيدة المخرجة مجددة فى أعمالها فقد أدخلت على خدعة الكاميرا الخفية كما نعرفها تحسيناً جديداً وهو عدم استئذان الضحايا قبل إذاعة الملعوب، فقد جرت العادة فى مثل هذه البرامج على أن يتم استئذان من يتم تصويرهم قبل عرض الخدعة على الجمهور، ولا تتم الإذاعة إلا بعد موافقتهم، فتلك هى شروط مثل هذه البرامج، بل هى أهم أخلاقياتها سواء فى الخارج، حيث نشأت برامج الكاميرا الخفية، أو حتى عندنا حيث لا أخلاقيات أصلاً بين الكثيرين من أتباع هذه المهنة.
لكن السيدة «باكينام» معذورة طبعاً، فمثل هذه الأخلاقيات تتبع فى البرامج التى يتم تسجيلها مسبقاً، أما فى البرامج التى تذاع على الهواء دون علم أصحابها فلا مجال ولا وقت للاستئذان، ومع ذلك فقد تم إرسال مذكرة صغيرة لأحد المتحدثين بمجرد أن قال إنه يتكلم بصراحة لأن الجلسة سرية، تم لفت نظره فيها إلى أن الجلسة مذاعة على الهواء، لكن السيف كان قد سبق العذل وكان المتحدث قد قال ما لا يقال على الملأ، وتحدث غيره بما هو أسوأ، وهنا يظهر تفرد برنامج السيدة باكينام بين باقى برامج الكاميرا الخفية التى يعرفها العالم.
لقد أتاح برنامج السيدة باكينام للسيد الرئيس أن يتنكر فى شكل رجل الدولة العاقل الذى يستمع إلى «هرتلة» بعض ممثلى المعارضة لكنه لا ينساق إلى مجاراتهم، بل ينطق بالحكمة التى لا تنتج إلا عن الخبرة التى كنا نتصور أنه يفتقدها، فإن هناك من المخرجين من يعرفون كيف يظهرون مواهب الممثل أو مفاتن الممثلة، وهناك أيضاً من يظهرون عبط من يصورونه فى أفلامهم، أو يظهرون حكمتهم ورصانة صورتهم مثلما فعلت السيدة باكينام، بعد أن عانى الرئيس طويلاً ممن جعلوه فى السابق يتحدث عن الحارة المزنوقة والأصابع التى تلعب فى الداخل، و٥، ٧، ٨، أو يتحدث عمن يقولون إيه وفين لمين عشان إيه!!
إن إظهار الرئيس فى صورة رجل الدولة الحكيم الرصين الذى لا ينساق وراء من ينصحونه بشن الحرب على إثيوبيا أو إطلاق الشائعات أو رشوة الأفارقة هو هدف أسمى من كل شىء، وهو يبيح كل المحظورات ولا مانع على الإطلاق فى إظهار ممثلى المعارضة بشكل يثير السخرية، أليس هذا أفضل من أن تظل السخرية مقترنة دائماً بالرئيس وحده؟! إن المعارضة تستحق هى الأخرى بعض السخرية، أو على الأقل من قبلوا من أعضائها لقاء الرئيس والذين أثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أن البلاهة والعبط حق لكل من يريد، أليست هذه المعارضة التى التقت الرئيس هى نفسها التى قبل أسابيع قليلة كانت تطالب بسحب الثقة منه وإجراء انتخابات مبكرة تأتى لنا بأى رئيس غيره؟! صحيح أن معظم من حضروا اللقاء كانوا من ممثلى الاتجاهات الإسلامية الموالية للإخوان فى قرارة نفسها، فالدم لا يتحول أبداً إلى ماء، لكن كان هناك أيضاً من لا ينتمون للاتجاهات الدينية، رغم أننى لم أستطع أن أحصى منهم إلا ٣ أو ٤.
ومما لا شك فيه أن إذاعة هذه المداولات المتعلقة بأدق تفاصيل الأمن القومى المصرى، قد تسببت فى الإساءة إلى علاقة مصر ببعض الدول الأفريقية التى لن يتم حل مشكلة سد إثيوبيا إلا بتحسين العلاقات معها، لكن مرة أخرى ما قيمة ذلك كله أمام عبقرية المخرجة السيدة باكينام، التى تمكنت من تحقيق المستحيل وإظهار محمد مرسى فى صورة رصينة متعقلة بعد عام كامل من إظهاره فى صورة مخالفة؟! ألا يكون فى سبيل ذلك كل شىء حتى عمل حلقة من الكاميرا الخفية على الهواء من رئاسة الجمهورية؟!!