الصبر و الصيام*
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183
الصوم في الشرع هو الأمساك عن كل الشهوات من طعام و شراب و جماع و غيره, و الصوم من العبادات التى تعلم الصبر و تحتاج إلي صبر... مثل الصلاة, و لكن الفرق أن الصوم هو الذي يعلم الصبر أكثر مما يحتاج إلى صبر... فمن أراد أستجلاب الصبر فعليه بالصلاة و الدعاء لله أن يصبره, أما من أراد التدريب على الصبر فعليه بالصوم, فهو المعلم الذي نتعلم منه و نتدرب به على الصبر.
فما أقسى أن يمسك الإنسان شهوته عما أحل الله له.. و لكن هذا الإمساك إذا تم بأرادته و برغبة منه في إرضاء الله تعالى, فسيرتفع شأنه إيمانياً و روحياً و نفسياً فتجد عزيمته إشتدت و إرادته قويت و أصبح تمالك النفس عنده طبع بعد أن كان يحاول التطبع عليه من قبل.
و الصبر يحتاج لتعلم تمالك النفس عن كل شئ... قال الله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً}مريم26 ... و هنا يأمر الله تعالى السيدة مريم أن تصوم بعدم الكلام مع البشر... فالحديث شهوة, شهوة لا يعرفها إلا من سكت عنها.. و من أداب الصوم أن تسكت عن شهوة الحديث و الجدال و السب و النميمة... قال رسول الله : الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، فَلَا يَرْفُثْ ، وَلَا يَجْهَلْ ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ ، فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ ... فأدب الحديث من العادات التي تحتاج لتلعيم, و الصيام يعلم أداب الحديث و يعلمنا الإمساك عن السباب و القتال و المجادلة بغير علم.
كذلك نجد في الحديث الشريف أن الرسول يصف الصيام بـ(الجنة) و الصبر يدخل الجنة بغير حساب... فهل هناك دليل أكبر من ذلك على أن الصيام هو أول الطريق للصبر الذي يدخل الجنة بغير حساب ؟؟؟... أن فوائد الصيام لا تعد و لا تحصى... سواء من الفوائد النفسية أو البدينة و كذلك الإجتماعية... و لكن أعظم فوائد الصيام هو الصبر و الإرادة.
فمن كان ضعيف الإرادة فعليه بالصوم... و من كان هيّن العزيمة فعليه بالصوم... و من كان شديد الشهوة و أحيطت به الفتن (في مأكل أو مشرب أو جماع أو حديث أو أي شهوة أخرى) فعليه بالصوم... و من كان مريض فعليه بالصوم... و من أراد تعلم كيف يكون الصبر فعليه بإختيار يوم شديد الحر و يصومه, فهذا سيعلمه كيف يكون الصبر و كيف يأتي بعد الصبر الفرج.