قصة اكتشاف الأنسولين وإنجازاته فى علاج المرضى
أ.د عز الدين الدنشارى
أستاذ الفارماكولوجى والسموم
كلية الصيدلة - جامعة القاهرة
تعتبر البداية الحقيقية لاكتشاف الأنسولين عام 1869، حينما تمكن طالب طب ألمانى، وهو بول لانجرهانز، من اكتشاف خلايا فى البنكرياس، اعتقد أنها تفرز مادة تعالج مرض السكر، وبعد إجراء بحوث عديدة على خلاصات البنكرياس استمرت حتى عام 1921، استطاع عالمان من جامعة «تورنتو» بكندا فصل خلايا البنكرياس التى تفرز هرمون الأنسولين الذى جرب على الحيوانات، ثم على مرضى السكر الذين استجابوا للعلاج.
وكلمة أنسولين مشتقة من المصطلح اللاتينى INSULA، ويعنى جزيرة، حيث تفرز الأنسولين جزر لانجرهانز البنكرياسية، ومعنى كلمة إنسولين إذن هو «هرمون الجزيرة» ولقد أراد البعض ترجمة هذه الكلمة إلى اللغة العربية، فأطلق عليه اسم الجزيرين، ولكن الاسم الأصلى فرض نفسه على كل اللغات.
ومنذ اكتشاف الأنسولين عام 1921، لم تتحقق إنجازات تذكر فى علاج مرض السكر المرتبط بالأنسولين حتى عام 1984، حيث تمكن العلماء، باستخدام الهندسة الوراثية، من تصنيع الأنسولين البشرى الذى يتميز على الأنسولين الحيوانى، الذى استخدم لأكثر من ستين سنة بعد اكتشافه، بقوة فعاليته وقلة أعراضه الجانبية، كما أن الأنسولين البشرى قد حل مشكلة المرضى الذين كانوا يرفضون استعمال أنسولين الخنزير لأسباب دينية، ومشكلة المرضى النباتيين الذين أحجموا عن استعماله لأنه من أصل حيوانى.
وفى أواخر القرن الماضى، أجريت بحوث استهدفت توصيل الأنسولين إلى الدم عن طريق الفم بدلاً من الحقن التى تمثل مشكلة لكثير من المرضى، وتشير النتائج إلى قرب تحقيق هذا الهدف، ولقد أفادت البحوث التى قدمت فى مؤتمر الجمعية الأوروبية لدراسة مرض السكر بإمكانية استعمال الأنسولين على هيئة بخاخات رئوية من المأمول أن يحقق اسنخدامها نجاحاً كبيراً فى علاج المرضى كبديل للحقن.
ومنذ سنوات، نشرت مجلة «ديابيتولوجيا» المتخصصة فى دراسات السكر، بحثاً يفيد بإمكانية زرع كبسولات، فى أجسام الحيوانات المصابة بالمرض، تحتوى على الجزر البنكرياسية التى تفرز الأنسولين، ولقد حققت هذه الوسيلة نجاحاً ملموساً فى علاج المرض، كما يشير البحث إلى إمكانية استحداث الخلايا التى تفرز الأنسولين باستخدام وسيلة الخلايا الجذعية، وهى وسيلة يمكن بواسطتها استحداث أعضاء أخرى لجسم الإنسان. وحينما تكتمل الجوانب الإكلينيكية لهذه البحوث، فإنه من المتوقع أن تكون من أهم إنجازات القرن الحادى والعشرين. هذا هو الأنسولين الذى كان اكتشافه سبباً فى منح جائزة نوبل فى الطب مرتين، الأولى عام 1923 حينما منحت الجائزة لعالمين اشتركا فى الأنسولين، والثانية عام 1934 وكانت للعالم الذى اكتشف علاج الأنيميا الخبيثة، واستحق الجائزة لذلك، وكان قد أصيب بالسكر قبل عام 1921، وقدر أنه سيموت خلال بضع سنين، ولولا اكتشاف الأنسولين الذى عولج به لما عاش هذا العالم ليحقق اكتشافه الذى استحق من أجله جائزة نوبل