إجهاد العضلات» يؤثر على ممارسي الرياضة في الصيف وعلى الكتّاب أيضاً
التقلص العضلي muscle cramp، أو الشد العضلي، حالة من الانقباض المفاجئ في إحدى العضلات أو مجموعة منها. والنتيجة قد تكون شعوراً بألم شديد وحاد في تلك العضلة، أو العضلات. ويكثر حصول حالة التقلص العضلي لدى ممارسي الرياضة، من هواة ومحترفين، وذلك نتيجة «إجهاد الاستخدام» لعضلة ما أو لمجموعة من العضلات في إحدى مناطق الجسم، خاصة بوجود جفاف في الجسم. وأحدنا، حتى حينما يكون في منزله المُكيّف ويتناول كميات جيدة من السوائل، يظل عُرضة لحالات تقلص العضلات، وذلك مثل ما يحصل في أصابع الإبهام والسبابة والوسطى، لدى الكتابة بالقلم لفترات طويلة أو الضغط عليه. أو ما يُعرف بتقلص يد الكاتب Writer"s cramp. وكذا الحال عند قيام أحدنا بتشذيب أشجار حديقة المنزل باستخدام «مقص الحديقة»، أو ممارسته هواية الرسم بالفرشاة، لأوقات طويلة. والسبب أن آلية هذه الأمور واحدة، وهي الاستخدام الطويل، والمُجهد، لمجموعة واحدة من العضلات، دونما إعطاء وقت كاف من الراحة. إلا أن اللافت، أيضاً، أن البعض قد يُصاب بتقلص العضلة أثناء وقت الراحة وعدم إجهاد عضلات جسمه بحركات متكررة. وأشهر الحالات، تلك التقلصات التي تطال عضلات خلفية الساق، أو ما يحلو للبعض تسميتها «بطة الساق»، أثناء النوم.ومن الأمثلة الأخرى لتقلص العضلات، تلك الآلام الناجمة عن تقلص نوع «العضلات الناعمة» في الرحم خلال ما قبل وأثناء نزيف الدورة الشهرية أو خلال عملية الولادة. وآلام تقلص عضلات المرارة عند انقباضها حال احتواء المرارة على حصوات، أو أثناء خروج حصوات الكلى عبر الحالبين.
* آلية تقلص العضلة
* وتُعتبر آلية «كثرة الاستخدام» Overuse، العامل الرئيسي لنشوء تقلص في العضلة، ذلك أن الإجهاد المتكرر لتحريك العضلة أثناء اللعب أو القيام بأعمال وظيفية أو منزلية أو ترفيهية، يُؤدي إلى اختلال تناغم عملية انزلاق الألياف العضلية فيما بينها البعض. ومعلوم أن العضلة مكونة من ألياف دقيقة. وحصول الانقباض بعد وصول الإشارات العصبية الكهربائية إليها، يعتمد على سلاسة وتناغم الانزلاق لتلك الألياف كي تدخل في بعضها البعض، بفعل مركبات كيميائية خاصة لإنتاج الطاقة. كما يتطلب انبساط العضلة إعادة الألياف إلى الوضعية التي تكون فيها غير متداخلة ومتشابكة. وأقرب الأمثلة لانقباض العضلة وانزلاق أليافها هي عند إدخالنا مُشطين للشعر على بعضهما البعض. وإضافة إلى الإجهاد وتكرار الاستخدام، فإن ما يجعل الأمر أكثر سوءاً، والاحتمال أكبر، هو وجود حالة من الجفاف ونقص تروية العضلة بالكمية اللازمة لها من الماء، أو حصول إصابة ارتطام العضلة بقوة خارجية، أثناء استخدامها في الغالب. واللاعبون الرياضيون، وخلال ممارستهم للمباريات الرياضية في أوقات فصل الصيف، أو في الأماكن الحارة والمغلقة، وعند إجهاد أنفسهم في حمى المنافسات الرياضية، ومع عدم تناولهم لكميات كافية من السوائل، هم الأكثر عُرضة للمعاناة من تقلص العضلات، وخاصة في الساقين.
وأهمية السوائل لحركة العضلات ومنع إصابتها بالتقلص، نابعة من أن وجود الماء هو عامل مُسهل لسرعة تتابع عملية الانقباض والانبساط، ومنع التوتر والخلل في حركة التركيب الداخلية لألياف العضلات. وأهمية توفر السوائل في العضلة لا تظهر فقط في حالات الجفاف، بل ثمة حالات من التقلص العضلي المُصاحبة لأمراض الشرايين. وبالتالي تدني تزويد عضلة ما، أو مجموعة من العضلات، بالدم. ولذا فإن وجود ضيق في مجرى أحد الشرايين الكبيرة أو المتوسطة التي تُزود عضلة الساقين مثلا بالدم، كنتيجة لوجود مرض تصلب الشرايين وترسبات الكولسترول في جدرانها، سبب في معاناة البعض من ألم شديد في العضلات، مُشابه للذي يُصيب العضلة حال تقلصها أثناء ممارسة الجهد العضلي في الرياضة أو غيرها. ونوعية ألم العضلة المُصاحب لأمراض الشرايين، يزول في الغالب خلال دقيقة أو دقيقتين من وقف ممارسة الجهد العضلي أو الوقوف، وأخذ قسط من الراحة.
* أسباب تقلص العضلات
* ومن الواضح، كما تقدم، تأثير عوامل الإجهاد وتكرار استخدام العضلة في ارتفاع احتمالات الإصابة بتقلص العضلة. وكذا عوامل الجفاف وقلة تزويد العضلة بالسوائل ونقص ترويتها بالدم المحمل بالماء والأوكسجين والأملاح والطاقة.وهناك أسباب أخرى، مثل حينما يكون ثمة ضغط على أحد الأعصاب، في منطقة الظهر مثلا نتيجة لوجود ضيق في فقرات الظهر lumbar stenosis ، فإن من المحتمل تكرار المعاناة من ألم في عضلات الساق. وهذه النوعية من الألم تسوء عند المشي لفترات طويلة، ولكنها تقل عند المشي مع إنحاء الظهر شيئا قليلا، مثل أثناء دفع عربة التسوق في السوبر ماركت. وقد تحصل حالات التقلص العضلي عند نقص أحد أنواع الأملاح والمعادن في الجسم، مثل نقص البوتاسيوم، أو نقص الكالسيوم، أو نقص المغنيسيوم. وهنا تلعب دوراً مهماً عوامل مثل نقص تنويع أو كمية للتغذية، أو تناول أحد أنواع الأدوية المُدرّة للبول في حالات ضعف القلب أو ارتفاع ضغط الدم. أو وجود أمراض معينة في الكلى أو في بعض الغدد الصماء أو غيرها من التي تُؤثر على معدلات تلك الأملاح بالدم. وهناك حالات مرضية، تجتمع فيها عدة عوامل بالتسبب في حالات تقلص العضلات، مثل اضطرابات الغدة الدرقية أو مرض السكري أو أمراض الجهاز العصبي أو فقر الدم أو نقص نسبة سكر الدم.
ولأدوية «ستاتين» لخفض الكولسترول تأثير في تقلص العضلات. ومن المعلوم أن أهم الآثار الجانبية لأدوية «ستاتين» الخافضة للكولسترول، مثل ليبيتور وزوكور وكرستور وغيرها، هي التسبب بحالات التهابات الكبد والتهاب العضلات. كما أنها قد تكون سبب في تقلص العضلات وآلامها.
وما يرفع احتمالات حصول تأثيرات لهذه الأدوية على العضلات، ممارسة الإجهاد العضلي العنيف والمتكرر، ووجود اضطرابات في الغدد الصماء، وخاصة الغدة الدرقية. وتُشير بعض الإحصائيات غير الدقيقة جداً، أن حوالي 75% من الرياضيين المستخدمين لهذه الأدوية، يُعانون من آن لأخر من تقلصات عضلية، وخاصة النساء منهم. هذا في حين أن النسبة لا تتجاوز 20% لدى بقية الناس العاديين.
* فحوصات ومعالجة
* ويُمكن لأحدنا التعامل بشكل صحيح مع تقلص العضلات متى ما تنبه لعلامات حصولها. والعلامات الرئيسية أو أعراض تقلصات العضلات تشمل:
> الشعور المفاجئ بحالة من الألم والشد العضلي، وخاصة في الساق.
> الإحساس بتكون كتلة عضلية تحت الجلد، أو رؤية وجودها بوضوح بالعين المُجردة.
ويشكو البعض من تقلصات العضلات العارضة، ومن آن لآخر، ولأسباب واضحة تتعلق بالإجهاد. وهذه الحالات، التي تزول بالراحة وتناول السوائل وتدليك العضلة، لا تتطلب أكثر من تلك العناية. ويتطلب الوضع مراجعة الطبيب وإجراء الفحوصات لمعرفة أسباب الأمر حين المعاناة من:
> حالات متكررة بشكل شبه يومي، من تقلص العضلات. > حالات مفاجئة وشديدة بدرجة مؤلمة منها. > حالات مزعجة قد تحصل أثناء أداء أعمال تتطلب الحفاظ على المهارة، كقيادة السيارة أو أداء غير ذلك من الأعمال.
والمطلوب هو معرفة السبب ووضع خطة علاجية تمنع أو تُقلل من تلك الإصابات لنوبات تقلص العضلات. وعند الإصابة المنزلية بتقلص عضلات الساقين، يكون اللجوء إلى الشد اللطيف والخفيف للعضلات المتقلصة، دون الشد العنيف الذي قد يُؤدي إلى تمزقها. ومع هذا التدليك المتوسط الشدة، بالإمكان وضع كمادات باردة، وليست مُثلجة، لإعطاء العضلة المنقبضة شيئاً من الارتخاء. ويُمكن استخدام كمادات دافئة، وليست حارة جداً، أو الجلوس في مغطس الحمام المملوء بالماء الدافئ، عند وجود ألم في العضلات أو أماكن مؤلمة فيها عند لمسها. وثمة معالجات دوائية تُساعد عضلات الساقين على عدم التقلص وإعطائها مزيداً من الاسترخاء خلال الليل. هذا مع ملاحظة تأثيراتها الجانبية على توسيع شرايين الجسم وانخفاض ضغط الدم.
* شرب ماء «تونك» .. والتقلصات الليلية للساق
* واحدة من الحالات المجهولة السبب، والتي قد تُصيب الإنسان في أي مرحلة من مراحل العمر، هي تلك النوبات المتفاوتة الشدة من التقلصات العضلية في الساقين والقدمين.
وفي حالات التقلصات الليلية للساق Nocturnal leg cramps، تحصل انقباضات لا إرادية في الساق أو القدم، أو أماكن أخرى من الجسم، خلال الليل في الغالب، أو أحياناً في أوقات الراحة. وقد يُعاني البعض من تلك النوبات المؤلمة بضع ثوان أو بضع دقائق. وقد تحصل ثم تزول، أو تتكرر في الليلة الواحدة. وعادة ما يستمر الألم بضع دقائق أو أقل بعد زوال التقلص والانقباض عن العضلة. وبالرغم من أن كبار السن أكثر عُرضة، إلا أن الإصابات بها قد تحصل حتى لدى المراهقين.
ويزداد الأمر سوءاً عند ممارسة الرياضة الليلية أو وجود جفاف في الجسم. وبالرغم من عدم معرفة الأطباء لأسباب نشوء هذه الحالة، إلا أن عوامل مثل انخفاض نسبة المغنيسيوم أو البوتاسيوم أو الكالسيوم أو الصوديوم في الجسم، قد تكون من الأسباب. وكذلك طول الجلوس أو الاستلقاء. وبعض الحوامل يُعانين من نفس التقلصات العضلية خلال المراحل الأخيرة من الحمل.
ومن المثير ما يذكره بعض المرضى من أن قيامهم ومشيهم حال بدء الشعور بالتقلصات تلك، يُسهم في تخفيف المشكلة، أو أن تناولهم لماء مُقو، أو ما يُسمى «تونك واتر» tonic water، بمقدار كأس أو كأسين، يُخفف من تلك المشكلة. ومعلوم أن ماء «تونك» يحتوي على مركبات «كوينين» العاملة على تسهيل زوال انقباض العضلات، إضافة إلى توفيرها تزويد الجسم بالسوائل. كما أن بعض المرضى يذكر أنهم يستفيدون من تناول أطعمة تحتوي نشويات، خلال وجبات العشاء، كالأرز مثلا.
استشاري بقسم الباطنية في المستشفى العسكري بالرياض
د. عبير مبارك