القاهرة - (إذاعة هولندا العالمية):
''آخر نكتة هههه هو في حد نفسه لحاجة زي كدا. أنت مش شايف اللي بيحصل في البلد''.. بهذه الكلمات العامية وبعفوية رد أحمد مصطفى عندما طلب منه أن يحكي آخر نكتة وهو يمضي وقته في مقهى شعبي في منطقة عابدين القريبة من وسط القاهرة حيث كان يحتسي الشاي و يلعب الدومينو مع أصدقائه.
أزمات
وحال أحمد كحال الكثير من المصريين الذين فارقت وجوههم الابتسامة العريضة التي تميزوا بها على مر العقود حتى في أحلك الظروف، بسبب الأوضاع السياسة المتأزمة في البلاد وما تشهده من اشتباكات دموية واضطرابات سياسية تعد الأسوأ منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك منذ عامين.
تتسارع حلقات الأزمة المصرية بعد الثورة في شكل احتجاجات لم تهدأ في الشارع المصري، ليس فقط في العاصمة وإنما في مدن عدة فضلا عن المأزق السياسي الذي لم تخرج منه السلطة الجديدة. فما أن تنهي البلاد من نهاية فصل من فصول الاحتقان السياسي والاحتجاجات والاشتباكات تخلف وراءها الكثير من الضحايا حتى تندلع جبهة جديدة من الاحتجاجات يسقط على إثرها الكثير.
وكان آخر تلك الفصول موجة العصيان التي اجتاحت عدة مدن مصرية خاصة مدينة بورسعيد التي انسحبت منها قوات الشرطة منذ أسبوعين عقب اشتباكات أودت بحياة العشرات وأسندت المهام الأمنية بها لقوات الجيش التي انتشرت في المدينة الساحلية منذ صدور حكم بالإعدام في 26 يناير الماضي ضد 21 شخصا كلهم من أهالي المدينة الساحلية على خلفية أعمال شغب اندلعت في ملعب بورسعيد، والتي عرفت إعلاميا ''بمذبحة استاد بورسعيد'' وقتل فيها نحو 72 شخصا من مشجعي النادي الأهلي في فبراير 2011.
يأس
ألقت تلك الأحداث بظلالها على المزاج العام للمصريين، فعلى الرغم مما عرف عن المصريين من مواجهتهم للأزمات بالنكات إلا أن الأزمات السياسية الأخيرة خلقت حالة وجوم سادت وجوه الكثير في الشارع المصري تزامنت أيضا مع اختفاء خفة الدم المصرية.
ورغم أنه عرف عن المصريين تبادلهم النكات أثناء جلوسهم في المقاهي، إلا أنه لوحظ غياب هذا في الكثير من الجلسات التي تجمع المصريين على المقاهي حيث استحوذ الوضع السياسي وحالة الاستقطاب المتنامية في البلاد على معظم أحاديث المصريين التي غاب عنها الطابع المرح.
وفي حديث لإذاعة هولندا العالمية، أرجعت أستاذة علم الاجتماع الدكتورة غزة كريم غياب الابتسامة على وجه المصريين إلى تنامي القلق والخوف على خلفية الأوضاع الأمنية المتردية في البلاد. وتضيف غزة المتخصصة في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة قائلة:
''فقدان الابتسامة لدى المصريين كان في الماضي بسبب اليأس الشديد على المستقبل، ولكن الآن أصبح ذلك بسبب القلق والخوف الشديدين على إثر الأوضاع اليومية التي يعيشها الإنسان المصري. أصبح المصري قلقا بشأن مصاعب ومشاكل اليوم الذي يعيش فيه وليس على المستقبل، فلا يخلو يوم دون حدوث مظاهرات واشتباكات وحرائق وكل هذا يجعل الإنسان أسير قلق يومي لأنه لا يعرف ماذا سيحدث''.
كآبة
واستطردت الدكتورة غزة قائلة إن القلق لا يمكن ''أن يصاحبه ابتسامة على الوجه. لابد أن يتمتع الإنسان بقدر بسيط من الشعور بالأمان حتى يكون لدية الاستعداد والمقدرة على الابتسام ''.
وعلى مقهى آخر في حي السيدة زينب الشعبي وسط القاهرة، ذهب محمد حسن، وهو محام شاب، إلى القول بأن الأحداث الملتهبة التي ما زالت تدمي مصر وسقوط الكثير بين قتلى ومصابين في اشتباكات تقع في معظم المناطق في البلاد خاصة في بورسعيد المضطربة تطفي على الجميع حالة من الحزن. وقال وهو يدخن الشيشة:
''الوضع الصعب يجعل الناس تشعر بالكآبة في أي مكان الناس وتجعلهم مستاءين سواء في العمل وفي الشارع وحتى في المقاهي. الناس تشعر بالحزن. كانت الاشتباكات وأعمال العنف في البداية منحصرة في ميدان التحرير، الآن الاشتباكات في بورسعيد والمنصورة والمحلة''.
''آساحبي''
ومع تنامي انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في مصر سواء الفيسبوك أو موقع المدونات الصغيرة ''تويتر''، لعبت الصفحات التي أنشئت على تلك المواقع دورا كبيرا في رسم البسمة على وجوه المصريين.
فمع تزايد الزخم السياسي في مصر وما تشهده الساحة المصرية من أحداث متصاعدة نجحت صفحات مثل آساحبي – وهي صفحة ساخرة أنشأت على الفيسبوك إبان الانتخابات الرئاسية في مصر منذ حوالي عامين- على جلب مئات بل الآلاف من المستخدمين إليها حيث يتبادل المصريون التعليقات الساخرة بشأن آخر تطورات الوضع السياسي في البلاد.
فمجرد حدوث أي مستجد على الساحة المصرية يتجه المصريون خاصة من فئة الشباب صوب الفيسبوك وتويتر لمعرفة ردود فعل النشطاء والسياسيين على صفحات الإنترنت على تلك الأحداث. وتزداد أهمية العالم الافتراضي في مصر باعتباره واحدا من أهم المؤشرات في البلاد نظرا لأن الكثير من المصريين يستخدمون فيسبوك أو تويتر للتواصل أو الاثنين معا.
فقد كشفت شركة جوجل أن عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية في البلاد تجاوز 31 مليون شخص في عام 2012 بزيادة تقدر بنسبة 17 في المائة عن عام 2011 في حين يتوقع خلال الفترة المقبلة أن يصل عدد مشتركي الفيسبوك وحده إلى 12 مليون مشتركا.
فكاهة افتراضية
ومع التعليقات الساخرة التي يكتبها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في رد فعلهم على الأحداث السياسية بدأت تلك المواقع تشكل مصدرا للفكاهة والمرح للمصرين .
ويعزو علي أبو زيد - محلل اجتماعي إعلامي - ذلك إلى الإمكانات الضخمة التي أتاحتها وسائط التواصل الحديثة كالصورة والفيديو وتفاعلها مع أشكال السخرية النمطية التي يجيدها رجل الشارع العادي في مصر.
وفي حديث لإذاعة هولندا العالمية قال أبو زيد إن ''التعليقات الساخرة الناجحة على مواقع التواصل الاجتماعي تتمتع بتأثير كبير، فسرعان ما تنتقل من الواقع الافتراضي إلى الواقع المعيشي وتنتشر انتشارا واسعا خاصة بين جيل الشباب محققة تثبيتا للصفات الإيجابية أو السلبية التي تطارد الشخصيات المتصدرة للمشهد السياسي أو الاجتماعي؛ مثلا كلمة (البوب) التي باتت لصيقة بالدكتور محمد البرادعي وكلمة (الاستبن) التي تلازم الرئيس المصري محمد مرسي.''