سليمان الحلبي
سليمان الحلبي
قصة اغتيال كليبر
ولد سليمان الحلبي عام 1777 م – في قرية كوكان بالقرب من عفرين / محافظة حلب السورية ، وهو من عائلة كردية اسمه ” أوس كوبار” وهذا ما اورده بعض المؤرخين المصريين والمؤرخين الفرنسيين عنه، ويعمل والده المتدين محمد أمين في مهنة بيع السمن وزيت الزيتون
سافر سليمان الحلبي من حلب إلى القدس عندما عاد الوزير العثماني بعد هزيمته أمام الفرنسيين، فأرسل الوزير الموجود في غزة أحد آغواته الذي كان معه في غزة وهو أحمد آغا إلى القدس ليتسلم منصبه في بيت المتسلم (الوالي). فعمد سليمان الحلبي إلى مقابلة المتسلم الذي عرض عليه لكي يرفع العبء عن والده المسجون بسبب الديون، أن يغتال قائد الجيش الفرنسي الجنرال جان بابتيست كليبر. وقد وافق على تلك المهمة، فأرسله إلى الوزير العثماني ياسين آغا الموجود في غزة، حيث تم الاتفاق على خطة سليمان الحلبي وتبلورت الفكرة في قتل القائد الفرنسي وسافر إلى القاهرة للقيام بها.
وقد قيل أيضا فى سبب مجئ سليمان الحلبى لمصر
عندما بلغ الشاب سليمان العشرين من عمره، أرسله أبوه عام 1797 براً إلى القاهرة ليتلقّى العلوم الإسلامية في الأزهر، فاستقر في «رواق الشوام» المخصص للسكن الداخلي لطلبة الأزهر من أبناء بلاد الشام، حيث التعلم والمبيت مع أقرانه الشوام .وقد توطدت صلته بالشيخ أحمد الشرقاوي، أحد أساتذته الشيوخ في الأزهر، حتى أنه كان يبيت أحياناً في منزل هذا الشيخ الذي رفض الاستسلام للغزوة الفرنسية، مساهماً في إشعال فتيل ثورة القاهرة الأولى يوم 21 تشرين الأول عام 1798. وكان سليمان الحلبي بجانب أستاذه الشيخ الشرقاوي عند اقتحام جيش نابليون أرض الجيزة، ثم أرض «المحروسة» (القاهرة). وقد قتل الشيخ الشرقاوي فيما بعد على يد كليبر.
لقد كانت مصر فى في ذلك الوقت الذي كانت تموج فيه البلاد بمساوئ الاحتلال، مع يقين المستعمر أنه في أوج انتصاره، وأنه قد أخمد الأنفاس، وقضى على حركة التحرير، قدم من حلب سليمان الحلبي، وعمره أربعة وعشرون عاماً؛ ليتابع دراسته في الأزهر الشريف، فأقام في القاهرة مع زملائه. وكان الأزهر الشريف في ذلك الوقت مشعلاً في إذكاء روح الثورة، وفي قيادة المقاومة الشعبية، وهكذا ولدت من بين جدران الأزهر فكرة الانتقام من الاحتلال في شخص قائد الحملة كليبر، إذ كان لابد من عمل وطني يهز الحملة الفرنسية، ويجعلها تشعر بأن المقاومة لم تمت رغم وفاة معظم قادتها، وأن الشعب لم يستسلم. وكان سليمان الحلبي قد غادر أرض مصر إلى بلاد الشام هرباً من بطش الفرنسيين بعد أن أقام في القاهرة ثلاث سنوات، فقضى فريضة الحج، ورحل بعدها إلى مسقط رأسه حلب، وهناك شاهد ما يلقاه الأهالي والتجار، وعلى رأسهم والده على يد واليها أحمد آغا، من الاضطهاد والتعسف ومطالبته لهم دائماً بالغرامات والضرائب التي أثقلت كاهلهم .
وكما ذكرنا سابقاً كلم سليمان الحلبي أحمد آغا مطالباً إياه بتخفيف الغرامة عن والده، فكلفه ذاك بالتوجه إلى مصر لقتل كليبر، سيما وأن سليمان الحلبي كان قد انضم إلى خلايا سرية تعمل على جهاد الفرنسيين.
وبعد أن وافق على إتمام المهمة، أرسله أحمد آغا إلى ياسين آغا في غزة ليعطيه مصروف المهمة، وانزوى سليمان الحلبي في عقر داره يفكر في رسم خطة يتبعها، فإذا به يأخذ طريقه في صباح أحد الأيام إلى القدس، فصلى في المسجد الأقصى في آذار 1800، ثم توجه إلى الخليل حيث إبراهيم بك ورجاله في نابلس.
وبعد عشرين يوماً من إقامته في الخليل، سار في نيسان 1800 إلى غزة ليدخل في استضافة ياسين آغا (أحد أنصار إبراهيم بك) في الجامع الكبير، وسلمه سليمان رسالة من أحمد آغا المقيم في حلب تتعلق بخطة تكليفه بقتل الجنرال كليبر، نظراً لكون سليمان عنصراً من عناصر المقاومة التي تناضل في سبيل تحرير مصر من الغزاة.
وفي غزة قابل سليمان ياسين آغا، ووعده الأخير بأن يرفع الغرامات عن أبيه، وأن يجعل نظره عليه في كل ما يلزمه إن استطاع ذلك، وأوصاه أن يسكن جامع الأزهر، وألاّ يخبر أحدًا عن مهمته. ثم سلّمه ياسين آغا 40 قرشاً لتغطية نفقات سفره برفقة قافلة الجمال التي تحمل الصابون والتبغ إلى مصر، وليشتري سكينة من محلة في بلدة غزة، وهي السكينة أو الخنجر الذي قتل به سليمان الجنرال كليبر.
واستغرقت رحلة القافلة من غزة إلى القاهرة ستة أيام، وانضم سليمان ثانية إلى مجموعة طلاب الأزهر الشوام المقيمين في رواق الشوام، وكان منهم أربعة من مقرئي القرآن من فتيان فلسطين أبناء غزة، وهم محمد وعبد الله وسعيد عبد القادر الغزي، وأحمد الوالي، وأعلمهم سليمان بعزمه على قتل الجنرال كليبر، وأنه نذر حياته للجهاد في سبيل تحرير مصر من الغزاة، ولكنهم لم يأخذوا كلامه أولاً على محمل الجد، باعتباره كان يمارس مهنة كاتب عربي (عرضحالجي).
تنفيذ خطة قتل كليبر
و تنكر سليمان الحلبي في زي شحاذ، وتسلل إلى حديقة قصر كليبر بينما كان الجنرال الفرنسي يتناول الغداء في قصر مجاور لسكنه مع كبير مهندسيه، وعندما دخل كليبر الحديقة اندفع سليمان الحلبي نحوه وهو يتظاهر برغبته في تقبيل يده، فمد كليبر يده إليه، فأمسكها الحلبي بقوة، ثم طعنه بالسكين أربع طعنات قاتلة ولاذ بالفرار، إلى أن اعتقله الفرنسيون بعد يومين مختبئاً في حديقة مجاورة.
ويصف أحد مؤرخي الحملة الفرنسية نقلا عن مذكرات أحد رجالها ما حدث خلال هذين اليومين بقوله:
“اندفعنا إلى الخارج، وقتلنا بسيوفنا وخناجرنا جميع من صادفناهم من الرجال والنساء والأطفال” وبعدما اصطبغت شوارع القاهرة بالدماء عثر الفرنسيون على الحلبي وقدموه للمحاكمة
دفن الجنرال كليبر
في اليوم التالي تأهب الفرنسيون لدفن قائدهم القتيل، فشيّعوا جنازته في موكب حافل، ولما ابتدأت الجنازة بالتحرك أطلقت مدافع وبنادق كثيرة، ثم ابتدأ الموكب بالمسير، فلما وصلوا إلى تل العقارب بالقرب من القلعة التي بنوها هنالك أطلقوا عدة مدافع أخرى، وكانوا قد أحضروا سليمان الحلبي وزملاءه. وفي الساعة الحادية عشرة والنصف من ذاك اليوم أي في 28 حزيران 1800، نفذ حكم الإعدام بالفلسطينيين الثلاثة أمام سليمان الحلبي، وتم حرق أجسادهم حتى التفحم، وقد تم ذلك كله أمام سليمان الحلبي وقبل إعدامه، ثم أحرقت اليد اليمنى لسليمان الحلبي، وغرز وتد الخازوق في مؤخرته فوق التل، وبقي جثمانه على الخازوق، ثم استأنف الموكب سيره حتى وصل إلى باب قصر العيني، وهنالك واروا الصندوق الرصاصي الذي وضعوا فيه كليبر في كثيب من التراب، وأحاطوا مكانه بسياج من الخشب، غطوه بالقماش الأبيض، وبالعلم الفرنسي، ووضعوا فوق العلم السكين التي استخدمها سليمان الحلبي، وزرعوا حوله أعواد السرو، ونصّب على القبر جنديان مسلحان يتناوبان حراسته ليل نهار
محاكمة سليمان الحلبي
في اليوم التالي مباشرة للواقعة قدم سليمان الحلبي امام محكمة عسكرية فرنسية مكونة من تسعة ضباط بجلسة علنية بتهمة قتل القائد العام والشروع في قتل كبير مهندسي الحملة وقدم معه ايضا اربعة من زملائه الدارسين بالازهر ومقيمين معه بذات المسكن بحي الحسين وهم:
(محمد وعبدالله وعبدالقادر الغزي) واحمد الوالي وجميعهم من غزة,, وقد وجهت اليهم تهمة عدم ابلاغ السلطات بالجريمة رغم علمهم بها.
وقد أنكر سليمان الحلبي في بادئ الامر ما نسب اليه ثم عاد واعترف بالواقعة مقررا انه حضر من سوريا مصمما على قتل القائد الفرنسي ليخلص مصر من الاحتلال الاجنبي، وقد اعترف زملاؤه الثلاثة بأنهم علموا بنية سليمان الحلبي وتصميمه على قتل كليبر الا أنهم لم يحرضوه على ذلك وحاولوا إثناءه واعتقدوا انه غير جاد وان ما قرره مجرد حديث عابر.
وقد صور المدعي العمومي في مرافعته ظروف الجريمة تفصيليا، ووصف المتهمين بانهم قتلة مأجورون ارتكبوا جريمتهم لحساب العثمانيين، وانهم ليسوا اصحاب مبدأ او عقيدة او قضية.
وقد صدر الحكم في زمن قياسي لتكون جملة ما استغرقه التحقيق والمحاكمة اربعة ايام فقط وصدر بإدانة كل من سليمان الحلبي (ومحمد وعبدالله وعبدالقادر الغزي) واحمد الوالي على ان ينفذ الحكم على النحو التالي:
اولا: تحرق اليد اليمنى لسليمان الحلبي ثم يعدم فوق الخازوق وتترك جثته فوقه حتى تفترسها الجوارح وان يكون ذلك خارج البلاد فوق التل المعروفة باسم (تل العقارب) وان يقع التنفيذ علنا عقب تشييح جنازة القائد العام وبحضور رجال الجيش واهل البلاد.
ثانيا: ان يعدم عبدالقادر الغزي على الخازوق ايضا وان تصادر امواله من عقار ومنقول لحساب الجمهورية الفرنسية.
ثالثا: ان يعدم كل من محمد الغزي وعبدالله الغزي واحمد الوالي بقطع الرأس ثم توضع رؤوسهم فوق الرماح وتحرق جثثهم بالنار وان يكون ذلك فوق تل العقارب ايضا، وامام سليمان الحلبي قبل ان ينفذ فيه الحكم.
وفي يوم الاربعاء 17 يونيو عام 1800 بدأ تنفيذ الحكم بعد دفن جثة كليبر وقد تم الاعدام بأحراق يد سليمان الحلبي اليمنى التي امسكت بالخنجر الذي اودى بحياة كليبر ثم اعدم عقب ذلك بالخازوق.
وقد اعدم زملاء (سليمان الحلبي) الآخرون وذلك بقطع رؤوسهم واحراق جثثهم عقب ذلك على الفحم وقد تم ذلك كله امام سليمان الحلبي وقبل اعدامه لمزيد من الايلام والرهبة ووضعت مع الجثث اليد اليمنى لسليمان الحلبي.
وعقب تشريح جثة سليمان الحلبي نقلت رأسه الى فرنسا ووضعت في متحف باريس الجنائي.
وهكذا كان إعدام سليمان الحلبي بمنتهى القسوة والوحشية وعلى الرغم من تمسك الفرنسيين اثناء المحاكمة بالإجراءات القضائية الحديثة, واهتمامهم بابراز اخذهم بمظاهر الحضارة الاوروبية الا ان ما تم من اجراءات كان بعيدا عن الحضارة الانسانية.
ويجمع المؤرخون على أن مقتل كليبر هو الذي عجل بإنهاء الحملة الفرنسية على مصر، وبذلك فإن هذا الرجل فعل بشكل منفرد ما يعجز جيش كامل عن فعله، وعند رحيل الحملة، حمل الجنرال عبدالله جاك مينو، الذي خلف كليبر في القيادة وادعى الإسلام وتزوج سيدة مصرية مطلقة، عظام كليبر في صندوق، وعظام سليمان الحلبي في صندوق آخر إلى باريس.
المطالبة باسترداد جثة البطل من فرنسا وعدم وصفه بالإرهابي
ربما نتفهم الأسباب التي دفعت قادة الحملة الفرنسية على مصر (1798 1801) إلى اعتبار سليمان الحلبي ، قاتل الجنرال كليبر، ممثل نابليون بونابرت في مصر، مجرماً، فالقوات الغازية التي تجتاح أراضي دولة أخرى تطلق صفة الأجرام على من يقاومها، وقد اعتبرت بريطانيا جان دارك التي قادت الجيوش الفرنسية لمواجهة الغزاة الانجليز مجرمة وقدمتها للمحاكمة وأحرقتها حية على الصليب، والقوات النازية التي غزت باريس أثناء الحرب العالمية الثانية اعتبرت ديجول، الذي كان يقود المقاومة الفرنسية من الخارج مجرماً، ولو تمكنت من إلقاء القبض عليه لوضعته في أفران الغاز.
ولكن التاريخ له أحكامه، ومن هذه الأحكام أن جان دارك لم تحرك الجيوش الفرنسية خارج بلادها، ولم تأمرها باحتلال بلاد الآخرين، وديجول تزعم المقاومة فوق أرض بلاده التي وجب الدفاع شرعا عنها، مالاً وعرضاً وتراباً، ولذلك نظر التاريخ إليهما باعتبارهما بطلين لا مجرمين، واعتبرهما قدوة لمن تتعرض بلاده لغزو من جانب قوات احتلال غاصبة.
ورفات سليمان الحلبي موجودة حاليا في فرنسا، وجمجمته معروضة في متحف الانسان في قصر شايو في باريس إلى جانب جمجمة ديكارت، فيلسوف فرنسا الأكبر، وقد كتب تحت الجمجمة الأولى “جمجمة العبقري: ديكارت” وتحت الثانية: “جمجمة المجرم سليمان الحلبي”.
ووصف سليمان الحلبي بالإجرام فيه انتهاك لكل قيم الحق والخير والعدالة التي عرفها البشر، أو هو أشبه بوصف جان دارك وديجول وجورج واشنطن بالإجرام، لأنهم تحركوا للدفاع عن بلادهم ضد الغزاة. والمجرم الحقيقي هو القوات الفرنسية الغازية التي هدمت ونهبت وقتلت وأشعلت الحرائق في المناطق التي وقعت تحت سيطرتها من مصر من دون وازع.
وهنالك حركة شعبية عربية حاليا للمطالبة باستعادة رفات وجمجمة سليمان الحلبي من فرنسا. و قدم العديد من المثقفين العرب طلب لاستعادة الجثة ..
منها رسالة أرسلها الكاتب والمترجم محمد غريب جودة من الإسكندرية , يؤكد فيها وقوف المثقفين القوميين في مصر إلى جانب أخوتهم السوريين في هذه الحملة , معتذراً بالنيابة عن الذين أساؤوا إلى البطل سليمان الحلبي حين نفوا صفة الشهادة والبطولة عنه , وقد ذكر الكاتب جودة في رسالته قائلاً :
( نحن في مصر- المثقفين القوميين – نتفاعل بشدة مع هذه القضية وننظر دائماً بعين الإجلال والإكبار لكل أبطال وشهداء الأمة و منهم السوريان سليمان الحلبي وجول جمال اللذان استشهدا دفاعاً عن الأمة وبصفة خاصة دفاعاً عن مصر وشعبها , ومن ثم فلدينا الرغبة للمساهمة في أي موقف وطني موحد يمكن أن يسفر عن عودة رفات البطل الشهيد إلى تراب الوطن السوري العزيز ليدفن بكل مظاهر التكريم اللائقة ببطل عظيم مثله , وفي احتفال قومي شامل يؤدي أثره في تعميق مفاهيم الوطنية وحب الوطن والأمة في نفوس الأجيال الشابة )
آراء في قضية سليمان الحلبي
تعددت الروايات التي دارت حول سليمان الحلبي وحول الهدف الذي كان وراء قتله الجنرال كليبر، ولا شك أن تلك الروايات التي حاولت تجريد اسم سليمان الحلبي من شرف الاستشهاد في سبيل حرية مصر وأبنائها، تبقى روايات سعى أصحابها إلى نفي صفة البطولة عن هذا المناضل القومي لأسباب عديدة قد نعرف بعضها، ولا نعرف بعضها الآخر. وهناك من يعتبر قضية سليمان الحلبي لغزاً من ألغاز التاريخ تكتنفه علامات الاستفهام، ومنهم من يعتبر سليمان الحلبي خائناً وعميلاً، ومنهم من يشير إلى أن انتقامه كان بدافع الحب!!
وما تلك الإشارات إلا لمحو الدافع القومي الوطني الذي كان سبيلاً لتقديم الحلبي روحه من أجل هذا الوطن .
وقد ظلم هذا البطل على المستويين الرسمي والتاريخي، إذ لم ينصفه من كتب تاريخ تلك الحقبة من الزمن وخاصة الجبرتي، فمروا على ذكره في عبارة تاريخية موجزة تلصق به صفات لا تليق بمن حمل في فكره لواء الدفاع عن أرض بلاده.
وكتب عبد الهادي البكار في صحيفة الشرق الأوسط عن ذلك تحت عنوان «شهيد وبطل أم خائن وعميل .. سليمان الحلبي بين الجبرتي والمؤرخين المعاصرين» يندد بمحاولة تجريد اسم الحلبي من شرف البطولة، ويشير إلى ما يقضي به الوفاء من انضمام الجهود المصرية إلى الجهود السورية لرد الاعتبار إلى الحلبي، فيقول :«ومايحزن القلب حقاً، أن تأتي محاولة تجريد اسم سليمان الحلبي من شرف البطولة والاستشهاد في ذكرى استشهاده المئوية الثانية، من أرض مصر الغالية الحبيبة التي أحبها سليمان الحلبي حتى الموت، ووهبها حياته دون أي تردد تلفظه الجسارة وتتناقض معه. وإذا كانت أطراف سورية غير رسمية قد سعت خلال السنتين المنصرمتين لدى فرنسا معبرة عن رغبتها برد الاعتبار إلى اسم سليمان الحلبي وتطهيره من صفة المجرم اللصيقة بجمجمته في متحف أنفاليد، وبالموافقة على أن تسترد سورية رفاته من فرنسا لإعادة دفنها في مسقط رأسه (عفرين) أو في مدينة حلب، بصفته بطلاً من شهداء الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، فإن العدل وفضيلة الوفاء يقضيان بضم جهود مصر إلى الجهود السورية في هذا السبيل، وبخاصة أن مصر ملتزمة بفضيلة الوفاء التاريخي في كل العصور، ومن حق روح سليمان الحلبي عليها، أن يكون له نصيب من هذا الوفاء المصري التاريخي الشهير المضاد لكل ألوان الإجحاف والظلم والجحود».
لكن مايسترعي الانتباه والنظر هو ماكتبه المؤرخون المستشرقون عن الحملة الفرنسية على مصر وعن الشجاعة والإقدام اللذين قابل بهما سليمان الحلبي مصيره بعد أن ألقي القبض عليه، وفي ذلك نقرأ ماكتبه لوتسكي عن بطولته :«وقد قابل سليمان الموت ببسالة، إذ وضع يده بجرأة في النار الملتهبة، ولم ينبس ببنت شفة حينما كانت تحترق، كما كان باسلاً طيلة الساعات الأربع والنصف التي قضى من بعدها نحبه وهو مخوزق».
يينما يصف لنا هنري لورنس بعض ماحدث بقوله :«ولحسن الحظ يتم العثور على القاتل الذي كان قد لاذ بحديقة مجاورة، وهو حلبي اسمه سليمان، ويجري على الفور التحقيق معه وتعذيبه على يد بارتيملي الذي يحصل على كل حقائق المسألة، لقد تصرف الرجل بمفرده، وقد اكتفى بكشف المشايخ من الأزهر الذين حاولوا ثنيه عنه دون أن يقوموا مع ذلك بإبلاغ السلطات الفرنسية، ويجري دعوة الشيخين الشرقاوي والعريشي إلى الاجتماع فوراً، وتصدر إليهما الأوامر بالتحرك لإلقاء القبض على عدد من الأزهريين، وتجتمع محكمة عسكرية في 15 و16 يونيو وتحكم على الحلبي بقطع زنده، وبخوزقته علناً، ولا يحق للأزهريين غير الاكتفاء بقطع رؤوسهم، وبعد الدفن يتحرك الحاضرون لمشاهدة عذاب إعدام القاتل، ويجري البدء بقطع رؤوس المشايخ المرتعدين، ثم يحرق بارتيملي زند القاتل ويتجه إلى خوزقته، ويتصرف الحلبي بشجاعة مردداً الشهادتين وآيات من القرآن».
منقول