ما لاشك فيه أن البندقية هي أجمل مدينة بناها الإنسان ..هكذا قال لويجي بارزيني عن فينيسا، أو البندقية كما سماها العرب..
يال سحر هذه المدينة الحالمة العائمة، مدينة الجسور والضوء، مدينة ماركو بولو، أنطونيو فيفالدي والموسيقى الأوبرالية..
مدينة الجزر والقنوات، 116 جزيرة، 150 قناة مياه، 416 جسر..الأبنية هنا مزركشة، وكأنها لوحات فنية تتأهب لمعرض فولكلوري ضخم طيلة السنة ..
أشهر الجسور هنا وأهمها جسر ريالتو، الذي يطل على الغراند كانال..وهو أول جسر أقيم في القناة، الليل فيه آسر وهو يطل على المدينة بعظمة تقطع صوت السكون.
وأنت في فينيسيا، لا تنسى ركوب الجندول، أو Gondola، كما يسميها الإيطاليون، رمز البندقية العائم، هذا القارب التقليدي العريق، الذي حدثني كثيرا عنه صاحبه وهو يعبر بي قنوات المدينة، حيث أخبرني أن الجندول خاصية فينيسية محضة، يصنع في فينيسيا وحدها، مكون من سبعة أنواع من الخشب، ويعمر أكثر من عشرين عاما، كما أن صاحبه يحتاج رخصة لقيادته..
معظم السكان يسافرون عبر الباصات المائية، والزوارق الخاصة، فضلا عن سيارات الأجرة، كما تجد سيارات الإسعاف، وكلها عائمة، باختصار، كل ما هنا يعيش على الماء..
مما أثارني كذلك، الاستعدادات الضخمة للكرنفال الذي سيقام نهاية الشهر، ألبسة العقود القديمة، والأقنعة المنتشرة في كل مكان، إنه الاحتفال الأضخم ، حيث يرتدي الجميع الأزياء التنكرية، يتراشق خلاله الناس بالماء، تعزف الألحان، ويسمح بارتكاب الحماقات..وتعود هذه التقاليد التي احتفظ بها الإيطاليون إلى عهد الرومان .
المكان ساحة سان مارك، وهي الأشهر، حيث كنيسة القديس مارك، واحدة من أعظم الكنائس الكاثوليكية، التي تتميز بقببها الخمس ذات الطابع الشرقي، وبرجها الذي يبلغ ارتفاعه مئة متر، وتحيط بها محلات تجارية فخمة ومتاحف متنوعة ..
بالقرب أيضا يوجد قصر الدوجي، كان محل إقامة دوق فينيسيا، تصميمه مذهل، أسقف أدراجه صنعت من ذهب أربعة وعشرين قيراط، ولازال القصر يحتفظ ببضع قطع أثات تشهد حضارة قديمة زاخرة بفن معماري أصيل ومتميز ..
أقف اللحظة أمام جسر التنهدات، ويروي حكاية تنهيدات السجناء، وهم يمرون فوقه للعبور من قصر العدالة، الذي لا يفصله عن السجن سوى هذا الجسر الصغير، حيث كانوا يقتادون عبره بعد انقضاء المحاكمة..في هذا المكان تتذكر وجع التاريخ..
حيرتني هذه اللوحة، بحثت عن معناها وتاريخها، فلم أجد، خصصت لها بالمتحف غرفة خاصة، أعلى اللوحة مكتوبة عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتتوسطها نجمة اليهود..!!! سأحاول البحث أكثر ..
أما الان ، فأتواجد بمتحف كورير، الذي يضم مقتنيات للزي العسكري لحقب تاريخية متفرقة، ثم إلى المتحف الإركيولوجي ..وهذه بعض الصور التي التقطتها خلسة، فالتصوير بهذه المتاحف ممنوع كليا..
وأنا أتجول بالقارب بين قنوات فينيسيا الهادئة، وقفت عند بيت نابوليون بونابرت، الذي يظهر أبيضا هنا، وقد تحول الآن إلى ملكية للدولة..أعود إلى التاريخ، أتذكر أروع القرون، القرن الثامن عشر، التي جلب فيها هذا الفاتح الفرنسي الحضارة لهذه المدينة وجعلها الأكثر أناقة وتطورا ودمجها بين مصاف المدن الأوروبية المزدهرة.
تابعنا الجولة، وبين أبنية عتيقة، وسكون حالم منقطع النظير، ومنظر الشرفات تطل على الجسور، وقفنا عند بيت موزارت، وأصابعه الذهبية تروي قصة المكان، ورحلة حياة مع الموسيقى.
البناية هذه تستحق التأمل ، إنها لماركو بولو، التاجر والرحالة الشهير، مكتشف طريق الحرير نحو الصين، أستحضر اللحظة كتابه الشهير، المليوني، الذي دون فيه أغلب رحلاته..
كيف تكون بفنيسيا ولا تزور مصنع الزجاج بجزيرة مورانو، تبعد عن المدينة ببضع كيلومترات، حيث أشهر مكان لتصنيع الزجاج في العالم، وأجودها على الإطلاق، دخلت المصنع، وحضرت مراحل التصنيع، وكيفية تحول المادة الأولى إلى زجاج بفعل الانصهار، وحتى تشكيل قطع مزخرفة رائعة ..
اقتنيت قطعا شاهدت ولادتها بنفسي، ثم عدت إلى قلب المدينة ..بين أحضان مطاعمها، البحرية الوجبات، والتي تعتمد بشكل كبير على فواكه البحر كأساس للمطبخ الفينيسي ..
أسرار المدينة لا تنتهي، كانت هاته المحطات أبرز ما عشته في فينيسيا هذا الأسبوع، إنه المكان الامن للاحتماء من صخب الحياة، وضجيج الروح، التي تنادي أحيانا بالهروب إلى اللاواقع، كما هذه المدينة الخرافية، التي تعلمك بساطة العيش، وترغمك على تجديد ما بداخلك ..