بنت الشاطئ نموذج للمرأة المثالية
عائشة عبد الرحمن اسم له وزنه الثقافي والعلمي، فهي سيدة عرفت معنى أن تكون المرأة ذات عقل متفتح تستطيع أن تطلع على العلوم المختلفة وتتفوق بل وتنبغ وتصبح شخصية مرموقة ليس بمكانتها الاجتماعية فقط ولكن بمكانة علمية رفيعة المستوى، وهذا هو الأمر الذي طبقته الدكتورة عائشة على نفسها فأصبحت الأستاذة الجامعية العظيمة، والباحثة، والمفكرة، والكاتبة التي على الرغم من رحيلها إلا أن العلماء والباحثين مازالوا يقفون منها موقف الاحترام والتبجيل، ويتساوى في هذا الرجال منهم والنساء.
جاء لقب "بنت الشاطئ" الذي عرفت به من خلال مقالاتها التي كانت توقعها باسم مستعار وليس باسمها الحقيقي، وذلك نظراً لعدم شيوع انخراط المرأة في المجتمع في هذا العصر.
البداية والتعليم
اسمها كاملاً عائشة محمد علي عبد الرحمن، ولدت لأسرة محافظة متوسطة الحال في السادس من نوفمبر عام 1912م بمدينة دمياط بمصر، ترعرعت عائشة في جو يسوده التقدير والتبجيل لمكانة العلم فقد كان والدها عالماً من علماء الأزهر كذلك كان جدها عالماً في الأزهر وواحداً من رواده، فتفتحت مداركها منذ الصغر على العلم كما تربت تربية إسلامية أسهمت كثيراً في رحلتها العلمية بعد ذلك.
على الرغم من عدم انتشار التعليم بين الفتيات في هذا العصر، واعتراض والدها على خروجها من المنزل من أجل العلم، إلا أن عائشة تمكنت من نيل نصيبها من العلم وقد بدأت هذه الرحلة العلمية من كٌتَّاب القرية فحفظت القرآن الكريم، ثم تمكنت من الحصول على شهادة الكفاءة للمعلمات بتفوق وذلك في عام 1929م، ومن بعدها حصلت على الشهادة الثانوية عام 1931م، جاءت بعد ذلك المرحلة الجامعية فقامت بالالتحاق بكلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة، وكالعادة لازمها التفوق طوال المراحل التعليمية التي مرت بها، وذلك ليس من فراغ ولكن نتيجة لمجهود كبير في الدراسة والتحصيل العلمي، وإكمالاً للتفوق حصلت على درجة الماجستير بمرتبة الشرف الأولى عام 1941م ، ومن بعدها شهادة الدكتوراه عام 1950 وكانت موضوعها "رسالة الغفران – دراسة وتحقيق" وقد أشرف على إعداد رسالتها الدكتور والأديب طه حسين وأجيزت رسالتها بتقدير امتياز.
الحياة العملية
تمكنت الدكتورة عائشة من أن تحتل مكانة علمية متميزة وذلك نظراً لجمعها بين دراسة كل من العلوم الإسلامية وعلوم اللغة العربية، فتبوأت العديد من المناصب العلمية المتميزة نذكر من المهام العملية التي أسندت إليها عملها كأستاذة للأدب في عدد من الجامعات المصرية والعربية، مثل عملها كأستاذ للغة العربية بجامعة عين شمس بمصر، وأستاذ للتفسير، والدراسات العليا بكلية الشريعة جامعة القرويين بالمغرب حيث ظلت هناك قرابة العشرين عاماً، وأستاذ زائر لكل من جامعات أم درمان والخرطوم والجزائر وبيروت والإمارات، وكلية التربية للبنات بالرياض في الفترة ما بين 1975 – 1983.
كما شاركت الدكتورة عائشة في العديد من المؤتمرات الدولية وقامت بعدد من التحقيقات العلمية، بالإضافة لإشرافها على إعداد عدد كبير من الرسائل العلمية وناقشت الكثير منها طوال مدة عملها الأكاديمي، قامت أيضاً بنشر العديد من المقالات وكانت البداية في مجلة النهضة النسائية وكانت حينها في الثامنة عشر من عمرها، ثم بدأت تكتب سلسلة من المقالات الأسبوعية في جريدة الأهرام واستمرت تكتب به لفترة كبيرة وكانت أخر مقالاتها في 26 نوفمبر 1998م.
وكانت الدكتورة عائشة عضو في عدد من الهيئات والمجالس العلمية الدولية منها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، وعدد من المجالس القومية المتخصصة، المجلس الأعلى للثقافة، وعضو بهيئة الترشيح لجوائز الدولة التقديرية بمصر.
مؤلفاتها
من خلال مجالها العلمي والبحثي قدمت الدكتورة عائشة العديد من المؤلفات والتحقيقات الهامة، والتي تنوعت ما بين كتب في الدراسات الفقهية والإسلامية والأدبية والتاريخية نذكر منها " أبو العلاء المعري، الإعجاز البياني للقرآن، مسائل ابن الأزرق، التفسير البياني للقرآن الكريم، أم النبي، بنات النبي، تراجم سيدات بيت النبوة، تراثنا بين ماض وحاضر، على الجسر وهو كتاب تتعرض فيه لجزء من سيرتها الذاتية كما تنعي فيه زوجها الراحل، أرض المعجزات ولقاء مع التاريخ، قيم جديدة للأدب العربي القديم والمعاصر، لغتنا والحياة.
لها العديد من الدراسات في المجال اللغوي والأدبي وعملت على تحقيق الكثير من النصوص والوثائق والمخطوطات، من دراستها نذكر: "رسالة الغفران" للمعري، " مقدمة ابن الصلاح " وهي في مصطلح الحديث النبوي الشريف، " رسالة الصاهل والشاحج" للمعري، " الخنساء الشاعرة العربية الأولي".
ونذكر من أبحاثها المرأة المسلمة، رابعة العدوية، القرآن وقضية الحرية الشخصية الإسلامية.
وقد كانت الدكتورة عائشة على علاقة وثيقة بالعديد من العلماء والمفكرين في عصرها سواء على مستوى مصر أو العالم العربي فكانت مهتمة بأفكارهم ودائمة الإطلاع على كتبهم وأبحاثهم.
اهتمت بنت الشاطئ بالمساهمة في العديد من القضايا، والآراء الفكرية القيمة فدافعت عن الإسلام، ودعمت تعليم المرأة وحريتها من خلال المنظور الإسلامي.
الحياة الشخصية
تزوجت الدكتورة عائشة من أستاذها بالجامعة الأستاذ أمين الخولي والذي كان لها الأستاذ والزوج، والصديق، كما كان له أكبر الأثر في حياتها العلمية، وكان الأستاذ أمين واحداَ من الأدباء المتميزين في مصر وكان له صالونه الأدبي بمدرسة الأمناء، وأثمر هذا الزواج عن ثلاثة من الأبناء.
التكريم
نالت الدكتورة عائشة العديد من الجوائز كما حظيت بالتكريم في عدد من المناسبات، فنالت وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1973م من مصر، وجائزة مجمع اللغة العربية لتحقيق النصوص1950م، وأخرى في القصة القصيرة عام 1953م، الجائزة الأولى في الدراسات الاجتماعية والريف المصري 1956م، وحصلت في المغرب على وسام الكفاءة الفكرية عام 1967م، جائزة الدولة التقديرية 1978م، جائزة الآداب من الكويت 1988م، كما حصلت على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام 1994م.
وكنوع من التكريم أيضاً تم إطلاق اسمها على الكثير من المدارس وقاعات المحاضرات في عدد من الدول العربية.
ونالت عضوية عدد من المؤسسات الإسلامية مثل مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، والمجالس القومية المتخصصة
الوفاة
توفت الدكتورة عائشة عبد الرحمن في الأول من ديسمبر 1998م، بعد إصابتها بأزمة قلبية حادة، تاركة إرث ضخم من الكتب ومجموعة من المقالات القيمة، وقد كان لوفاتها عظيم الأثر سواء في نفوس المصريين أو غيرهم من الدول التي قامت الدكتورة عائشة بالتدريس بها، فقد أعدت لها جنازة مهيبة حضرها كوكبة من العلماء والمفكرين، وقام شيخ الأزهر بأمّ صلاة الجنازة عليها، كما قامت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية بإقامة سرادق لتقبل العزاء فيها.