تصدع الإخوان(لوحة الضمور)
كنت لا أود الكتابة في مثل هذه الظروف السياسية التي تمر بها مصر، فاليوم وبعد ما يقرب من عامين على إنجاز ثورة 25 يناير تحدث اشتباكات مؤلمة في ميادين مصر بين الإخوان ومؤيدي الرئيس مرسي وبين كافة الفصائل المدنية المعارضة، ولن أخوض في التفاصيل ولا في التعرض لدوافع هذا أو ذاك، إنما ما يهمني في هذا المجال هو استخلاص العبر التي طالما كنا نشدد عليها قديما وحديثاً، أن الإخوان في حقيقتهم لا يختلفون عن طبيعة الشعب المصري التي ترفض الوصاية الدينية، ولكن بتأثرهم بالنزعة السلفية التي طغت على الوعي الإخواني في السنوات ال30 الأخيرة انتقلوا من الحالة الافتراضية التي كانت تميزهم مع الشعب المصري -والتي من أهم سماتها الوسطية والوضوح- إلى حالة أخرى أقرب التناقض والغموض وخداع الذات.
مثال بارز ما ظهر اليوم على شكل تصريحات سياسية لكبار قادة الإخوان ومنه ما كان للدكتور محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، والذي صرح بأن الإخوان لم ينزلوا ميدان التحرير قبل الرابعة عصراً وبعدها بقليل يخرج علينا عصام العريان يطالب بانسحاب مجموعات شباب الإخوان من الميدان ويطالبهم بالتوجه لدار القضاء العالي للتظاهر ضد النائب العام..وبهذا يكون العريان شاهد إثبات على كذب عضو مكتب الإرشاد الذي لم يكن يعلم بأن الإخوان"يجاهدون" ضد "الكفار العلمانيين" في ميدان التحرير!..منظر أشبه بالدراما الفلكلورية في مرتفعات التبت، فيظهر البطل في نهاية المشهد ليخلص الأسرى بعد شرور إبليس فيجد نفسه مطلوب الرأس وبالإسم..
الرواق السياسي أشبه بالمستطيل الأخضر لن يفوز في المباراة إلا القوي الذي لا يعتمد على التوفيق كعامل رئيسي، والإخوان لا يتعلمون من أخطائهم، فبعد "خيبة" استدعاء البرلمان تأتي إلينا "نكسة" النائب العام والذي أصر مرسي أن يكون خصمه اللدود في المرحلة المقبلة، وكله في إطار خطة التمكين التي اعتمدها مكتب الإرشاد متناسين أن الشعب المصري يئن تحت وطأة الأزمات، وأن التمكين يعقبه مسائلة ستقصي الجماعة نهائياً بإخراج الكارت الأحمر، وبخروج الإخوان من الرواق السياسي يتبقى لدينا مشهداً في غاية التأثير، جماعة ظلت طوال 80 عاماً مضطهدة من قِبل كافة الأنظمة السياسية الحاكمة، وفور اعتلائها سدة الحكم تُخرج كافة مكنوناتها المخزونة في "العقل الجمعي" ويحاسبون بها الشعب فرداً فرداً، حتى لو أنك أقدمت على انتقاد الإخوان أو الرئيس مرسي يُفاجئك شخص بالقول.."هذه جماعة كانت مظلومة فاعطوها فرصة"..وكأن قدر الشعب المصري أن يعطي فرصة لأبناء محمد علي ومن أعقبهم من رؤساء انحطت مصر في عهدهم بعد ما ظلت طوال عدة قرون هي الرائدة والقدوة.
قد ينجح الرئيس مرسي وجماعة الإخوان في الاستحواذ على القضاء المصري وإقصاء النائب العام، ولكنه يبقى حدثاً فارقاً يُظهر لنا أننا أمام جماعة لا تعمل للمبادئ العامة ولا تحترم الدستور ولا القانون، وأن دموعهم في الماضي من ظلم مبارك وعبدالناصر والسادات لم تكن سوى دموعاً للتماسيح ذرفتها عيونهم في لحظاتٍ من الحسرة والانكسار، تعاطف الشعب المصري معهم ولم يحفظوا له الجميل، فكان الجميل أن كان الشعب كله فلول وعملاء، وأن من يعارض مرسي فالنار أولى به...حقيقةً وللإنصاف فأكثرية الجيل القديم للإخوان كان أفضل من الجيل الحالي والذي لم يعد يرقى لحمل دعوة كبيرة نالت من الشهرة بالوسطية والفهم والمناداة بتوحيد المسلمين كجماعة الإخوان، وهنا أفرق بين المشهور والحقيقي، فأظن أن ما اشتهر به الإخوان لم يتحقق صراحة إلا في بضع سنين من عصر أول مكتب إرشاد في عصر الجماعة، بعدها انقلب الإخوان لمنفعتهم دون المنفعة العامة واستفحل الأمر بعد استشهاد حسن البنا –رحمه الله.
إن ضمور الإخوان الحقيقي ليس سياسياً فحسب بل هو وجه من أوجه الضمور الأصيلة التي ترسبت في الوعي الإخواني دون أن يشعروا بحجم الكارثة..يتكلمون عن ضرورة تطبيق الشريعة ثم يؤمنون بالديمقراطية متناسين أن الديمقراطية تفرض عليهم رأي الشعب والذي قد يتعارض مع رؤيتهم حول الشرع..يتكلمون عن الخلافة وكأنهم يعيشون في عصر بني أمية وبني العباس وبني عثمان ثم يتجاهلون سايكس بيكو والثورة الرقمية وعصر الصورة وسيادة المشهد بالضبط كتجاهلهم للثورة العلمية التي أطاحت بمعظم التراث الروائي الذي شكّل- حتى أواخر ازدهار عصر العثمانيين- أصلاً من أصول الفهم السياسي وفكر الخلافة وشيوع مبادئ الشورى على رأي السلطان وحاشيته.
إن ما يعاني منه الإخوان من أزمة وعي وثقافة لا ينفصل عن أزمة الفكر السني والشيعي بالعموم، فكلاهما لا يعيشان الواقع، فترى الشيعي يبكي على الإمام الذي يختاره"بالنص" ثم يذهب للإدلاء بصوته في انتخابات لاختيار إمامه والذي لم يعد بالنص في مفارقة عجيبة!..ثم ترى السني يلعن القانون الوضعي والفرنسي والألماني والنيوزيلاندي والدستور الأمريكي والتنزاني ثم يذهب للتصويت بنعم على نفس الدستور والذي لم يعد ملعوناً!...إنها أزمة وعي لم تقف عند حدود السياسة بل تجاوزتها للأخلاق، حيث اعتبروا أن كل من يكشف لهم أزمتهم وطُرق تفكيرهم العقيمة أصبح عميلاً مرتزقا لا يُقبل منها صرفاً ولا عدلا...ياله من ضمور!