قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) (البقرة: من الآية 197).. ظاهر النص أن للحج وقتًا معلومًا، وأن وقته أشهر معلومات؛ هي: شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، وعلى هذا لا يصح الإحرام بالحج إلا في هذه الأشهر المعلومات، وإن كان بعض المذاهب يعدُّ الإحرام صحيحًا على مدار السنة، ويخصص هذه الأشهر المعلومات لأداء شعائر الحج في مواعيدها المعروفة.
وقد ذهب إلى هذا الرأي الأئمة: مالك وأبو حنيفة وابن حنبل، وهو مرويٌّ عن إبراهيم النخعي والثوري والليث بن سعد، وذهب إلى الرأي الأول الإمام الشافعي؛ فقال رضي الله عنه: لا يجوز لأحد أن يهلَّ بالحج قبل أشهر الحج، وبه قال إسحق، وكانت حجة الشافعي رضي الله عنه قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)، و"أَشْهُرٌ" جمع تقليل على سبيل التنكير فلا يتناول الكل وإنما أكثره إلى عشرة وأدناه ثلاثة، وعند التنكير ينصرف إلى الأدنى، فثبت أن المراد أن أشهر الحج ثلاثة، والمفسرون اتفقوا على أن تلك الثلاثة شوال وذو القعدة وبعض من ذي الحجة (
وإذا ثبت هذا فنقول: وجب ألا يُحرم بالحج قبل الوقت، واللغة تؤيد ما سبق:
فمن قال: إن الأشهر الثلاثة شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ففي هذا القول مجاز إذ أطلق على بعض الشهر شهرًا، قال الفراء: تقول العرب: له اليوم يومان لم أره، وإنما هو وبعض يوم آخر، وإنما قالوا ذلك تغليبًا لأكثر الزمان على أقله" وهو كما نقل في الحديث: أيام منى ثلاثة أيام، وإنما هي يومان وبعض الثالث، وهو من باب إطلاق بعض على كل، وكما قال الشاعر (
وهَلْ يَعْمِن مَن كان أَحدثُ عهده ثلاثين شهرًا في ثَلاثةِ أحوال
على أحد التأويلين قيل: "ولأن العرب توقع الجمع على التثنية إذا كانت التثنية أقل الجمع"، وإطلاق الجمع على الاثنين وبعض الثالث سائغ شائع كقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)
فظهر أن فائدة التوقيت بالأشهر أن شيئًا من أفعال الحج لا يصح إلا فيها، ويكره الإحرام بالحج في غيرها، وتظهر فائدة الخلاف أيضًا فيما وقع من أعمال الحج بعد يوم النحر، فمن قال: إن ذا الحجة كله من الوقت لم يلزمه دم التأخير، ومن قال: ليس إلا العشر منه قال: يلزم دم التأخير.