سؤال عجيب، يجب أن نسأله لأنفسنا حين نقع في مشكلة، وتضيق علينا الحياة.. سؤال يجب أن نسأله لأنفسنا حين نفكر في إعلان يأسنا، وحين نفكر في الشعور بالضعف والانهيار تحت وطأة مشاكل الحياة وتحدياتها.
مع الأسف؛ فإن بعضنا ينهار مع أول مشكلة يتعرض لها، ويشعر أنه لا يمكنه أن يغير من الأمر شيئاً، يصيبه إحساس
باللا فائدة، وبالتالي يُدخل نفسه في دائرة مفرغة من الحزن والاكتئاب والإحساس بالفشل.
لكن هل يمكن لإنسان أن يفقد كل شيء مرة واحدة؟ أجيبك يا أخي بكل ثقة: مستحيل؛ فمن المستحيل أن يفقد الإنسان كل النعم التي وُهبت له مرة واحدة؛ إلا في حالة واحدة، أَلَا وهي الموت؛ مع العلم أن الموت في حدّ ذاته يكون نعمة في أحيان كثيرة.
الهزيمة اختيار!!
وجهة النظر هي التي تغير من سلوكنا تجاه تحدياتنا؛ فالموت على ما فيه من إثارة للخوف والحزن والرهبة في نفوس الجميع؛ إلا أنه قد يبدو كنعمة في أحوال كثيرة؛ فالمريض الذي لا يُرجى شفاء مرضه، ولا يُرجى توقّف ألمه ووجعه، قد يبدو الموت راحة له، والمؤمن الذي يرجو لقاء ربه، قد يرى في الموت نعمة من المولى؛ خاصة إذا فسدت الدنيا من حوله، والمجاهد الذي يخرج في سبيل الله، يرجو النصر أو الشهادة؛ فالموت في تلك الحالة مكافأة وجائزة له.
فما معنى الهزيمة إذن؟ لا تعجب حين تعرف أن الهزيمة اختيار؛ فأنت الذي تختار أن تكون مهزوماً أو لا، أنت الذي تحدد هذا المعنى في حياتك؛ فحين تعترف بوجود الهزيمة؛ وقتها فقط ستتواجد في حياتك، وكلما زاد اقتناعك بوجودها زاد وجودها اتساعاً، وشغل حيزاً أكبر في ذهنك، إلى أن يتحول إلى واقع تشاهده وتلمسه في حياتك.
أما إن أعلنت رفضك للهزيمة واستمرارك في الحرب؛ فكيف تظهر الهزيمة على أرض الواقع؟ بالطبع لن تظهر، ولن يكون لها وجود!
وإن كنت لا تصدقني؛ فيمكنك أن تتذكر كل الحروب في التاريخ، وأن تتذكر كل المواقف الصعبة التي رأيتها تمرّ بمن تعرفهم، واسأل نفسك هذا السؤال: متى حدثت الهزيمة لأي طرف؟ ستجد نفسك تؤكد بالأدلة والوقائع أن الهزيمة تحدث لحظة أن يعترف بها طرف من الأطراف، ولا طريق آخر لحدوثها غير ذلك.
فهل انتهى كل شيء في حياتك حين خسرت ما خسرته؟
أنت الذي يمكنك أن تجيب على هذا السؤال: هل انتهى كل شيء؟ هل يوجد في الوجود كله ما يساوي نهاية إنسان حي ونهاية أمله، تحضرني قصة أحد الصالحين، كان مشلولاً وكفيفاً ويده مقطوعة، ووجده تلميذه يحمد الله ويشكره؛ فلما تعجّب التلميذ قال الرجل الصالح: ولِمَ تتعجب؟ أمن شكري لله؟ وكيف لا أشكره وقد منحني لساناً ذاكراً وجسداً على البلاء صابراً.
هذه هي القضية، كيف نتعامل مع أكوابنا؛ فقديمًا كنّا نصدّق المثل القائل: انظر إلى النصف الممتلئ من الكوب ولا تنظر إلى النصف الفارغ؛ فهل لا نزال نصدق هذا المثل؟ هل لا نزال نشعر بقيمته في حياتنا؟ أم سنسارع الآن ونملأ النصف الفارغ هذا؛ بدلاً من الاكتفاء بالمشاهدة؟
يا أخي.. مِن الفشل يأتي النجاح، ومن المصائب تولد السعادة، ومن الليل شديد السواد ينفجر الصبح بأنواره وإشراقاته وآمال اليوم الجديد، ولا يشتدّ ضوء النجوم ويبهر بأنواره العيون إلا حين يشتدّ الظلام، ولا تولد حياة كائن جديد إلا من آلام كائن يعيش؛ فهل يمكن أن تكون تلك الآلام التي تشعر بها هي آلام ولادة مشاعر جديدة، وحياة جديدة، وعليك أن تهتم بها وترعاها لتكبر وتُزهر، وتستمتع بها فيما بعد؟
لا تنتهي الحياة أبداً إلا بمفارقتها للجسد، لا تنتهي حياتك بكبوة أو سقطة، لا تنتهي حياتك بفشل في مشروع تجاري، أو بمفارقة زوج أو زوجة، أو برسوب عام دراسي.. لا تنتهي الحياة بهذه الأسباب؛ مهما كانت عظيمة ومهمة ومؤثرة، ما علينا إلا دراسة كل مشكلة، وتجنّبها في المستقبل إن أمكن، أو تحويلها إلى ذخيرة وطاقة نفسية تدفعنا إلى النجاح ومواصلة تلك الحياة.
ويصدق الشاعر العربي حين يقول:
تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن خَطَب الحسناء لم يغلها المهر
فعلى قدر ما تطمح إليه يكون صبرك وتحمّلك، وعلى قدر ما تتمنى أن تكون، يجب أن يكون تفاؤلك بالحياة.. لا تنهزم، لا تسكن؛ بل اصنع حياة وحياة وحياة من حياتك تلك.
يقول تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا}..
تغلّب على أحزانك، تغلّب على مصائب الحياة، تغلّب على تحدياتك، واصنع لنفسك حياة بهيجة جميلة، واصنع لنفسك ما تتمناه من سعادة.. اشغل نفسك عن الحزن، واعلم أنه شعور إن تركت الباب مفتوحاً له فلن يكتفي بالدخول؛ لكنه سيطرد كل شعور آخر طيب، هذا هو الحزن، وهنا قد تنتهي الحياة حقاً!!
منقول