ثغرة فى الجدار
أتعرفون ماذا يفعل القلق فى الانسان ..انه يحوله الى مسحوق ..الى برادة .. الى نشارة .. الى دقيق ..انه يجعل من عقله مصاصة كمصاصة القصب . ويذرو عاطفته كما يذرو الفلاح القمح فيحيله الى قش .. وتبن ..
الانسان القلق انسان وحيد فريد مغترب لانه مشغول دائما بجمع اشتات نفسه التى تذروها الهواجس .. مشغول بجمع عقله كلما تطاير فى مسحوق ..
انه مشغول بجمع اوصاله ..
انه كمن يسير فى ريح عاتية يصلح ثيابه التى يشلحها الهواء من على ساقيه من لحظة لاخرى .. والريح فى الحقيقة تهب من داخله .. من قلبه فتشلح له عواطفه وافكاره وتزعزع له اطمئنانه ..
فينحنى بجماع نفسه على هذا الحطام ليبنيه من جديد ..ليعود فينهدم من جديد
فيبنيه من جديد .. وهكذا ..
وهو فى هذا الانشغال الدائم لا يعرف الهدوء .. ولا يعرف السكينة .. ولا يعرف الراحة .. ولا يعرف الامان ..
والضوضاء اللى تصخب بداخله تحجب عنه الهمسات التى يتهامس بها العالم حوله وتسرقه من دنيا الواقع والاشياء الملموسة
.. وتلقى به فى دنيا الهواجس والاحلام والخيالات والمخاوف فيظل يدور فى دوامتها كالقارب الذى يقع فى دوامة بحرية ويدور فيها ويدور وينفصل عن قافلته وفرقته ..
وهذا سر وحدته وغربته وانفراده ..
انه وحيد ضائع فى عالم بلا معالم واضحة ملموسة .. عالم كل شئ فيه غائم مغلف بالضباب ..فهو يخاف لا يعرف ماذا يخاف بالضبط .. يتمنى ولا يعرف ماذا يتمنى .. ينتظر ولا يتبين ماذا ينتظر ..
وهو يخطئ كثيرا ولكن خطاياه كخطايا الاطفال التعساء بدون قصد .. وبدون سوء نيه .. لانه لا يملك القدرة على ان ينوى ويخطط
ويرسم ويعمل عملا منظما فيه سبق عمد وترصد .. وانما افعاله مجرد قصاصات عواطف .. وفتافيت مشروعات لا تكتمل ابدا ...
.................................................. ..............
الفقر ليس سببا كافيا للقلق .. والفشل ليس سببا كافيا للقلق .. ان الايمان يمكن ان يغطى كل هذه الثغرات .. ويجعلها حلقات ذات معنى فى قصة كفاح لذيذ ...
ان سر القلق .. هو اننا نعيش بلا دين .. بلا ايمان .. وان ديانتنا من الظاهر فقط .. كلمات على الالسن فى المناسبات .. وصلوات تؤدى بحكم العادة ..
ان القلق مرض روحانى اصيل .. ان سببه هو افتقاد المعنى فى الحياة ..
ان التفوق العلمى والمادى لم يصاحبه تفوق روحى ..
اننا اصبحنا عمالقة فى ادواتنا والاتنا .. سيارة .. وطيارة ..
وصاروخ .. وقمر صناعى .. ولكننا ظللنا اقزاما فى حكمتنا .
عندنا مادة .. وليس عندنا تصرف ..
وعندنا عضلات .. وليس عندنا خلق
عندنا علم .. وليس عندنا حب ..
حضارتنا فيها نقص خطير فى الغدد .. فى الهرمونات .. فى المعنويات .. وكلمة معنويات تظل دائما كلمة غير مفهومة بالنسبة للانسان القلق ..
انه يعانى ويتعذب .. ولكنه يتمسح باسباب عادية يظن انها سبب تعاسته ..
...............................................
القلق حقيقة مرعبة هذه الايام .. ليس بين شبابنا وحدهم .. ولكن بين شباب العالم كله .
القلق محنة عالمية سببها ان هناك عجزا فى المعنويات
التفوق العلمى المادى فى السنوات الاخيرة لم يجد له غطاء من التفوق الروحى ، فتحول الانسان الى مارد بلا قلب .. واختلت شخصيته .
وطوق النجاة هو ظهور حقيقة روحية تسد حاجة عقلنا العلمى المتفوق .. وتعطى لقوانا النامية كفايتها من الفهم ..
البحث عن ايمان ..هذا هو الحل ..
ابحث عن ايمانك اذا كنت قلقا .. وحينما ستجد ايمانك ستجد نفسك ..
د مصطفى محمود