جعل الله تبارك وتعالى موسم الحج مؤتمراً عظيماً لعباده المؤمنين يجتمعون فيه من أنحاء الدنيا، وسائر أجناس البشر، يريدون القربة إلى الله تبارك وتعالى، وسؤاله والتضرع إليه، ويطلبون منه حط ذنوبهم، وغفران سيئاتهم، ويرفعون إليه جميع حوائجهم، ويسألونه سبحانه من فضله، فيتوبون إليه من تقصيرهم وذنوبهم، ويتعارفون فيه ويتشاورون، ويتناصحون ويأتمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، وذلك من جملة المنافع التي أشار إليها ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم فقال: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} (سورة الحج:27-28) قال العلامة عبد الله البسام رحمه الله: "فهو (أي الحج) مجمع حافل كبير يضم جميع وفد المسلمين من أقطار الدنيا في زمن واحد، ومكان واحد، فيكون فيه التآلف والتعارف والتفاهم؛ مما يجعل المسلمين أمة واحد، وصفاً واحداً، فيما يعود عليهم بالنفع في أمر دينهم ودنياهم"(توضيح الأحكام من بلوغ المرام 3/244).
ويمكن تصنيف هذه الفوائد والمنافع إلى:
· فوائد دينية:
1- فهو يكفر الذنوب، ويطهِّر النفس من شوائب المعاصي لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه)) (رواه البخاري 1449)، وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) (رواه البخاري 1683؛ ومسلم 1349).
2- وهو يقوي الإيمان، ويعين على تجديد العهد مع الله تبارك وتعالى، ويساعد على التوبة الخالصة الصدوق، ويهذب النفس، ويرقق المشاعر، ويهيج العواطف, فعندما يتجرد الإنسان من الثياب يتذكر حين يُجرد منها وهو لا حول له ولا قوة, والحج موقف عظيم يذكِّر الإنسان بيوم العرض الأكبر على الرحمن حين تدنو الشمس من الرؤوس, ويلجم العرقُ الناسَ إلجاماً, وتبلغ الروح الحلقوم.
3- بالحج يؤدي العبد لربه تبارك وتعالى شكر النعمة التي أنعم الله تبارك وتعالى بها عليه (نعمة المال، ونعمة العافية)، ذلك لأن العبادات بعضها بدنية، وبعضها مالية، والحج عبادة تقوم بالمال والبدن، ولذا فإنه لا يجب إلا عند وجود المال وصحة البدن، فكان فيه شكر النعمتين، واستعمالهما في طاعة المنعم.
4- في الحج إظهار التذلل لله تعالى، وذلك لأن الحاج يرفض أسباب الترف والتزين، ويلبس ثياب الإحرام مُظهراً فقره لربه، متجرداً عن الدنيا وشواغلها التي تصرفه عن الخلوص لربه سبحانه، فيتعرض بذلك لمغفرته، ثم يقف في عرفة داعياً متضرعاً لربه، حامداً شاكراً نعمه وفضله، مستغفراً لذنوبه وهفواته، وفي الطواف حول الكعبة يلوذ بجناب ربه تبارك وتعالى، ويلجأ إليه من ذنوبه، وهوى نفسه، ووسواس الشيطان.
· فوائد شخصية:
1- الحج يعوِّد الإنسان الصبر، وتحمل المتاعب، ويُعلِّم الانضباط، والتزام الأوامر، ويدفع إلى التضحية والإيثار.
2- وهو يطهر النفس، ويعيدها إلى الصفاء والإخلاص، مما يؤدي إلى تجديد الحياة، وحسن الظن بالله.
3- والحج يذكِّر المؤمن بماضي الإسلام، وجهاد النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح الذين أناروا الدنيا بالعمل الصالح.
4- وفيه توطين القلب على فراق الأهل والولد، إذ لا بد من مفارقتهم طال الزمان أم قصر.
5- وفيه أيضاً تعويد الإنسان على البذل, والتحرر من الشح، فينفق على نفسه لينال محمدة الأسخياء، وهذا أمر معتاد أن من كان من أبخل الناس متى خرج في هذا السفر اعتاد الجود والكرم.
6- أن يعتاد التوكل بأنه لا يمكنه أن يحمل مع نفسه جميع ما يحتاج إليه، فلا بد من التوكل على الله تعالى فيما لم يحمله مع نفسه، فيتعدى توكله إلى ما يحتاج في الحضر.
· فوائد اجتماعية:
1- فهو يؤدي بلا شك إلى تعارف أبناء الأمة على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأوطانهم.
2- وفيه مذاكرة بشؤون المسلمين العامة, والتعاون صفاً واحداً أمام الأعداء.
3- وفيه يُشعَرُ بقوة الرابطة الأخوية مع المؤمنين في جميع أنحاء الأرض قال الله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (سورة الحجرات:10), فيحس الناس أنهم حقاً متساوون لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
4- يساعد الحج على نشر الدعوة الإسلامية، ودعم نشاط الدعاة في أنحاء الأرض، مثل ما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم نشر دعوته بلقاء وفود الحجيج كل عام.
5- وفي الحج إمكان تبادل المنافع الاقتصادية والتجارية الحرة فيما بينهم, وذلك لأن الناس يقدمون في هذا الموسم المبارك من كل فج عميق استجابة لدعوة الله لهم, فيتبادلون المنافع والتجارة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل من الحجاج والمعتمرين, والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.