حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار للمضحي، رواية ودراية (4/6)
توطئة:
مضى في الحلقة السابقة دراسة روايتين من روايات حديث النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار؛ مما جاء عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة -رضي الله عنها-، وأُتِمُّ في هذه الحلقة دراسة بقية الروايات عن ابن المسيب.
3- الزهري، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه أبو عوانة (7789)، والفاكهي في حديثه عن ابن أبي مسرة (84)، وابن عدي في الكامل (6/310)، والمخلص في المخلصيات (188)؛ من طريق ابن أبي مسرة، عن إبراهيم بن عمرو بن أبي صالح، عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، وأبو نعيم في حلية الأولياء (6/333) من طريق إبراهيم بن حميد الطويل، عن شعبة، عن مالك؛ كلاهما (ابن جريج، ومالك) عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أراد أن يضحي؛ فلا يمس من شعره ولا بشره إذا دخلت العشر»، لفظ أبي عوانة، وللباقين نحوه من رواية ابن جريج، ولفظ رواية مالك: «من كان يريد الأضحية؛ فلا يأخذنَّ من شعره، ولا يقلمنَّ أظفاره؛ حتى يضحي».
دراسة الأسانيد:
جاء عن الزهري من طريقين:
إحداهما: إبراهيم بن عمرو بن أبي صالح، عن مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج، عن الزهري:
قال ابن عدي -عقب تخريجها-: «وهذا من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب لا أعرفه إلا من هذا الوجه».
وقد سبق الكلام في إبراهيم بن عمرو بن أبي صالح، وهذا الإسناد مما تفرد به -كما أفادت كلمة ابن عدي-، وإن كان روي عن الزهري من الطريق الأخرى، لكنها لا تنفي التفرد -كما سيأتي-.
وشيخه مسلم بن خالد الزنجي مذكورٌ بكثرة الأوهام، وضعفه غير واحد من الأئمة، وقواه ابن معين وابن عدي - فيما وجدت -؛ على أنهما ذكرا له بعض ما أنكر عليه، ومنه شيءٌ عن ابن جريج - شيخه في هذه الرواية -[1].
وابن جريج من المدلسين، ولم يصرِّح هنا بسماعه من الزهري، وقد قال الذهلي: «وابن جريج إذا قال: «حدثني» و:«سمعت»؛ فهو محتجٌّ بحديثه؛ داخلٌ في الطبقة الأولى من أصحاب الزهري»، وهذا قد يعارض قول ابن معين في ابن جريج: «ليس بشيء في الزهري»، لكن لعل المراد: أنه إذا لم يصرح بسماعه؛ فليس بشيء، وقد روي أنه لم يسمع من الزهري، وإنما أعطاه جزءًا، فكتبه، وأجازه به[2].
ولم يصرح ابن جريج هنا بسماعه من الزهري، فهذه الرواية ضعيفة الإسناد جدًّا؛ لاجتماع عدة علل فيها.
ثانية الطريقين عن الزهري: رواية إبراهيم بن حميد الطويل، عن شعبة، عن مالك، عنه:
قال أبو نعيم -عقبها-: «غريبٌ من حديث شعبة عن مالك عن الزهري، لم نكتبه إلا من حديث إبراهيم».
وإبراهيم بن حميد الطويل وثقه العجلي، وكتب عنه أبو حاتم الرازي، وقال فيه: «ثقة»، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: «يخطئ»[3].
وروايته هذه مما أخطأ فيه؛ فقد تفرد بها عن شعبة، وخالفه عنه عشرة رواة؛ فيهم أوثق أصحاب شعبة: محمد بن جعفر غندر؛ كلهم رووه عن شعبة، عن مالك، عن عمر -أو: عمرو- بن مسلم، عن ابن المسيب، به، وقد سبقت هذه الرواية.
وإذا تقرر أن هذه الرواية غلط؛ فإنها إنما كانت توهُّمًا في ذهن راويها، وليس لها حقيقة، فلا يمكن أن يستفاد منها عضدٌ أو تقويةٌ لرواية ابن جريج عن الزهري التي سبقت، ولا يصح أن يُخرَم بها حكم ابن عدي بغرابة إسناد رواية ابن جريج.
فرواية الحديث عن الزهري عن ابن المسيب ضعيفةٌ لا تصح.
4- قتادة، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه مسدد في مسنده -كما في المطالب العالية (2286)، وإتحاف الخيرة المهرة (4737)، ومن طريقه الطحاوي في شرح المشكل (14/143)، وابن حزم في المحلى (7/369)- عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة[4]، وإسحاق بن راهويه (1817) عن النضر بن شميل، والحاكم (4/221) من طريق عبدالرحمن بن مهدي؛ كلاهما عن شعبة، وإسحاق (1818) عن النضر، وابن أبي خيثمة في تاريخه (2028/السفر الثالث) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (17/238)- عن موسى بن إسماعيل؛ كلاهما عن حماد بن سلمة، والطحاوي في شرح المشكل (14/142)، ومحمد بن خلف في أخبار القضاة (ص685)؛ من طريق هشام الدستوائي؛ أربعتهم (سعيد، وشعبة، وحماد، وهشام) عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، به.
واختلفت سياقاتهم:
فأما سعيد؛ فقال: عن قتادة، عن كرز بن أبي كثير، قال: إن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان أن الرجل إذا اشترى الأضحية وأسماها ودخل العشر؛ أن يكُفَّ عن شعره وأظفاره حتى يضحي. قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب؟ فقال: «نعم». فقلت: عمَّن؟ قال: «عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-».
وأما شعبة - في رواية النضر -؛ فقال: عن قتادة، قال: قيل لسعيد بن المسيب: إن يحيى بن يعمر يفتي بخراسان: إذا دخل العشر؛ من أراد أن يضحي؛ فلا يأخذ من شعره ولا ظفره؟ فقال سعيد: «صدق، كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم - يقولون ذلك».
وقال - في رواية ابن مهدي -: سمعت قتادة يحدث؛ قال: جاء رجلٌ من العتيك، فحدث سعيدَ بن المسيب أن يحيى بن يعمر يقول: «من اشترى أضحيةً في العشر؛ فلا يأخذ من شعره وأظفاره»؟ قال سعيد: «نعم». فقلت: عمَّن يا أبا محمد؟ قال: «عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-».
وقال حماد بن سلمة -في سياقة موسى بن إسماعيل عنه-: عن قتادة، عن كثير بن أبي كثير -مولى عبدالرحمن بن سمرة-، عن يحيى بن يعمر، أن علي بن أبي طالب قال: «إذا دخل العشر، واشترى أضحيته؛ أمسك عن شعره وأظفاره». قال قتادة: فأخبرت بذلك سعيدَ بن المسيب؟ فقال: «كذلك كانوا يقولون».
وأما النضر؛ فلم يَسُق عن حماد إلا أثر علي -رضي الله عنه-، بنحوه.
وقال هشام الدستوائي: عن قتادة، أن كثير بن أبي كثير سأل سعيدَ بن المسيب: إن يحيى بن يعمر يفتي بخراسان: «إذا دخل عشر ذي الحجة، واشترى الرجل أضحيته، فسمَّاها؛ لا يأخذ من شعره وأظفاره»، فقال سعيد: «قد أحسن؛ كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعلون ذلك -أو: يقولون ذلك-».
دراسة الأسانيد:
روى الحديث أصحاب قتادة الكبار كما وُصف، ومؤدَّى رواياتهم في الجملة واحد؛ هو رواية قتادة المتصلة عن سعيد بن المسيب، أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يُفتون باجتناب الأخذ من الشعر والأظفار إذا دخلت عشر ذي الحجة واشترى الرجل أضحيته.
ويخالف ذلك من حيث الظاهر روايتان:
إحداهما: رواية سعيد بن أبي عروبة، وفيها: قتادة، عن ابن أبي كثير، قال: إن يحيى بن يعمر...، وهذا -بالتأمل- له المفاد نفسه من الروايات الأخرى؛ لأنه فتوى يحيى بن يعمر نُقلت لقتادة بواسطة ابن أبي كثير هذا؛ سواءً كان تحملها عنه، أو كان قالها في حضرة سعيد بن المسيب.
إلا أن قول قتادة فيها: «فذكرتُ ذلك لسعيد...» مخالفٌ لباقي الروايات عن قتادة؛ التي فيها أن الرجل هو مَنْ ذكره لسعيد، لكن الرواة يتجوَّزون في مثل هذا الاختلاف؛ إذ المقصود: نقلُ ما قاله سعيد بن المسيب، وإسنادُه عنه، وأما قائل الكلام له، أو سائله عنه، فليس الخلاف فيه مؤثرًا.
وأما اسم الرجل (كرز)، فيشبه أن يكون تحريفًا عن (كثير)؛ فقد سُمِّي (كثيرًا) في روايتين عن قتادة -كما سبق-.
ثانية الروايتين: رواية حماد بن سلمة، وفيها ما يشبه رواية سعيد السابقة من حيث تحمل قتادة عن ابن أبي كثير.
وفيها - أيضًا -: زيادة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في الإسناد، ونسبة الفتوى إليه من طريق يحيى بن يعمر عنه، وهذا غلطٌ من حماد بن سلمة، والصواب ما اجتمع عليه أوثق أصحاب قتادة: ابن أبي عروبة، وشعبة، وهشام الدستوائي؛ من قصر ذلك على يحيى بن يعمر، وقد كان حماد بن سلمة يخطئ كثيرًا عن قتادة[5].
ولعل ما سبق من الاختلاف هو ما دعا ابن عبدالبر للإشارة إلى توهين هذه الرواية بقوله: «حديث قتادة هذا اختُلف فيه على قتادة»[6]، إلا أنه سبق أن الرواية مستقيمة، وأن الخلاف فيها غير مؤثر.
وهذه الرواية هي أحد المسائل التي سأل قتادةُ عنها سعيدَ بنَ المسيب حين قدم عليه، فأقام معه ثمانية أيام، وحفظ عنه كل ذلك، وعرض بعضَه مرةً أخرى على سعيد، فوافقه عليه، وقال: «ما كنت أظنُّ أن الله خلق مثلك»[7].
وأما تضعيف مَنْ ضعَّف رواية قتادة عن ابن المسيب؛ فلأن بينه وبينه في أكثرها رجال[8]، وهذا منتفٍ هاهنا.
5- عثمان الأحلافي، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه ابن أبي شيبة (14995)، والنسائي في المجتبى (7/212)، والكبرى (4437)؛ عن علي بن حجر؛ كلاهما (ابن أبي شيبة، وعلي بن حجر) عن شريك، عن الأحلافي، عن سعيد بن المسيب؛ أنه كره أن يأخذ من شعره إذا أراد الحج. لفظ ابن أبي شيبة، وعند النسائي في المجتبى: عن سعيد بن المسيب، قال: «من أراد أن يضحي، فدخلت أيام العشر؛ فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره»، وفي الكبرى: عن سعيد، قال: «من أراد الثج، فدخلت أيام العشر...»؛ بمثله.
دراسة الأسانيد:
اختُلف في اللفظ عن شريك:
• فقال عنه ابن أبي شيبة: «إذا أراد الحج»،
• وقال عنه علي بن حجر: «من أراد الثج»، وفي رواية: «من أراد أن يضحي».
و«الثج»: إراقة الدم، وهو كناية هنا عن الذبح.
والظاهر أن اللفظ تحرَّف على ابن أبي شيبة، فرواه كذلك، وأدخله في باب «من كره أن يأخذ من شعره إذا أراد الحج»؛ إذ روايات هذا الحديث عن ابن المسيب جميعًا فيمن أراد ذبح الأضحية لا الحج.
وفي الإسناد شريك بن عبدالله، ضعيف[9].
6- عبدالرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه ابن أبي شيبة (14994) عن حاتم بن إسماعيل، والفاكهي في حديثه (86) عن ابن أبي مسرة، عن إبراهيم بن عمرو بن أبي صالح، عن مسلم بن خالد؛ كلاهما (حاتم، ومسلم) عن عبدالرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: «من كان يريد أن يضحي؛ فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا إذا أهلَّ ذو الحجة»، لفظ حاتم، ولمسلم نحوه.
دراسة الإسناد:
يعتضد الإسنادان -إذ فيهما ضعف، وأمثلهما رواية حاتم-، فتصحّ بهما الرواية عن عبدالرحمن بن حرملة.
7- عبدالله بن محمد بن عقيل، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (2026/السفر الثالث) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (17/ 237، 238)- عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن عبدالله بن محمد بن عقيل، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخل الرجل في العشر، وابتاع أضحيته؛ فليمسك عن شعره وأظفاره»، قلت: النساء؟ قال: أما النساء؛ فلا.
دراسة الإسناد:
الإسناد إلى ابن عقيل صحيح، وقال ابن أبي خيثمة -عقبه-: «لم يذكر ابنُ عقيل: أمَّ سلمة».
8- شعبة بن عبدالرحمن المدني، عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه أبو نعيم في ذكر من اسمه شعبة (22) من طريق عبدالله بن يزيد المقرئ، عن سعيد بن أبي أيوب، عن شعبة المدني، قال: أرسلني [واقد][10] بن عبدالله بن عمر إلى سعيد بن المسيب أسأله عن النورة في عشر ذي الحجة؟ فقال: «لقد كان يُكرَه أخذُ الشعر وتقليم الأظفار في العشر، ولا أحسب النورة إلا [على][11] مثل هذا».
دراسة الإسناد:
الإسناد إلى شعبة المدني صحيح.
9، 10، 11، 12- يحيى بن سعيد، وغيلان الفارسي، ويزيد بن عبدالله بن قسيط، وصالح بن حسان؛ عن سعيد بن المسيب:
التخريج:
أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأضاحي -كما نقل العراقي في شرح الترمذي (ق48ب)- من طريق يحيى بن سعيد، وغيلان الفارسي، والدارقطني في العلل -كما نقل ابن القيم في تهذيب السنن (7/346)- معلَّقًا عن يزيد بن عبدالله بن قسيط، وصالح بن حسان؛ أربعتهم عن سعيد بن المسيب؛ رفعه يحيى وغيلان، ووقفه يزيد، وقطعه صالح.
دراسة الروايات:
لم أجد هذه الروايات مسندة.
والغالب على الظن نكارة ما جاء عن يحيى بن سعيد وغيلان الفارسي -ولم أعرفه، ولا وجدت فيه كلامًا-؛ لانفراد أبي الشيخ بذلك، وكانت كتبه مظنة المناكير والغرائب؛ قال الذهبي: «يملأ تصانيفه بالواهيات»[12].
يتلوه -بإذن الله-: دراسة الاختلاف على سعيد بن المسيب، والترجيح عنه، ثم تخريج ودراسة بقية الطرق عن أم سلمة -رضي الله عنها-، والحكم على الحديث بعامة.
[1] انظر: تهذيب التهذيب (4/68، 69)، الكامل (6/308-312).
[2] انظر: تهذيب التهذيب (2/617).
[3] انظر: ثقات العجلي (1/200)، الجرح والتعديل (2/94)، ثقات ابن حبان (8/68).
[4] وقع في المطالب: «شعبة»، وهو تحريف؛ يصحَّح من المصادر الأخرى.
[5] التمييز، لمسلم (ص218).
[6] التمهيد (17/236).
[7] تهذيب التهذيب (3/428، 429).
[8] انظر: تهذيب التهذيب (3/430).
[9] انظر: تهذيب التهذيب (2/164-166).
[10] وقع في المطبوع: «عامر»، والتصويب من الأصل الخطي للكتاب (ق100ب)، والتاريخ الكبير، للبخاري (4/244).
[11] في المطبوع: «كما»، والتصويب من الأصل الخطي (ق100ب).
[12] سير أعلام النبلاء (16/279).