أسير فى قيد ... دروس وعبر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا [النساء:1]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما ً [الأحزاب:70-71]
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .
: أحبتي في الله
(( أسير فى قيد .. دروس وعبر )) هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك حتى لا ينسحب الوقت من أيدينا سريعاً فسوف أركز الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية :
أولاّ : الرفق والإحسان إلى الناس يُحِولانِ البغض إلى حب
ثانياّ : سيرة حافلة بالدروس والعبر .
ثالثاّ : عودة واجبة.
فأعيرونى القلوب والأسماع والله أسأل أن يجعلنا ممن الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:18]
أولا : الرفق والإحسان إلى الناس يحولان البغض إلى حب .
أحبتى فى الله ..
روى البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى من حديث أبى هريرة قال : بعث رسول الله خيلاً قِبل نجد (أى أرسل النبى سرية عسكرية استطلاعية ناحية نجد ، وكانت هذه السرية بقيادة محمد بن سلمة فجاءت هذه السرية برجل من بنى حنيفة يقال له : ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطت هذا الرجل فى سارية من سوارى المسجد (أى عمود من أعمدة المسجد) وهم لا يعرفونه ، فثمامة قبل من أقبال العرب (أى : سيد من أسياد العرب وشريف من أشرافهم) أسروه وهو فى طريقه إلى العمرة ولكن كان على الشرك بالله جل وعلا ، وأدخلوه إلى المسجد ، وربطوه فى عود من أعمدة المسجد النبوى فلما دخل النبى رآه فعرفه وفى رواية ابن هشام قال النبى لأصحابه : ((أَلاَ تَعرِفُونَ مَنْ هَذَا ؟!! ، إِنِّهَ ثُمَامًةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ اليَمَامَةِ)) وأمر النبى أصحابه أن يحسنوا إليه.
ونعد إلى رواية الصحيحين خرج النبى إليه قال : ((مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامًةُ ؟)) فقال : عندى يا محمد خيرٌ إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ، فتركه النبى حتى كان الغد . ثم خرج النبى فقال : ((مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامًةُ ؟)) قال : ما قلت لك : إن تنعم تنعم على شاكر ، وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ، فتركه رسول الله حتى كان من الغد فقال : ((مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامًةُ ؟)) فقال : عندى ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر ، وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت . فقال النبى : ((أَطْلِقُوا ثُمَامًةُ)) ، فأطلقه أصحاب النبى ، فانطلق ثمامة إلى نخل قريب من المسجد النبوى ، فاغتسل ، ثم دخل المسجد ، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وقال : يا محمد والله ما كان على الأرض وجهٌ أبعض إلىّ من وجهك ، فقد أصبح وجهُك أحب الوجود كُلها إلىّ ، والله ما كان من دين أبغض إلىّ من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين كله إلىّ ، والله ما كان من بلد أبغض إلىّ من بلدك ، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلىّ ، وإن خيلك أخذتنى وأنا أريد العمرة فماذا تأمرنى ؟. فبشره النبى - قال الحافظ ابن حجر : بشره بخيرى الدنيا والآخرة أو بشره بالجنة أو بشره بتكفير سيئاته لأن الإسلام يهدم ما قبله - .
بشره رسول الله وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة قال له قائل : أصبوت ؟ (أى هل تركت دين آبائك وأجدادك وتبعت محمد على دينه ؟) قال : لا ولكنى أسلمتُ مع رسول الله والله لا يأتيكم من اليمامة حبةُ حنطةٍ (أى حبة قمح) حتى يأذن فيها رسول الله (1
وفى رواية ابن هشام : أن ثمامة لما وصل بطن مكة رفع صوته بالتلبية فكان أول من لبى وجهر بالتلبية فى مكة فيما رأى المشركون رجلاً يتحداهم بهذه الصورة العلنية الجريئة قالوا : من هذا الذى يجترى علينا ويرفع صوته بالتلبية فى بلادنا وديارنا ويردد الكلمات التى يُعَلِمُهَا محمدٌ لأصحابه ؟! فانقضوا عليه وأرادوا أن يضربوا رأسه ، فقال أحدهم : ألا تعرفون من هذا إنه ثمامة ابن أثال سيد أهل اليمامة وأنتم تحتاجون إلى اليمامة فى طعامكم فخلوا سبيل الرجل ، فالتفت إليهم وقال : والله لا يأتينكم حبة من حنطة من اليمامة إلا بإذن رسول الله .
أيها الأحبة الكرام ...
أنه مشهد بالغ الروعة اعترف بداية أننى أعجز عن أن أصور لحضراتكم روعته وعظمته وجلاله ، فرسول الله هو الرحمة المهداة والنعمة المسداه ، لا للموحدين فحسب بل للعالمين قال تعالى : َمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الانبياء:107] .
قال ابن عباس رضى الله عنهما : رسول الله رحمة للبار والفاجر فمن آمن به تمت له النعمة ، وتمت له الرحمة فى الدنيا والآخرة ، ومن كفر أمن من عذاب الدنيا حتى يلقى الله فى الآخرة مصداقاً لقول الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال:33] .
وفى الصحيحين - وتدبر هذا الحديث - عن عائشة قالت : يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد فقال المصطفى : ((لقدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ)) وهو شريف من أشراف أهل الطائف ولكنه رفض دعوة النبى وسلط الصبيان والسفهاء على الحبيب ورموه بالحجارة حتى سالت الدماء من جسده الطاهر يقول : ((فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وأنا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ)) مكان يبعد عن الطائف بما لا يقل عن خمسة كيلو مترات ، ولم يستفق النبى من همه وألمه إلا فى هذا الموطن ودماؤه تنْزف يقول : ((فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، قَالَ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، فقال : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ . فَمَا شِئْتَ ؟ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ )) فقال له النبى : ((بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)) (1) وفى رواية لما قيل أدع على المشركين قال المصطفى (((إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً)) .
أيها المسلمون : تدبروا كيف حَوَّل الرفق والإحسان من رسول الله البُغض المتأصل فى قلب ثمامة إلى حب جياش فياض!! . ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة خرج إلى مكة ليعتمر ليقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك . تملكه وما ملك ، فأبى الله جل وعلا إلا أن يلبى تلبية الموحدين ، فسبحان من بيده القلوب بحولها كيف يشاء قال تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24].
ثمامة أُسر ورُبط فى المسجد وهنا ترجم عليه البخارى باباً يُجوّز فيه أن يدخل المشرك إلى المسجد ، وأبى النبى إلا أن يظل ثمامة فى المسجد النبوى لِحِكَمٍ غالية عديدة .. ليرى ثمامة بعينيه وليسمع بأذنيه عظمة هذا الدين .. ليرى النبى بنفسه .. وليسمع كلام النبى .. وليرى أخلاق النبى .
أيها المسلمون : لا بد أن نعى هذا الدرس العنف يهدم ولا يبنى ، الشدة تفسد ولا تصلح. الرفق والإحسان إلى الناس هو الذى يحول البغض فى القلوب إلى محبة صادقة فياضة ، ما أحوجنا إلى أن نعى هذا الدرس .
يأتى شاب شرح الله صدره للالتزام فأعفى اللحية ، وقصر الثوب ، وحافظ على مجالس العلم ، ولا زال أبوه بعيداً عن طريق الله ، ولا زالت أمه بعيدة عن طريق رسول الله ، فيجعل هذا الشاب من البيت حريقاً محرقاً مدمراً ، يسئ إلى والده ، ويسئ إلى أمه ، يسفه أباه ويحتقر أمه ، ويضرب أخوته ، ويسئ إلى إخوانه ، فيظن أهل البيت أن الالتزام غصب مستمر . لا يا أخى أنت أسأت إلى الإسلام من حيث لا تدرى ، وأسأت إلى منهج النبى فى الدعوة من حيث لا تشعر ، ففرقوا أيها الشباب وأيها المسلمون بين مقام الجهاد الذى يحتاج إلى الغلظة والقسوة والشدة ، وبين مقام الدعوة الذى يحتاج إلى اللين والحكمة والرحمة قال تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].
أيها الأحبة الكرام ...
أنه مشهد بالغ الروعة اعترف بداية أننى أعجز عن أن أصور لحضراتكم روعته وعظمته وجلاله ، فرسول الله هو الرحمة المهداة والنعمة المسداه ، لا للموحدين فحسب بل للعالمين قال تعالى : َمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الانبياء:107] .
قال ابن عباس رضى الله عنهما : رسول الله رحمة للبار والفاجر فمن آمن به تمت له النعمة ، وتمت له الرحمة فى الدنيا والآخرة ، ومن كفر أمن من عذاب الدنيا حتى يلقى الله فى الآخرة مصداقاً لقول الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
بـل وخـاطب الله نبيين كريمين خاطب موسى وهارون :
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طـه:43-44].
أيها الأحبة الكرام ...
أنه مشهد بالغ الروعة اعترف بداية أننى أعجز عن أن أصور لحضراتكم روعته وعظمته وجلاله ، فرسول الله هو الرحمة المهداة والنعمة المسداه ، لا للموحدين فحسب بل للعالمين قال تعالى : َمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الانبياء:107] .
قال ابن عباس رضى الله عنهما : رسول الله رحمة للبار والفاجر فمن آمن به تمت له النعمة ، وتمت له الرحمة فى الدنيا والآخرة ، ومن كفر أمن من عذاب الدنيا حتى يلقى الله فى الآخرة مصداقاً لقول الله تعالى: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طـه:43-44].
قرأ سيدنا قتادة - رحمة الله - الآية فبكي ، وقال سبحانك ما أحلمك ، أن كنت تأمر موسى و هارون أن يقولا لفرعون قولاً ليناً ، فإن كان هذا هو حلمك بفرعون الذى قال : أنا ربكم الأعلى ، فكيف يكون حلمك بعبد قال سبحان ربي الأعلي؟!.
أحبتي في الله : إن ثمامة تأصلَّ البغض في قلبه ، و أنتم تعملون أن البغض الآن متأصل في قلوب كثيرة في الشرق و الغرب.
أقول: تأصل البُغض في قلب ثمامة. لا لشخص النبي بل لدين النبي بل لبلد النبي فما الذي حدث؟!
تحول هذا البغض إلى حب بالرفق والإحسان والحكمة والرحمة واللين.
هذه هي متطابقات مقام الدعوة إلى الله ، البغض الآن متأصل في قلبي الشرق والغرب علي الإسلام ، فصورة الإسلام مشوهة ، مُحرَّقة ، مبدلة !! كيف نحول هذه الصورة إلى حقيقتها ؟!! والإجابة : إذا عدنا نحن ابتداء إلى هذا الإسلام ، فحولنا الإسلام بعظمته بيننا ابتداءً وعلى أرض الواقع ، وفي دنيا الناس إلى واقع عملي ، وإلى منهج حياة ، يتألق سمواً وروعة وجلالاً ، فإن القول إذا خالف الواقع و العمل ، بذر بذور النفاق في القلوب كما قال علام الغيوب : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].
ولاحظ أن ثمامة لما شرح الله صدره للدين وضع كل قدراته وإمكانياته وطاقته لنصر الدين فاستشعر المسئولية العظيمة التى أُلقيت على عاتقه منذ أول لحظه دخل فيها إلى دين الله – جل وعلا - فخلع رداء الكفر على عتبة التوحيد والإيمان ، وأعلن الفاصلة الحاسمة بين الإيمان و الشرك فأعلن الولاء لله ورسوله والمؤمنين وعلى الفور عادى الشرك والمشركين.هذه كلها دروس مترابطة لا ينفك درس منها عن الآخر ، بمجرد أن يشرح صدر المرء للإسلام لابد من
أن يخلع رداء الكفر على عتبة الإيمان ، وأن يعلن الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين وأن يعلن البراءة من الشرك
والمشركين ، وأن يسخر كل طاقته وقدراته وإمكانياته لنصرة هذا الدين الذي منَّ الله به عليه.
لاحظ قولة ثمامة وهو يقول للمشركين : والله لا تصل إليكم حبة حنطة حتى يأذن رسول الله ، وعاد ثمامة ليضرب حصارا اقتصاديا على قريش. والسلاح الاقتصادي من أخطر الأسلحة ، وبكل أسف يُستخدم الآن ضد المسلمين . حصاراً اقتصادياً على العراق .. حصاراً اقتصادياً على السودان .. حصاراً اقتصادياً على ليبيا .. حصاراً يستخدم لإذلال المسلمين .. و ليت الأمة تعي يوم أن استخدمت هذا السلاح مرة واحدة في حرب العاشر من رمضان – لا أقول حاصروا الغرب حصاراً اقتصادياً كاملاً بل بسلاح واحد من أسلحة الحصار ، ألا وهو سلاح البترول - تغيرت الموازين وانقلبت.
والأمة المسلمة تمتلك من القدرات و الإمكانيات و المقومات ما تستطيع بها - لو اتحدت كلمتها على قلب رجل واحد - أن تغير موازين العالم بأسره ، فأموال الأمة الإسلامية في البنوك الشرق والغرب تحرك دفة السياسة العالمية بأسرها .
انطلق ثمامة بمفرده ليضرب حصاراً اقتصادياً علي قريش حتى أكلت قريش
العلهز (1) واستجار القرشيون من أهل مكة بنهر الرحمة وينبوع الحنان محمد بن عبد الله قالوا : أنك تأمر بصلة الرحم وإن ثمامة قد منع عنا الميرة من اليمامة ، فإن شئت فاكتب اليه ليخلي بيننا وبين الميرة ، فما كان من نهر الرحمة وينبوع الحنان الذي يأمر بصلة الأرحام ، مع أنهم أعداؤه ، مع أنهم الذين أساءوا إليهليل نهار - ما كان منه إلا أن يكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين ما يصل إليه من ميرة ففعل ثمامة ليعلم القرشيون قدر ومكانة رسول الله .
وهذا ما فعله عبد الله بن عبد الله بن أبي - رضوان الله عليه - لما قال رأس النفاق أبوه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فلما سمع ولده عبد الله بذلك ذهب إلى النبي فقال له المصطفي : (( أَوَ مَا سَمِعْتَ مَا قَالَهُ أَبُوكَ يَا عَبْدَ اللهِ)) قال : وماذا قال أبي بأبى أنت وأمي يا رسول الله ؟. قال : ((قَالَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الَمدِينَة لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ)) فقال عبد الله بن عبد الله بن أُبي : صدق والله أبي فأنت الأعز وهو الأذل ، ثم قال : يا رسول الله و الله لتري ما تقر به عينك ، فانطلق عبد الله ووقف لأبيه بالسيف على باب داره فقال عبد الله لأبيه : والله لا يأويك ظلها (يعني المدينة) ولا تبيتن الليلة في بيتك إلا بأذن من الله ورسوله لتعلم من الأعز ومن الأذل ، إنه الولاء لله والرسول والمؤمنين .. إنه البراء ، إنها المفاصلة الحاسمة .