الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
بعد أيام قليلة تتوجه قوافل الحجيج إلى البيت الحرام تاركين ديارهم ورائهم إلى بلاد بعيده لينزلوا ضيوفاً على ربهم في بيته العتيق وهو الجواد الكريم الذي لا يرضى لضيفه قوىْ دون الجنة.
لكن تذكر أيها الحاج أن المضيف لا يكرم ضيفه إلا إذا رأى من ضيفه توقيراً له وتعظيماً لحرمته، واحتراماً لبيته.
ومن أحق من الله بالتوقير؟ وأي بيت أولى من بيته بالتقدير؟
وهو البيت العتيق الذي وضعه الله للناس ليعبدوه في قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[ آل عمران 96-97 ].
وقد أمر الله خليله إبراهيم وولده إسماعيل إن يطهراه للطائفين والعاكفين والراكعين الساجدين يطهرانه معنويا وحسيا من الرجس والنجس قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].
فأنت أيها الحاج مطالب بالحفاظ على طهارة ونظافة البيت الحرام والمشاعر الأخرى وعدم تلويثها وتنجيسها أو التسبب في ذلك فإن هذا من جملة تعظيم شعائر الله الدالة على التقوى قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].
وأعلم أيها الحاج إن لبيت الله حرمةً وقدراً، فإذا دخلته فأدخله وعليك السكينة والوقار مستحضراً هيبة الله وعظمته وحين يقع بصرك على الكعبة المشرفة فأدعو الله أن يزيدها تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبادر للطواف بها فالطواف أول عمل ينبغي أن تحرص عليه إذا لم تكن الصلاة قد أقيمت، وكن في طوافك خاشعاً لربك رفيقاً بإخوانك المسلمين فلا تدفع أحداً ولا تزاحمه لاسيما عند استلامك للحجر الأسود وتقبيله فإن وجدت فسحه استلمته وقبلته وإن لم تجد أشرت إليه من بعيد ومضيت في طوافك وأحذر أن تؤذي أحدا من المسلمين فإن حرمة المسلم عند الله أشد من حرمة الكعبة.
وتجنب أيها الحاج ما استطعت المرور بين يدي المصلين فكثير من الحجاج هداهم الله يمرون دون مبالاة من أمامهم، وربما كان بإمكانهم تجنب ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه» [رواه البخاري ومسلم].
وأعلم أن مقام إبراهيم عليه السلام معلم من معالم الحج تصلي عنده سنة الطواف اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم و امتثالاً لأمر الله عز وجل: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، إلا إذا كان المكان مزدحماً بالمصلين أو الطائفين فصل في أي مكان آخر من الحرم فإن ذلك يجزئك.
وأحذر ما يفعله بعض الحجاج من التمسح بالصندوق الزجاجي الموضوع فوقه أو تقبيله بقصد البركة فإن هذا شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «خذوا عني مناسككم» وكل فعل لم يفعله رسول الله فهو مردود على صاحبه ومأزور فيه غير مأجور وأعلم أيها الحاج إنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استلم من جدران الكعبة شيئاً سوى الركنيين، الحجر الأسود، الركن اليماني ولم يقبل إلا الحجر الأسود فإن تيسر لك ذلك فعلت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يتيسر أشرت من بعيد لركن الحجر الأسود مع التكبير. أما الركن اليماني فإنك تمر به دون أن تشير إليه عند الزحام. والخير في الاتباع والشر في الابتداع والعبادة الصحيحة ما كان صاحبها مخلصا فيها لله متبعا فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وأعلم أيضاً أنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر المخصوص أثناء الطواف اللهم إلا ما كان بين الركن اليماني وركن الحجر الأسود فإنك تقول: {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].
وكلمه أخيره لأختنا الحاجة أن تكون في بيت الله أشد التزاماً وأكثر انضباطاً واحتشاماً فتتجنب مزاحمة الرجال والصلاة بين صفوفهم والمرور بين أيديهم وهم في الصلاة، ولتكن في صلاتها خلف الرجال في الأماكن المخصصة للنساء.
جعلنا الله وإياكم من استجابوا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم لما يحيهم وجعل حجنا مبروراً وذنبنا مغفوراً وسعينا مشكوراً وعملنا متقبلاً ويقول الله تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [الكهف:30 ].
أخطاء تقع عند رمي الجمرات:
1- أن بعض الناس يظنون أنه لا يصح الرمي إلا إذا كانت الحصى من مزدلفة، ولهذا تجدهم يتعبون كثيرا في لقط الحصى من مزدلفة، قبل أن يذهبوا إلى منى، وهذا ظن خاطئ، فالحصى يؤخذ من أي مكان، من مزدلفة، من منى، من أي مكان يؤخذ، المقصود أن يكون حصى.
2- أن بعض الناس إذا لقط الحصى غسله، إما احتياطاً لخوف أن يكون أحد قد بال عليه، وإما تنظيفاً لهذا الحصى، لظنه أن كونه نظيفاً أفضل وعلى كل حال فغسل حصى الجمرات بدعة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، والتعبد بشيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم بدعه، وإذا فعله الإنسان من غير تعبد كان سفها وضياعاً للوقت.
3- أن بعض الناس يظنون أن هذه الجمرات شياطين، وأنهم يرمون شياطين، فتجد الواحد منهم يأتي بعنف شديد وحنق وغيظ، منفعلاً انفعالاً عظيماً، كأن الشيطان أمامه، ثم يرمي هذه الجمرات، ويحدث من ذلك مفاسد عظيمة:-
أ- أن هذا ظن خاطىء فإنما نرمي هذه الجمرات إقامة لذكر الله تعالى، وإتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحقيقاً للتعبد.
ب- أن الإنسان يأتي بانفعال شديد وغيظ وحنق وقوة واندفاع، فتجده يؤذي الناس إيذاءاً عظيماً، حتى كأن الناس أمامه حشرات لا يبالي بهم، ولا يسأل عن ضعيفهم، وإنما يتقدم كأنه جمل هائج.
4- جمرة العقبة: ومن المعلوم أن الرمي لا بد أن تقع فيه الحصى في الحوض، فيرمونها من الناحية الشرقية من ناحية الجدار، ولا يقع الحصى في الحوض، لحيلولة الجدار بينهم وبين الحوض، ومن رمى هكذا فإن رميه لا يصح، لآن من شرط الرمي أن تقع الحصاة في الحوض، وإذا وقعت الحصاة في الحوض، فقد برئت بها الذمة، سواء بقيت في الحوض أو تدحرجت منه.
أما تحقق وقوع الحصاة في المرمى فليس بشرط، لأنه يكفي أن يغلب على الظن أنها وقعت فيه.
5- أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن تصيب الحصاة الشاخص، أي العمود، وهذا ظن خطأ، فإنه لا يشترط لصحة الرمي أن تصيب الحصاة هذا العمود ، فإن هذا العمود إنما جعل علامة على المرمى الذي تقع فيه الحصى، فإذا وقعت الحصاة في المرمى أجزأت سواء أصابت العمود أم لم تصبه.
6- وهو من الأخطاء العظيمة الفادحة، أن بعض الناس يتهاون في الرمي، فيوكل من يرمي عنه مع قدرته عليه، وهذا خطأ عظيم.
ومن الناس من يقول إن الزحام شديد، وإنه يشق علي فنقول له: إذا كان الزحام شديداً أول ما يقدم الناس إلى منى من مزدلفة، فإنه لا يكون شديداً في آخر النهار، ولا شديداً في الليل، وإذا فاتك الرمي في النهار فارم في الليل، لأن الليل وقت للرمي، وإن كان النهار أفضل ومن المهم إن من أحتج بالزحام نقول له إن الله قد وسع الأمر، فلك أن ترمي في الليل.
ومن الناس من يقول: إن المرأة يمكنها أن تزاحم الرجال في الرمي فنقول له إن المرأة إذا كانت تخشى من شيء في الرمي مع الناس، فلتؤخر الرمي إلى الليل، ولهذا لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله- كسودة بنت زمعة وأشباهها- أن يدعوا الرمي ويوكلوا من يرمي عنهم- لو كان من الأمور الجائزة- بل أذن لهم أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا قبل حطمة الناس، وهذا أكبر دليل على أن المرأة لا توكل لكونها امرأة.
لو فرض أن الإنسان عاجز ولا يمكنه الرمي بنفسه، لا في النهار ولا في الليل، فهنا يتوجه القول بجواز التوكل، لأنه عاجز.
7- إنه كما أسلفنا يجوز الرمي بكل حصاة من أي موضع كانت، حتى لو فرض أن الرجل وقف يرمي الجمرات وسقطت الجمرات من يده فله أن يأخذ من الأرض من تحت قدمه، سواء حصاه التي سقطت منه أم غيرها، ولا حرج عليه في ذلك فيأخذ من الأرض التي تحته- وهو يرمي- ويرمي بها حتى وإن كان قريباً للحوض، لأنه لا دليل على أن الإنسان إذا رمى بها لا يجزئه الرمي.
8 - أن بعض الناس يرمي بحصى أقل مما ورد، فيرمي بثلاث أو أربع أو خمس، وهذا خلاف السنة، بل يجب عليه أن يرمي بسبع حصيات، كما رمى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه رمى بسبع حصيات بدون نقص، لكن رخص بعض العلماء في نقص حصاة أو حصاتين لأن ذلك وقع من بعض الصحابة رضي الله عنهم، فإذا جاءنا رجل يقول إنه لم يرم إلا بست ناسياً أو جاهلاً، فإننا في هذه الحالة نعذره ونقول: لا شيء عليك، لورود مثل ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وإلا فالأصل أن المشروع سبع حصيات، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
9- أن بعض الناس يرمي الحصى جميعا بكف واحدة، وهذا خطأ فاحش، وقد قال أهل العلم إنه إذا رمى بكف واحدة أكثر من حصاة لم يحتسب له سوى حصاة واحدة فالواجب أن يرمي الحصى واحدة فواحدة ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
فضيلة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين.
أخطاء شائعة:
حجر إسماعيل:
ذكر المؤرخون، والإخباريون: أن إسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام مدفون في: (( الحجر )) من البيت العتيق، وقل أن يخلو من هذا كتاب من كتب التاريخ العامة، وتواريخ مكة- زادها الله شرفاً- لذا أضيف الحجر إليه، لكن لا يثبت في هذا كبير شيء، ولذا فق : (( الحجر ))، ولا تقل: (( حجر إسماعيل )) والله أعلم.
جبل الرحمة:
في شرق مشعر عرفات، جبل صغير، في جنوبيه صخرات كبار، ويسمى: (( جبل عرفة )) أو (( جبل عرفات )). وقد شاع على ألسنة الناس، وفي أقلام الكتاب تسميته باسم: (( القرين )) ولا أصل لواحد من هذين الوصفين. والله أعلم.
لفضيلة الشيخ بكر أبو زيد.
فتاوى:
حكم الحائض والنفساء في الحج والعمرة ؟
يجوز للمرأة أن تحرم بالحج والعمرة وهي حائض أو نفساء غير أنها لا تصلي ركعتين الإحرام. وإذا نفست أو حاضت حين قدومها للعمرة وقفت عن ذلك حتى تطهر فإذا طهرت تطوف وتسعي وتقصر وتمت عمرتها. فإذا كان هذا بعد العمرة أو بعدما أحرمت بالحج في اليوم الثامن فإنها تعمل أعمال الحج من الوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار وغير ذلك من التلبية والذكر، فإذا طهرت طافت وسعت لحجها. والحمد لله، فإن جاءها الحيض بعد الطواف والسعي وقبل الوداع سقط عنها الوداع لأن الحائض والنفساء ليس عليهما وداع. مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز. رحمه الله.
هل يجوز للإبنة أن تحج وتتصدق عن أمها المتوفية، علما بأن الأم في حياتها لم تكن تصلي. ما حكم الشرع في هذا؟ وللعلم أن هذه الإبنة تحافظ على الشريعة الإسلامية.
من أركان الإسلام. من ترك الصلاة جحداً لوجوبها كفر بالإجماع، ومن تركها تهاوناً وكسلاً كفر على الراجح من قول العلماء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر». وعلى ذلك لا يجوز الحج ولا التصدق عمن مات وهو لا يصلي، كما لا يحج ولا يتصدق عن جميع الكفرة .
اللجنة الدائمة