بسم الله
أيها الإخوة والأخوات
كان بودي انأجيء إليكم قبل الآن ،ألتقي بكم وبجماهير شعبنا وأمتنا لكن مشاغلي كانت كما تعلمونوكما تدرون وأثق أنكم تقدرون ومهما يكن فلقد أحس بكم وبشعبنا وأمتنا معاً فيما أخذتعلي مسئوليتي تعبيراً عن إرادة أمة وتعبيراً عن مصير شعب مناسباً ان أجيء اليكماليوم أتحدث معكم ومع جماهير شعبنا ومع شعوب أمتنا العربية وأمام عالم يهمه ما يجريعلي أرضنا لأنه وثيق الصلة بأخطر القضايا الإنسانية وهي قضية الحرب والسلام ذلكلأننا لا نعتبر نضالنا الوطني والقومي ظاهرة محلية او اقليمية لأن المنطقة التينعيش فيها بدورها الإستراتيجي والحضاري في القلب من العالم وفي الصميم من حركتهولأن الحوادث كبيرة ولأن التطورات متلاحقة ولأن القرارات مصيرية فإنني أريد أن أدخلمباشرة فيها أريد أن اتحدث معكم وسوف أركز علي نقطتين : الحرب والسلام
أولاً : الحرب
لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخرمعاً ونتباهي بما حققناه في أحد عشر يوماً من أهم وأخطر بل واعظم وأمجد أيامتاريخنا وربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهي ولكن لكي نتذكر وندرسونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل ، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة والآمهاوحلاوة النصر وآماله ، نعم سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا فيموقعه ، وكيف حمل كل منا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترةحالكة ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتي نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأسوالرجاء ذلك كله سوف يجيء وقته وأظنكم توافقونني علي أن لدينا من المشاغل والمهامما يستحق أن نكرس له وقتنا وجهدنا وإذا جاز لي أن أتوقف قليلاً وأنا أعلم أنني أتوقشوقاً إلي سماع الكثير فإنني أقول ما يلي
أولاً : فيما يتعلق بنفسي فقد حاولت أن أفي بما عاهدت الله وماعاهدتكم عليه حاولت أن أفي بما عاهدت الله وما عاهدتكم عليه قبل ثلاث سنوات بالضبطمن هذا اليوم ، عاهدت الله وعاهدتكم أن قضية تحرير التراب الوطني والقومي هيالتكليف الأول الذي حملته ولاء لشعبنا وللأمة ، عاهدت الله وعاهدتكم علي أن لن أدخرجهداً ولن أتردد دون تضحية مهما كلفني في سبيل أن تصل الأمة إلي وضع تكون فيه قادرةعلي دفع إرادتها إلي مستوي أمانيها ذلك أن إعتقادنا دائماً كان ولايزال أن التمنيبلا ارادة نوع من أحلام اليقظة يرفض حبي وولائي لهذا الوطن أن تقع في سرابه أو فيضبابه
عاهدت الله وعاهدتكم علي أن نثبت للعالم أن نكسة ١٩٦٧ كانت إستثناءفي تاريخنا وليست قاعدة
وقد كنت في هذا أصُر عن إيمان بأن التاريخ يستوعب (٧٠٠٠) سنة من الحضارة ويستشرف آفاقاً أعلم علم اليقين بأن نضال شعبنا وأمتنالايعلو عنها وللوصول اليها وتأكيد قيمها وأحلامها العظمي ٠٠ عاهدت الله وعاهدتكمعلي أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلي جيل سوف يجيء بعده منكسة أو ذليلة وإنما سوف نسلمأعلامنا مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها قد تكون مخضبة بالدماء ولكننا ظللنا نحتفظبرؤوسنا عالية في السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة
عاهدت الله وعاهدتكم علي أن لا أتأخر عن لحظة أجدها ملائمة ولاأتقدم عنها لا أغامر ولا أتلكأ وكانت الحسابات مضنية والمسئولية فادحة لكنني أدركتكما قلت لكم وللأمة مراراً وتكراراً إن ذلك قدري وإني حملته علي كتفي ، عاهدت اللهوعاهدتكم وحاولت مخلصاً أن أفي بالوعد ملتمساً عون الله وطالباً ثقتكم وثقة الأمةوإني لأحمد الله
ثانياً : لقد كان كل شيء منوطاً بارادة هذه الأمة ، حجم هذه الإرادةوعمق هذه الإرادة وما كنا نستطيع شيئاً وما كان أحد ليستطيع شيئاً لو لم يكن هذاالشعب ، ولو لم تكن هذه الأمة ، لقد كان الليل طويلاً وثقيلاً ولكن الأمة لم تفقدإيمانها أبداً بطلوع الفجر وإني لأقول بغير إدعاء أن التاريخ سوف يسجل لهذه الأمةان نكستها لم تكن سقوطاً وإنما كانت كبوة عارضة وان حركتها لم تكن فوراناً وانماكانت ارتفاعاً شاهقاً لقد أعطي شعبنا جهداً غير محدود وقدم شعبنا تضحيات غير محددةوأظهر شعبنا وعياً غير محدود وأهم من ذلك كله أهم من الجهد والتضحيات والوعي فإنالشعب احتفظ بإيمان غير محدود وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة ولقدكنت أحس بذلك من أول يوم تحملت فيه مسئوليتي وقبلت راضياً بما شاء الله ان يضعه عليكاهلي كنت أعرف ان ايمان الشعب هو القاعدة وإذا كانت القاعدة ، سليمة فان كل ما ضاعيمكن تعويضه وكل ما تراجعنا عنه نستطيع الإنطلاق إليه مرة اخري وبرغم ظواهر عديدةبعضها طبيعي وبعضها مصطنع من تأثير حرب نفسية وجهت إلينا فقد كان سؤالي لنفسيولغيري في كل يوم يمر هل القاعدة سليمة ؟
وكنت واثقاً انه ليس في قدرة أية حرب نفسية مهما كانت ضراوتها انتمس صلابة هذه القاعدة
ومادامت القاعدة بخير فإن كل شيء بخير وغير ذلك لن يكون إلا زوبعةفي فنجان كما يقولون
لست أنكر إننا وُجهنا بمصاعب جمة ، مصاعب حقيقيةمصاعب في الخدمات ، مصاعب في التموين مصاعب في الإنتاج ، مصاعب في العمل السياسيأيضاً . وكنت أعرف الحقيقة ولكنني لم أكن في موقف يسمح لي بشرحها كنت أعرف إننانحاول نجعل الحياة مقبولة للناس وفي نفس الوقت فإن علينا أن نحتاط لما هو منتظروكنت واثقاً إنه سوف يجيء يوم تظهر فيه الحقيقة لغيري كما كانت ظاهرة لي ، وحينتظهر الحقيقة فإن الناس سوف يعرفون وسوف يقدرون وأحمد الله
ثالثاً : لقد كانت هناك إشارة واضحة إلي وجود تمزق في ضمير الأمةالعربية كلها وكنت أري ذلك طبيعياً لأسباب اجتماعية وفكرية وزادت عليها مرارةالنكسة ، كان هناك من يسألونني ويسألون أنفسهم هل تستطيع الأمة أن تواجه إمتحانهاالرهيب وهي علي هذه الحالة من التمزق في ضميرها
كنت أقول أن هذا التمزق فضلاً عن أسبابه الطبيعية يعكس تناقضاً بينالواقع والأمل وليس في ذلك ما يخيف بل كنت أعتقد انه ليس هناك شفاء لضمير الأمة ولاراحة له إلا عندما تواجه الأمة لحظة التحدي ولم أكن في نفس الأوقات علي إستعدادللدخول في مناقشات عقيمة ، هل نعالج التمزق قبل مواجهة التحدي ؟ وكان رأيي ان الأمملا تستطيع أن تكشف نفسها أو جوهرها إلا من خلال ممارسة الصراع وبمقدار ما يكونالتحدي كبيراً بمقدار ما تكون يقظة الأمة واكتشافها لقدراتها كبيرة ، لست أنكر وجودخلافات اجتماعية وفكرية فذلك مسار حركة التاريخ ولكنني في نفس الوقت كنت أعرف أنالأمم العظيمة عندما تواجه تحدياتها الكبري فانها قادرة علي ان تحدد لنفسهاأولوياتها بوضوح لا يقبل الشك ، كنت مؤمناً بسلامة وصلابة دعوة القومية العربيةوكنت مدركاً للتفاعلات المختلفة التي تحرك مسيرة أمة واحدة
ولكنني كنت واثقاً أن وحدة العمل سوف تفرض نفسها علي كل القوي وعليكل الأطراف وعلي كل التيارات لأننا جميعاً سوف نعي أن هذا الظرف ليس مساواة بينالاجتهادات وإنما هو الصراع بين الفناء والبقاء لأمة بأسرها وأحمد الله
رابعاً : ولقد كنت أعرف قواتنا المسلحة ولم يكن حديثي عنها رجماًبالغيب ولا تكهناً لقد خرجت من صفوف هذه القوات المسلحة وعشت بنفسي تقاليدها وتشرفتبالخدمة في صفوفها وكنت في ألويتها
إن سجل هذه القوات كان باهراً ولكن أعداءنا الإستعمار القديموالجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزاً مخيفاً لأنها أرادت أنتشكك الأمة في درعها وفي سيفها ، ولم يكن يخامرنا الشك في أن هذه القوات المسلحة ،كانت من ضحايا نكسة
سنة ١٩٦٧ ولم تكن أبداً من أسبابها
كان في استطاعة هذه القوات سنة ١٩٦٧ أن تحارب بنفس البسالة والصلابةالتي تحارب بها اليوم لو أن قيادتها العسكرية في ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعدضربة الطيران التي حذر منها عبد الناصر أو لو أن تلك القيادة لم تصدر قراراًبالإنسحاب العام من سيناء بدون علم عبد الناصر
إن قواتنا لم تعط الفرصة لتقاتل عام ١٩٦٧ ان هذه القوات لم تعطالفرصة لتحارب دفاعاً عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه ، لم يهزمها عدوها ولكن أرهقتهاالظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل
إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة علي أعلي مقياس عسكري ، ولقدشاركت مع جمال عبد الناصر في عملية إعادة بناء القوات المسلحة ثم شاءت الأقدار أنأتحمل مسئولية إستكمال البناء ومسئولية القيادة العليا لها أن القوات المسلحة قامتبمعجزة علي أعلي مقياس عسكري استوعبت العصر كله تدريباً وسلاحاً بل وعلماًواقتداراً حين أصدرت لها الأمر ان ترد علي استفزاز العدو وان تكبح جماح غروره فإنهاأثبتت نفسها أن هذه القوات أخذت في يدها بعد صدور الأمر لها زمام المبادرة وحققتمفاجأة العدو وأفقدته توازنه بحركاتها السريعة
إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً أمام عملية يوم ٦
أكتوبر ١٩٧٣ ولست اتجاوز اذا قلت أن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمامعملية يوم ٦ أكتوبر ٧٣ حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من إقتحام مانع قناةالسويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وعبور الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدتالعدو توازنه
لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لمعركة ٦ أكتوبر خلالالساعات الست الأولي من حربنا كانت هائلة فقد العدو توازنه إلي هذه اللحظة
وإذا كنا نقول ذلك اعتزازاً وبعض الاعتزاز إيمان فان الواجب يقتضيناأن نسجل من هنا وبإسم هذا الشعب وبإسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحةثقتنا في قياداتها التي خططت وثقتنا في شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم ،ثقتنا في إيمان هذه القوات المسلحة في قدرتها علي إستيعاب هذا السلاح
أقول باختصار أن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف إنه قدأصبح درع وسيف
أريد من هنا أن أشد إنتباه حضراتكم معي إلي الجبهة الشمالية حيثيحارب الجيش السوري العظيم معركة من أمجد معارك الأمة العربية تحت القيادة المخلصةوالحازمة للأخ الرئيس حافظ الأسد
وأريد أن أقول لإخوتنا في الجبهة الشمالية إنكم عاهدتكم وكنتمالأوفياء للعهد وصادقتكم وكنتم أشرف الأصدقاء وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين ،، انكمحاربتم حرب رجال وصمدتم صمود الأبطال
ولم يكن في مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخرمن هذه الرفقة التي تشرفنا بالقتال فيها معكم ضد عدو واحد لنا هو عدو أمتنا العربيةكلها ، لقد كنا من طلائع المعركة ، تحملنا ضراوتها ودفعنا معاً أفدح تكاليفها مندمائنا ومن مواردنا ، ولسوف نواصل القتال ، ولسوف نتحدي الخطر ، ولسوف نواصل معإخوة لنا ، تنادوا الي الساحة صادقين مخلصين سوف نواصل جميعاً دفع ضريبة العرقوالدم حتي نصل إلي هدف نرضاه لأنفسنا وترضاه أمتنا لنضالها في هذه المرحلة الخطيرةمن مراحله المتصلة المستمرة