مفاهيم يجب أن تصحح من التاريخ للشيخ عثمان الخميس
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولي مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله،
أما بعد،
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وإن شر الأمور محدثاتها فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في نار،
أما بعد،
كما عرفتم إن عنوان هذه الكلمة أباطيل يجب أن تُمحى من التاريخ، وأنا لدي تحفظ كبير جداً على هذا العنوان وهو لا يجوز أن يمحى شيء من التاريخ بل يجب أن يبقى التاريخ كله محفوظاً كما تسالم السلف رحمهم الله تبارك وتعالى نقله لنا فلا يجوز لنا أن نتعرض لكتب أهل العلم فنمحو منها شيئاً ما، بل يجب أن تبق الكتب كما هي ولعل المراد من العنوان أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ أي من أذهان الناس، أما أن تُمحى من التاريخ كتابة فهذا لا يجوز لأنه لا يجوز أن تمس كتب العلماء، وإنما يكون الأمر بالاختصار مثلاً أو تأليف جديد أو ما شابه ذلك، أما الكتب التي جمعت التاريخ لنا كتاريخ الطبري، وعمر بن شب وحافظ بن كثير في البداية والنهاية أو تاريخ الإسلام للذهبي، أو ما كتبه غيرهم فإنه لا يجوز أن يتعرض التاريخ بالمحو وإنما أن تصحح المفاهيم كأن نقول مثلاً مفاهيم يجب أن تصحح عن التاريخ فلعل هذا العنوان يكون أنسب وأسلم. وذلك أن العلماء السابقين كالإمام الطبري مثلاً الذي هو إمام المؤرخين على الإطلاق بدون استثناء الذي جمع لنا هذه المادة العظيمة من التاريخ بالأسانيد سواء كانت هذه الأسانيد صحيحة أو ضعيفة هذا أمر آخر، لكنه لاشك أنه قام بعمل جبار وهو أنه جاء إلى الروايات المبثوثة في التاريخ فجمعها جميعاً في كتاب واحد،
وللأسف هناك من يعيب عن الإمام الطبري أنه جمع في كتابه الغث والسمين وهو طالما أنه كتب الإسناد فإنه لا لوم عليه أبدا، ولذلك قالوا: من أحال إلى مليء فقد استبرء (أي قد أدى الذي عليه) وهكذا فعل الإمام الطبري رحمه الله تعالى جاء إلى الروايات المتناثرة ثم جمعها في مكان واحد وقال: هذا تاريخكم ولكن انظروا إلى الأسانيد فما كان من هذه الأسانيد صحيحاً فاقبلوه وإلا فليرفض. فهذا العمل للإمام الطبري رحمه الله تعالى عمل عظيم ولذلك لو جاء شخص ما مثلاً إلى المعجم الكبير مثل الطبراني أو تاريخ ابن عساكر وهي الكتب التي جمعت كثيراً من الأحاديث الضعيفة مع الأحاديث الصحيحة ثم يقول نمحو الأحاديث الضعيفة من المعجم أو من تاريخ دمشق لابن عساكر فنقول له هذا قول باطل وذلك إن ابن عساكر والطبراني وغيرهما كذلك إنما جمعوا لنا كل شيء بالأسانيد فما كان صحيح فاقبله وإلا فردّه فلا لوم لا أولاً ولا آخراً على الإمام الطبري وغيره رحمهم الله تبارك وتعالى. والإسناد كما قال ابن سيرين: الإسناد من الدين ولو الإسناد لقال من شاء ما شاء. ولذلك اهتم علماء المسلمين بقضية الإسناد فإنك لا تجد أبداً في غير الإسلام قضية الإسناد أما الأديان المحرّفة كاليهودية والنصرانية وغير الأديان كل أولئك القوم حرّفوا أديانهم وحرفوا كتب أنبياءهم وعلماءهم وحفظ الله تبارك وتعالى هذا الدين لنا بهذه الأسانيد بأناس وفقهم الله تبارك وتعالى أن يحفظوا لنا ذلك التراث العظيم من النبي صلوات الله وسلامه عليه والصحابة ومن جاء بعدهم إلى ما شاء الله جل وعلا، وقد نصّ أهل العلم أنه لا يقبل شيء من الحديث إلا إذا صح سنده بل إن القرآن لا يقبل إلا إذا كان متواتراً، والقرآن كله نُقل إلينا بالتواتر فكذلك الأمر بالنسبة إلى السنة لا يقبل منها إلا ما صحّ سنده، وكذلك الأمر بالنسبة للتاريخ وإن كان أهل العلم يتساهلون في روايته لكن قضية القبول متوقفة على صحة الإسناد أو عدم صحته، وسنتطرق إن شاء الله تبارك وتعالى إلى بعض المسائل التاريخية التي يجب أن تُمحى أو التي يجب أن تُصحح، وهي بعض القصص المشهورة بين الناس أحببنا أن نبين مدى صحة هذه القصص ومدى بطلانها:
(1) قصة الغرانيق
(2) السقيفة
(3) ميراث فاطمة رضي الله عنها
(4) خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة
(5) خلافة عثمان رضي الله عنه وما كان فيها من الفتنة
(6) وقعة الجمل
(7) بيعة علي رضي الله عنه
(8) مقتل الحسين رضي الله عنه
ولاشك أن هناك عناوين أخرى ومسائل كثيرة يجب أن تُطرح وتُصحح ويجب أن يُبين الحق فيها ولكن لعل المجال لا يتسع إلا لهذه وإن كان مع هذه لعله يطول قليلاً.
(1) قصة الغرانيق:
كما هو معلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدأ الدعوة في مكة شرّفها الله تبارك وتعالى وتلقى من قومه الأذى وتحمل صلوات الله وسلامه عليه وأوذي أصحابه وقُتل منهم قتل كوالد عمّار بن ياسر وأمه وعُذّب من عُذّب كعمار وبلال وصهيب وعبد الله بن مسعود وغيرهم واضطر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك إلى أن يأذن لأصحابه بالهجرة وأمرهم أن يهاجروا إلى الحبشة وأخبرهم أن ملكاً هناك لا يُظلم عنده أحد فأمر الصحابة أن يهاجروا إلى الحبشة فهاجروا مجموعة من الصحابة إلى الحبشة وظل الباقون في مكة يدعون إلى الله تبارك وتعالى ويصبرون على أذى المشركين وكان أن وقع في يوم من الأيام وذلك بعد نزول قول الله تبارك وتعالى في سورة النجم \"والنجم إذا هوى وما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.....إلى آخر السورة\" لما بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم \"فاسجدوا لله واعبدوا\" سجد صلوات الله وسلامه عليه وسجد الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم وقال ابن مسعود: وسجد الإنس والجن وسجد مشركوا مكة يقول إلا رجل واحد أخذ تراب من الأرض وضعه على جبهته وقال: يكفيني هذا، وأما باقي الكفار فكلهم لم يتمالكوا أنفسهم أن سجدوا لله تبارك وتعالى. ذُكرت آية في هذه السورة وهي قول الله تبارك وتعالى \"أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى\" وقصة الغرانيق هي أنها لما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي أو يقرأ هذه السورة لما بلغ قول الله تبارك وتعالى \"أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى\" سمع الناس قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى. قالوا: ولهذا سجد كفّار مكة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه مدح أصنامهم وذُكرت في هذه القصة أسانيد كثيرة ذكر الحافظ بن حجر أنها صحيحة ولكنها مرسلة ثم توصل إلى قول وهي وإن كانت ضعيفة من حيث الإرسال إلا إنها مع كثرتها يظهر أن القصة لها أصل. ولاشك أن القصة باطلة بهذه الصورة وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مدح أصنامهم، كيف؟ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنزل الله تبارك وتعالى عليه \"قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد\" وذلك لما عرض كفار مكة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعبد أصنامهم سنة وأن يعبدوا الله وحده لا شريك له سنة فأنزل الله إليه تلك الآيات، فلا يعقل أبداً أن يمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصنامهم. ثم كذلك السجود إنما كان في آخر السورة كما هو معلوم ولو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمدح هذه الأصنام ويقول تلك الغرانيق العلا قالوا: ألقاها الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدون قصد منه صلوات الله وسلامه عليه وذلك عند قول الله تبارك وتعالى \"وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته\" فقالوا: إن الشيطان هو الذي ألقى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الكلام فظنه صلوات الله وسلامه عليه من جبريل لما كانت تنزل عليه هذه السورة ويقرأها فجبريل يقرأ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع ويقرأ على الناس فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تدخل جبريل وسط هذه القراءة لما بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع جبريل \"أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى\" فألقى إليه الشيطان تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فظن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا من جبريل فقالها فأُعجب كفار مكة بهذا القول. وهذا القول باطل لأمور كثيرة:
أولاً: لا يمكن أبداً لا يستطيع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفرق بين كلام جبريل وكلام الشيطان فكيف يُعقل أن يقول إنسان عاقل تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى؟ فكيف ينسب هذا إلى أعقل الناس صلوات الله وسلامه عليه؟
ثانياً: إذا كان الشيطان يلقي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يفرّق بين قوله وقول جبريل فلا ثقةً إذاً بالشرع فكل ما عندنا من شرع يمكن أن يكون ألقاه الشيطان ولم يفرّق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين قول جبريل وقول الشيطان. ثم أن هذه من المسائل المعروفة عند كل أحد فكيف تخفى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فهذه من مسائل العقيدة العظام التي لا تخفى على أحد ولا يُعذر أحد بجهلها فكيف يقع هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم كيف يكون الشيطان تسلّط على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثالثاً: ثم يقال إن هذا الأمر إن كان من الشيطان فإنه حمله بعض أهل العلم على أن الشيطان قلّد صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي تكلّم بهذا، بل قلد الشيطان صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاح في كفار مكة تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى، فظن كفار مكة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ظن الذين سمعوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي قال ذلك الكلام، وهذا أقرب الأقوال إذا قلنا بصحة الآثار، وإذ قلنا بضعفها وهو الصحيح فلا داعي أبداً لهذا التأويل. وتبقى القصة باطلة ولا تقبل أبداً أن تكون وقعت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومن أراد أن يتوسع في هذا فليرجع إلى كتاب أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي فإنه رد ذلك القول جملة وتفصيلا رحمه الله تبارك وتعالى.
(2) قصة السقيفة:
السقيفة كما هو معلوم فيما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما مات اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة وكانت مقولتهم المشهورة إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مات فنقول للمهاجرين منّا أمير ومنكم أمير واجتمعوا على هذا فبلغ هذا الخبر عمر بن الخطاب عن طريق أحد الأنصار فذهب لأبي بكر الصديق وطلب منه أن يذهب للأنصار ليحسم هذا الأمر وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: الأئمة من قريش. فالقضية ليست قضية تنازلات ولا قضية تبادل أنت تحكم هذه السنة وأنا أحكم السنة القادمة وإنما هي نصوص شرعية كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: الناس تبعاً لقريش، برّهم تبعٌ لبرّهم وشرهم تبعٌ لشرهم. فذهب أبو بكر وعمر ورافقهما أبوعبيدة عامر بن الجراح فالتقوا مع الأنصار فتكلم أبو بكر رضي الله عنه وبيّن للأنصار أن الخلافة في قريش وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حسم هذا الأمر وقال فيما قال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، ثم أراد أن يبايع لعمر أو أبي عبيدة وقال: بايعوا أحد هذين الرجلين الذين مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهما راض. فقام عمر عند ذلك وقال: لا والله لا نبايعك إلا أنت فأنت خيرنا، فتمت البيعة لأبي بكر الصديق. هذه القصة كما هي في صحيح البخاري مع اختصارها، جاءت رواية مكذوبة قريبة من هذه القصة رواها رجل يقال له أبو مخنف لوط بن يحي وهو رافضي كذّاب وإخباري تالف كما قال الدارقطني وهذا الرجل زاد في هذه القصة ونقص واتهم الصحابة رضي الله عنهم بأشياء هم أبرياء منها. فكان مما قال إن سعد بن عبادة رفض هذه البيعة وقال: والله لأقاتلنّكم بمن تبعني من قومي ولأرمينكم بكل سهم في كنانتي ولأضربنّكم بسيفي ما حملته يدي. وهذا كله لاشك إنه باطل لا يقبل أبداً والإسناد الصحيح الذي في البخاري كما قلت يرفض هذه القصة وهذه الزيادات التي ذكرهــا أبو مخنف فكان سعد بن عبادة لا يُجمّع معهم ولا يقف عرفات معهم فهذا كله من الباطل والزور والبهتان الذي لا يمكن أن يكون أبداً ولذلك على الإنسان المسلم إذا أراد أن يقرأ هذه الأمور فعليه أن يرجع إلى الكتب التي اهتمت بالأسانيد الصحيحة كصحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي في جامعه وغيرها من الكتب التي حرصت على الأسانيد الصحيحة فلينظر إلى الإسناد فإن صح الإسناد قبله وإلا ردّه. ووقع أيضاً أن علي رضي الله عنه تخلّف عن بيعة أبي بكر كما هو ظاهر من حديث عائشة رضي الله عنها أن علياً بايع بعد ستة أشهر. والصحيح والعلم عند الله تبارك وتعالى أن علياً بايع مرتين وذلك أنه بايع أول مرة مع الناس ولكنه تفرّغ بتمريض فاطمة وذلك أن فاطمة رضي الله عنها مرضت مباشرة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه سارّها فبكت ثم سارّها فضحكت وكان من إجابتها لما سارّها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه أخبرها أنها أول أهله لحوقاً به صلوات الله وسلامه عليه وذلك أن فاطمة رضي الله عنها مرضت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة والتزمها علي رضي الله عنها يمرضها ويقابلها ويعتني بها ثم لما توفيت خرج مرة ثانية وإذ تغيرت عليه أوجه الناس فطلب من أبي بكر أن يبايعه مرة ثانية أمام الناس جهراً لأن بعض الناس ظنوا أن علياً لم يبايع، وهذا غير صحيح بل الصحيح كما ثبت عند أبي خزيمة بإسناد صحيح أن علياً بايع أول مرة ثم بايع ثاني مرة علناً أمام الناس. ولذلك لما سمعه الإمام مسلم رحمه الله تبارك وتعالى قال: هذا الحديث يسوى بدنه فقال له أبو خزيمة: بل هذا الحديث يسوى بدره (أي كيس الذهب). وذلك أنه ينفي ما أشيع عند الناس من أن علياً لم يبايع، بل بايع رضي الله عنه وقد ثبت هذا بإسناد صحيح صححه غير واحد كأبو خزيمة ومسلم وابن كثير وغيرهم. ووقع في هذه الأثناء أن طالبت فاطمة بميراثها من أبيها صلوات الله وسلامه عليه.
(3) ميراث فاطمة رضي الله عنها:
فقد أتت أبي بكر الصديق رضي الله عنه تطلب منه أن يعطيها فدك ميراثها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبين لها أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يورث وإنه قال: ما تركناه صدقة، إن معاشر الأنبياء لا نورث، فسكتت فاطمة. جاءت الرواية عند البخاري في صحيحه فوجدت (أي حزنت وتضايقت) فاطمة على أبي بكر فلم تكلمه حتى ماتت. هذه الزيادة والعلم عند الله تعالى وإن كان أخرجها البخاري في صحيحه فإنها والذي يظهر منها أنها مدرجة من كلام الزهري وليس من كلام عائشة رضي الله عنها لأنها في نفس الرواية قال: فوجدت فاطمة من أبي بكر، وفي رواية فغضبت فاطمة على أبي بكر وراوي الحديث السيدة عائشة رضي الله عنها فلو كانت عائشة هي التي قالت ذلك لقالت قالت وليس قال والذي يظهر والعلم عند الله تبارك وتعالى إنه من كلام الزهري لا من كلام عائشة رضي الله عنها فلا يصح أن فاطمة رضي الله عنها وجدت (حزنت) على أبي بكر رضي الله عنه. أما اعتزالها فإنها كما قلنا كانت مريضة وهي بقت في بيتها من أجل المرض ولذلك في رواية أنها قالت أرادت أن لا يصلي عليها أبي بكر وأن لا يعلم بموتها فهذا باطل لاشك فيه. وذلك أنه ثبت أن أسماء بنت عميس زوج أبو بكر هي التي غسلت فاطمة، فكيف تغسلها زوج أبي بكر ولا يعلم الخليفة أبي بكر بذلك؟ بل ولا شيء يثبت أن أبا بكر دخل عليها فلم تسلم عليه، بل جاء عن الشعبي بإسناد صحيح مرسل أن أبا بكر استأذن على فاطمة ليدخل عليها فقالت لعلي: ما تقول؟ قال لها: ائذني له فأذنت له فدخل أبو بكر فترضّاها حتى رضيت. وذلك أنها كانت ترى أن لها ميراثاً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن الله تبارك وتعالى يقول \"يوصيكم الله في أولادكم لذكر مثل حظ الأنثيين\" وهي الوحيدة من أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي بقيت بعده فكل أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماتوا في حياته. فهنا إن كان غضبت فاطمة حقيقة كما قال الإمام الزهري فهذا مرسل، ومراسيل الزهري كما يقول أهل العلم كالرياح أي لا عبرة بها ولا إلتفات إليها ولكن حتى على قبول هذا المرسل وإنه صحيح وإن فاطمة وجدت فهذا لا عيب فيه على أبي بكر وذلك أنه إذا وجدت عليه فاطمة وجد عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهل يقدّم رضا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو رضا فاطمة رضي الله عنها؟ فلاشك أنه يقدم رضا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأنه هو الذي فيه طاعة الله تبارك وتعالى.
(4) خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة:
كما هو معلوم أيضاً أنه لما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ارتد أكثر العرب (أي تركوا الدين أصلاً)، وهناك من منع الزكاة لأنهم كانوا يرون أن هذا المال كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط فلا يأخذه إلا هو صلوات الله وسلامه عليه أما أبو بكر فليس له حق في هذه الزكاة فامتنعوا عن دفع الزكاة خاصة، إذاً عندنا من ارتد وعندنا من منع الزكاة ويخلّط بعض الناس بين هذا وهذا فيجعل مانعي الزكاة هم المرتدين أو العكس وليس الأمر كذلك ولكن وافق أنهما كانا في وقت واحد. أرسل أبو بكر الجيوش لتقاتل مانعي الزكاة والمرتدين كذلك، فكان من قادة هذه الجيوش بل هو قائدهم الأول خالد بن الوليد رضي الله عنه فذهب وأدب بني حنيفة بقيادة نبيهم مسيلمة الكذاب ثم بدأ يمر على قبائل العرب يؤدبهم سواء كانوا ممن ارتد عن دين الله تبارك وتعالى أو كانوا ممن منع الزكاة، فكان من أولئك القوم بنو تميم أتباع مالك بن نويرة. فالقصة الكذوبة التي انتشرت وهي أن خالد بن الوليد كان يعشق زوجة مالك بن نويرة ليلى في الجاهلية وذكر هذا ابن الأثير، فعندما جاءت جيوشه إلى بني تميم رأى امرأة مالك بن نويرة فتذكرها ثم أمر بقتل مالك بن نويرة بعد أن صلى خلفه، وقال مالك بن نويرة لخالد: على ما تقتلني ما منعت شيئاً؟ قال خالد: والله إني لقاتلك. قال مالك: والله ما قتلتني إلا هذه وأشار إلى زوجته. وهذه قصة باطلة لاشك في ذلك، أما إن خالداً كان يعشقها في الجاهلية فهذا كلام باطل لا دليل عليه ولا إسناداً أصلاً ثم كذلك يقال إن خالد بن الوليد قد عٌلم ما كان له من الجهاد والبذل في سبيل الله بنفسه حتى جاءت الرواية المشهورة عنه إنه قال: والله ما من موضع شبر في جسمي إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ثم أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت عين الجبناء. فما كان خالد بن الوليد رضي الله عنه من الحريصين على النساء ولكن الذي وقع وهو الصحيح أن مالك بن نويرة اختلف فيه هل منع الزكاة أو أنه ارتد؟ على قولين:
أما القول الأول وهو أنه ارتد وتابع سجاح التغلبية وذلك أن سجاح التغلبية لما جاءت لبني تميم وقالت لهم إنها نبية صدقوا كلامها وتابعوها على ذلك فقاتلهم خالد لأجل ذلك (أي أنهم تابعوا سجاح التغلبية).
أما القول الثاني وهو أنهم منعوا الزكاة وأن خالداً بن الوليد رضي الله عنه لما جاء قال: لماذا منعتم الزكاة وهي أخت الصلاة؟ فقال: إن صاحبكم يزعم ذلك يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فغضب عليه خالد وقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ فأمر بقتله رضي الله عنه. وقيل أن السبب في ذلك وهو أن مالك بن نويرة منع الزكاة كغيره فلما جاءهم خالد بن الوليد رجعوا إلى الحق ووافقوا على دفع الزكاة فكانت ليلة شاتية فقال خالد بن الوليد لبعض جنده ادفئوا أسراكم وكان عندهم ناس من بني كنانة وكان عندهم أدفئ الأسير أي اقتله، فقاموا وقتلوهم ظناً منهم أن خالداً يريد قتلهم. فليس لخالد بأي صورة من الصور دور بقتل مالك بن نويرة إلا إذا كان كما قلنا ارتد وتابع سجاح أو أنه قال لخالد: إن صاحبكم يزعم ذلك. وفي قتله مدح لخالد إن كان قتله من أجل هذا السبب.
وأما أنه أخذ زوجته فزوجته من السبي وهذا أمر لا بأس به، فهل يقال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حاصر خيبر وقتل منها من قتل ثم أخذ صفية في نصيبه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل أهل خيبر لأجل أن يأخذ صفية؟ فهذا باطل من القول فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذها في الغزو فبعد انتهاء الغزو صارت من نصيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومما يؤكد هذا أن أخ مالك بن نويرة وهو تمّام أو متمم بن نويرة أنه أورث أخاه مالكاً وقال قصيدة طويلة منها أنه قال عنه وعن أخيه:
وكنا كندما حقبة من الدهر،،،، حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً،،،،،،، بطول اجتماع لم نبت ليلةً معا
فلما سمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الأبيات الجميلة من متمم قال: والله تمنيت أن لو كنت شاعراً لرثيت أخي زيداً بمثل هذا الرثاء، وزيد قد قُتل في اليمامة كما هو معلوم. فقال متمم لعمر: والله يا عمر لو مات أخي على ما مات عليه أخوك ما رثيته أبداً ولا بكيته. وهذا يؤكد أن خالد بن الوليد كان له كل العذر في قتل مالك بن نويرة. وأما أخذه لزوجته فهذا من السبي ولا شيء في ذلك أبداً. وأما القول أنه دخل عليها قبل أن تنتهي عدتها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها فهذا كلام باطل ولم يقع شيئاً من ذلك أبداً بل تركها حتى حاضت وطهرت ثم بعد ذلك أخذها رضي الله عنه وأرضاه.
(5) خلافة عثمان رضي الله عنه وما كان فيها من الفتنة:
معلوم أن عثمان رضي الله عنه استخلف بعد عمر وذلك أن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة: في عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن الوقاص وعبد الرحمن بن عوف. واختار القوم عثمان بن عفان بعد مشاورات ومداورات فصار هو الخليفة وبايعه جميع المسلمين، واستقرت الأمور كما قال الإمام أحمد: لم تتم البيعة لأحد كما تمت لعثمان رضي الله عنه. وحكم عثمان رضي الله عنه اثنتي عشر سنة. وأشيع على عثمان أمور منها:
أولاً: أنه كان ضعيفاً
ثانياً: يحابي أقاربه بالأموال
ثالثاً: أن الحاكم الحقيقي مروان بن الحكم وهو لا يستطيع التصرف
ولاشك أن هذا باطل، بل كان عثمان خير الخلفاء بعد أبي بكر وعمر واستمرت خلافته اثنتي عشرة سنة كما بينا وكانت من أفضل السنوات من حيث الجهاد في سبيل الله تبارك تعالى ومن حيث الأموال الكثيرة التي دخلت على المسلمين، ومن حيث استقرار الأمور. ولكن الذي وقع أن عثمان رضي الله عنه في آخر خلافته قام بعض الناس بإثارة بعض النعرات وكذبوا على عثمان في بعض الأمور وادعوا عليه ادعاءات باطلة منها التي ذكرناها الآن وغيرها كثير ادعوها على عثمان رضي الله عنه ثم قام شرذمة من أهل البصرة وشرذمة من أهل الكوفة وشرذمة من أهل مصر أرادوا الانقلاب على عثمان، ولكن تم الإمساك بهم فحذرهم وهددهم ثم أعادهم إلى بلادهم وذلك في سنة 34 من الهجرة أي بعد 11 سنة من خلافة عثمان رضي الله عنه، ثم في السنة التي بعدها أعادوا الكرّة مرة ثانية ولكن عزموا هذه المرة على أن لا يرجعوا حتى يقتلوا عثمان رضي الله عنه وكان لهم ما أرادوا، فحاصروا بيته وقتلوه وهو يقرأ القرآن وكان من صنيعه أنه رفض أن يقاتل أحد من المسلمين دونه وهذا يدل على أمرين اثنين:
1) حقنه لدماء المسلمين، وذلك لو كان غيره لقال أنا ومن دوني البحر، بل قال لعبيده كل من أغمد سيفه فهو حر، ولما جاءه زيد بن ثابت وقال: الأنصار على الباب، يقول إن شئت كن أنصار الله مرتين كما كنا أنصار الله مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنكون كذلك أنصار الله معك، فقال: لا والله لا أحب أن يهراق قطرة من دم في سبيلي بل قال: عليكم السمع والطاعة ارجعوا إلى بيوتكم. ورفض أن يقاتلوا دونه رضي الله عنه ولذلك لما استشار عبدالله بن عمر قال: ما ترى في هذا الأمر؟ قال : يا أمير المؤمنين، هل يزيدون على قتلك؟ قال: لا، فلا أرى أن ترجع نفسك من الخلافة، اصبر حتى لا تكون الخلافة بعد ذلك بيد الناس لعبة كلما كرهوا إماماً عزلوه بل ابق على الخلافة ولا تلفت إليهم. فاختار رأي عبدالله بن عمر ولم ينزل عن الخلافة حتى قتل مظلوماً شهيداً رضي الله عنه وأرضاه.
أما بالنسبة بأنه كان يحابي أقاربه بالأموال فهذا باطل فكيف وهو الذي سير جيش العسرة لوحده من أمواله الخاصة حتى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم. كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرح فرحاً شديداً لما جاء عثمان بالإبل بأحلابها وأقتابها وجعلها في سبيل الله تبارك تعالى. فكان من أغنياء الصحابة ولما مات ما كان يملك شيئاً رضي الله عنه وما ترك ثروة لأولاده حتى يقال يستأثر بالأموال او يعطيها لغيره.
6) معركة الجمل:
ولاشك أن هذه القضايا فيها صراعاً وكما ذكرت في البداية أنه لا نستطيع أن نعطي كل قضية حقها، ولكن لا بأس أن ننبه على بعضها، ولذلك قيل: ما لا يدرك جله لا يترك كله، ومن أراد التوسع فليرجع لكتب أهل العلم لهذه المسائل. معركة الجمل كانت في 36 من الهجرة في صفر وذلك أن علياً رضي الله عنه بويع بعد مقتل عثمان رضي الله عنه فبايعه الصحابة. ولا بأس أن ننبه عن الرواية التي تقول إن طلحة والزبير قد بايعا والسيف على رقبتيهما فهذا كذب باطل ذلك أن القوم الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه ذهبوا إلى الزبير وطلبوا منه أن يكون هو الخليفة فرفض وذهبوا إلى طلحة كذلك فرفض حتى استقر الأمر على علي رضي الله عنه فكان الخليفة بعد عثمان رضي الله عنه، فطلحة ما كان له طمع في الخلافة ولا الزبير ولذلك لما جعل عمر الأمر في ستة وهي الشورى ما رشح نفسه لا طلحة ولا الزبير بل الزبير أعطى صوته لعلي وطلحة أعطى صوته لعثمان فما كان حريصين على الخلافة أصلاً. والذي وقع هو أن طلحة والزبير بعد مقتل عثمان في المدينة خرجا إلى مكة وكان الناس في الحج وذلك أن عثمان قُتل في ذي الحجة وكان أمير الحج عبدالله بن العباس رضي الله عنهما وكانت عائشة في الحج رضي الله عنها فالتقيا بعائشة ورأيا أن الأمور قد ازدادت سوءاً بعد مقتل عثمان ولكن هذه الثورة التي قام بها هؤلاء القوم وهم يقدرون بألفين أو ستة ألاف على خلاف فقيل من مصر ألفين ومن البصرة ألفين ومن الكوفة ألفين وقيل أن الجميع عددهم ألفان والعلم عند الله تبارك وتعالى ولكن العدد ليس بقليل وهؤلاء كلهم من قبائل وكل واحد له قبيلة تدافع عنه ولذلك جبل وزهير بن حرقوص لما أردوا قتلهما دافع عنهما آلاف من بني تميم وغيرهما، فلذلك خرجت عائشة وطلحة وزبير إلى الزبير وعلي كان في المدينة فالقول أن عائشة وطلحة وزبير خرجوا على علي قول باطل لأنهم خرجوا من مكة إلى البصرة وذلك حتى يبينوا للناس أن قتل عثمان كان باطلاً وأن الذين قتلوا عثمان هم بغاة ظلمة جهّال فسقة فأرادوا أن يجمعوا كلمة المسلمين على الانتقام لعثمان من هؤلاء القتلة والذي وقع أن علياً رضي الله عنه لما سمع بخروجهم إلى البصرة وأنه وقعت مناوشة وقتال بينهم وبين أهل البصرة وأهل المدينة شاركوا في قتل عثمان خرج علي رضي الله عنه من المدينة إلى الكوفة وهناك أرسل إليهم قعقاع بن عمرو ومقداد بن الأسود ويسألهم لماذا خرجوا؟ ولماذا ذهبوا إلى البصرة؟ ولماذا تمّ القتال؟ فجاء قعقاع بن عمرو ومقداد بن الأسود إلى عائشة وطلحة وزبير وكانت عائشة رضي الله عنها كارهة لهذا الخروج ولكن ذكروا لها قول الله تبارك وتعالى \"لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس\" وما خرجت إلا للإصلاح بين الناس فكان الأمر كذلك فاقتنعت بقولهم وخرجت معهم رضي الله عنهم أجمعين. وسألاهما مالذي أخرجكم؟ فقالوا: حتى تستقر الأمور وتنتهي القضية فقالا: لا مانع عندهم من أن يُقتل قتلة عثمان ولكن ليس بهذه الطريقة لأن كما قلنا لهم قبائل تدافع عنهم وأن الذين شاركوا هم سبعة أو ثمانية والذين حاصروا بيت عثمان ألفان أو ستة آلاف فلذلك كان الأمر عند علي رضي الله عنه هو أن تستقر الأمور وتهدأ ثم يأتي أولياء الدم (أي أبناء عثمان رضي الله عنه) فيقولون أن فلان شارك بقتل عثمان ويأتون بالشهود ويؤتى به فإذا أقر أو شهد الشهود فانتهى الأمر، ولكن قتلة عثمان ما وهلوهم فقسموا أنفسهم قسمين قسم وهاجموا جيش علي وقالوا يا قتلة عثمان ومجموعة هاجمت جيش عائشة وطلحة وزبير وقالوا يا كفرة يا فجرة فظنوا أن الخيانة من جيش علي كما ظن جيش علي الخيانة من جيش عائشة وطلحة وزبير وما صار الفجر إلا وكان القتال قد اهتدم وكان علي وطلحة يحاولان يمنعا الناس من القتال وكان طلحة بن الزبير كان يقول: يا ناس أتسمعون أتنصتون فكانوا لا يردون عليه فكان يقول: والله كأنكم ذبان طمع (أي كالذباب الذي وجد شيئاً دسماً فلا يستطيع أحد أن يرده)، فكان وقعة الجمل.
(7) بيعة علي رضي الله عنه:
التحكيم في صفين أو بعد صفين مباشرة لما صار القتال بين علي ومعاوية. فالتحكيم الذي شُهر عند الناس أن التحكيم كان أبو موسى الأشعري طرفاً عن علي رضي الله عنه وعمرو بن العاص طرفاً عن معاوية واتفقا على عزل علي وعزل معاوية ثم بعد ذلك النظر في أمر الخلافة من جديد. فقام أبو موسى الأشعري وقال: إني أعزل علياً من الخلافة كما أنزع خاتمي هذا من يدي، وأعزل معاوية كذلك كما أنزع خاتمي هذا من يدي فقام عمرو بن العاص فقال: أما أنا فأعزل علياً كما أنزع خاتمي هذا من يدي مع أبو موسى وأثبت معاوية كما أثبت خاتمي هذا في يدي فالتفت أبو موسى الأشعري وقال: لقد خدعتني فقال: ما خدعتك ثم رجع أبو موسى الأشعري ولم يرجع إلى علي للكوفة ولكن ذهب إلى مكة يقولون لم يستطع أن يواجه علياً لأنه غُدر به وضُحك عليه، وهذا باطل.
أولاً: أبو موسى الأشعري هو الذي أرسل إليه عمر بن الخطاب رسالة القضاء فكان قاضياً في عهد عمر وأبي بكر فهو ليس بالسذاجة حتى يُضحك عليه.
ثانياً: ثم أن هذه القصة مكذوبة من رواية أبي مخنف الكذاب.
فالقصة الصحيحة التي أخرجها الإمام البخاري أن أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص اجتمعا فقالا عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري ماذا ترى؟ فقال أبو موسى الأشعري: أرى أن علياً من الذين مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض، فقال عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري: أين تضعني أنا ومعاوية إذا كان هذا موقفك من علي؟ قال: إن يستعن بكما ففيكما معونة وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكم، (أي ليس بالضرورة أن يكون لكما شأن في البيعة أو غيره)، وهذا هو الإسناد الصحيح في هذه المسألة. ثم كذلك يقال كيف يصح أن يجتمع اثنان فيعزلان خليفة المسلمين؟ الخلافة في الإسلام ليست بهذه السهولة بحيث يجتمع شخصان فيقول الأول للآخر أنه عزل خليفة وثبّت آخر.
ثالثاً: ثم معاوية ما كان يقول أنه خليفة حتى يعرض في خلافة علي ولكن معاوية كان يرى أن يؤجل أمر الخلافة حتى تنتهي قضية قتلة عثمان ثم يُنظر بعد ذلك في أمر الخلافة.
(8) مقتل الحسين رضي الله عنه:
إن قتل الحسين رضي الله عنه شهيداً لاشك إنها من الجرائم العظام والذين قتلوا الحسين رضي الله عنه لاشك أنهم فسقة فجرة ولكن الكلام في يزيد هل له دخل في مقتل الحسين رضي الله عنه؟ يزيد ليس له شأن في مقتل الحسين فهو لم يشارك ولم يأمر بقتله ولكن الذي نقمه أهل العلم عليه هو أنه لم يعاقب عبيد الله بن زياد عندما أمر بقتل الحسين. وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: أنه لم يكن ليزيد دور في مقتل الحسين لا مشاركة ولا أمراً.
إذا أراد المسلم أن يقرأ في تاريخ هذه الأمة فلا يجوز له أن يذهب إلى من يجمع الغث والسمين ومن لا يتحرى الحق فيقرأ له ثم يصدقه كما وقع لطه حسين مثلاً أو خالد محمد خالد أو عباس العقاد أو جورج زيدان أو غيرهم ممن كتب في الخلافة الإسلامية وأساء أكثر مما أحسن، فهؤلاء لا يجوز الاعتماد على كتاباتهم، فطه حسين لما كتب شكك حتى في القرآن الكريم لما قال: للقرآن أن يحدثنا عن قصة إبراهيم وبناء البيت ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الأمر قد وقع وهذا الذي استتابه علماء الأزهر في وقته على مثل هذا الكلام الخطير في تكذيبه للقرآن الكريم. والعجيب في طه حسين كما نبه أهل العلم يقول أنت من أهل الأدب فما شأنك والتاريخ. فلذلك قال حافظ بن الحجر: من تكلم ما لا يعلم أتى بالعجائب. فطه حسين انتهج منهجاً وهو منهج الشك في كل شيء إنه لا يقبل أي شيء حتى يعرضه على طاولة البحث ثم يتأكد من صحته والعجيب منه أنه يأتي بالراوية الصحيحة من صحيح بخاري ثم يقول أنا أشك فيها بدليل ما رواه أبو فرج الأصفهاني في الأغاني، يرد ما في صحيح البخاري بروايات متهماً في دينه وهو الأصفهاني في الأغاني هذا لاشك أنه ضلال عظيم ومنهج غير سوي أبداً في رد وقبول الروايات. وأما العقاد وخالد محمد خالد فشأنهما غير شأن طه حسين فهما ومن شابهما ليسا من علماء الحديث وإنما قصصيون يكتبون قصصاً بأسلوب لعله جميل ولكن لا يستطيعون أن يميزوا بين الصحيح والضعيف فتجد الرواية الضعيفة تخالف الرواية الصحيحة بل قد تُترك الرواية الصحيحة وتُذكر الضعيفة كما في العبقريات وكما في خلفاء الرسول لخالد محمد خالد، أما جورج زيدان فهذا شأن آخر فهو نصراني يلبّس على الناس دينهم، كما ورد في كتاب التمدّن الإسلامي وغيره. وهذه نبذة مختصرة عن أباطيل يجب أن تصحح مفاهيمها في التاريخ، والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبيه محمد وسلم.
السؤال:
الجواب: إن الأصل أن نساء المشركين معهم،
السؤال:
الجواب: نعم، إنه لما جاءوا إلى علي طلبوا منه الخلافة رفض وقال ابحثوا عن غيري أنا لكم وزير خير لكم مني أمير، ولما أصروا عليه قال: لا أبايع سراً لا أبايع إلا في المسجد علانية.
السؤال:
الجواب: علي بايع أبو بكر ولم يعتزل الناس فكان يصلي الجماعة ويذهب إلى فاطمة حتى توفيت. فظن الناس أنه لم يبايع وقد ثبت في صحيح البخاري قال أبو بكر: ما منعك أن تبايع؟ فقال: والله ما نفست عليكم شيئاً ولكن خيراً ساقه الله إليك ولكن كنت أظن أن لنا من الأمر شيء، فقال بعض أهل العلم عن قول علي هذا وهو كنت أظن أن لنا من الأمر شيء يريد الخلافة وبعضهم قال: يريد الشورى (أي أنه لم يؤخذ برأيه)، والثاني هو الأظهر بدليل أن علياً كان يصرّح من فضلني على أبي بكر وعمر فلم يكن يرى أنه أفضل من أبي بكر أصلاً، ومما يدل على هذا الأمر أن علياً لم يعارض في خلافة عمر فلو كانت القضية قضية خلافة لعارض في خلافة عمر أيضاً.
السؤال:إن زوجة مالك بن نويرة مشركة هل يجوز أن تكون من الإماء؟
الجواب: الإماء لابد أن تكون مشركة فالمسلمة لا تُسبى.
السؤال: أبي مخنف إذا كان بهذا السوء لماذا يروى عنه؟
الجواب: أبي مخنف ليس براوي حديث ولكن راوي تاريخ، فهو مؤرّخ مكثر (بكسر الثاء) مثل سيف بن عمر، والواقدي، فعندهم ما ليس عند غيرهم لكن هؤلاء كلهم متهمون بالكذب، فأبا مخنف عندما يرون عنه فهو كما قلنا مكثر وما عنده ليس عند غيره ولو لم تُجمع لما عرف الإنسان الحق من الكذب، فلما يروى عن أبي مخنف من باب الجمع، فالإمام الطبري وجد التاريخ ملغم فضمه فبدأ يجمع إلى أن ضمه في كتاب واحد، فعلى القارئ أن ينتبه لذلك ويترك ما هو مشكوك في روايته ويتحقق من ذلك.
السؤال:
الجواب: الذي يبحث في الأسانيد يقرأ في الطبري أما الذي لا يعرف في الأسانيد فعليه قراءة البداية والنهاية فلا يقرأ للطبري.
السؤال: ماذا عن سيرة ابن هشام؟
الجواب: سيرة ابن هشام في السيرة لا تدخل في أحوال الصحابة لكن أيضاً فيها الصحيح والضعيف.
كتبه الشيخ / عثمان الخميس
يعرب