عندمــآآ يتكلــم الصــآآمتــوون !!
لقد زاد معدل آلام البشر الساكتين عن التعبير عن مشاكلهم , فدائما يحدث كبت و انزواء لمن يتألم و لا يعبر عما أصابه , أو يقول لأحد عن مشكلته , انه الصمت المؤلم الذي يصيب البشر الغير قادرين على إبراز مشاكلهم و هناك حالات كثيرة يظهر هذا جليا و واضحا .
هناك حالة من الفقر الذي يلازم الإنسان الشريف فترة طويلة و لا يبوح عن فقره لأحد , لأنه عفيف اليد و اللسان , و كرامته لا تهان و إن نام ( جوعان ) , و هنا السكوت رد فعل للحفاظ على كرامته و لكن هل يظل ساكتا أمام آلام و معاناة عائلته ؟عندما يرى الدموع تنهال من أعين أولاده لعدم مقدرتهم على شراء طعام أو ملبس مثل باقي الأقارب , فهل يظل ساكتا ويتحمل ؟ نعم من الممكن أن يتحمل و لكن قد يمرض الفقير دون داء أو دواء , فالفقر في حد ذاته قد يؤدي إلى المرض إن رافقته الكرامة و العزة بالنفس دون الإفصاح عنها.
هناك أيضا من يسكت و يتألم دون أن يبوح عن مكنون نفسه , مثل من يحب و لا يبوح عن حبه لأحد و قد يكون وصل من الحب أرذله و لكن الخوف من معرفة رأي الأخر قد يؤدي إلى السكوت القاتل و المرض الشديد , عله الإنسان قلبه الطيب و سكوت عقله ولسانه , و لكن دائما تجد من يحب من طرف واحد يعيش في عالم خاص به , وعندما يري من يحبه قد يلملم شتات نفسه و يتجرأ لقول ( أني أحبك ) و لكن حياءه قد يقف فجأة أمام مكنون صدره و عقله , ويعجز اللسان عن النطق , فيمرض الجسد نتيجة للسكوت المفاجئ , يا لها من سكته أصابت البدن و العقل , و قد يعجز الأطباء عن إيجاد الدواء.
و هناك الساكت عن الحق , فهناك من يري المعاصي و الأخطاء ترتكب أمامه و يقف عاجزا عن الكلام , يري الحرام بعينيه فيغلق العقل عما رأي , و يظهر هذا جليا في طبقات كثيرة من المجتمع , انحرف بعضها عن الحق و سكت البعض الأخر عن التكلم , فزاد الفساد و انتشر فكان مقدرا أن تثور الحقيقة و تنتفض , و هذه نهاية طبيعية لكثرة السكوت عن الفساد , فلكم تألم الشرفاء لسكوتهم , و زادت العلل بهم و السبب أمامهم في مصالحهم و أعمالهم وفي حياتهم و أهلهم , و كان لا بد من إسعافهم .
و هناك من يسكت عن حاله و لا يتقدم للأمام و مهما فعلت معه , لا يقدم و لا يؤخر ذلك من حاله شيئا , فقد تعود على حاله هكذا , و إن أعطيته مالا لكي يعمل , يقوم بصرف المال على الطعام و لا يعمل , فهو يريد من يأخذ بيده و لا يتركه و يذهب ,و يرافقه فيكون معه خطوة بخطوة , فهناك من يحب عمل الجماعة و إن أتي بالقليل فهو راض , و إن زاد المال زاد النشاط و الكلام و لم يعد للسكوت في حياته معنى و يصبح مثل البلبل المغرد يتنقل بين الأغصان مغردا.
و هناك من يسكت عن حق الله و لا يؤدي لله حقوقه , و يشعر بالتقصير الشديد , ولكن لأن قلوبهم حجر صوان فمن يرد الله به خيرا جعل الشعور بالتقصير يزداد و كلما ازداد هذا الشعور فيبدأ القلب في اللين حتى يعود لصوابه , فما اشد الم السكوت عن حق الله و تهون كل آلام السكوت أمام سكوت الإنسان عن حق الله.
و هناك من يسكت عن مرضه ولا يتحدث لأحد عما أصابه , بالرغم من قول الله تعالى (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا)17 الفتح لكن هناك كثيرون يعانون من المرض و لا يتكلمون قد يكون مرضا عارضا أو ملازما و لكن هناك ساكتا , لا يتلكم عن مرضه فالبعض لا يحب أن يعلم أحد انه مريض حتى لا ينظرون له نظرة شفقة أو حسرة أو عطفا , و هناك من يسكت عن مرضه مثل أغلب أمهاتنا حتى لا ترى الحزن في أعيننا , فكم هي غالية علينا دمعة طفل على مرض أمه , و هناك من يتكلم عن مرضه ويحدث الجميع به لعله يجد تعاطفا ومحبة افتقدهما فجمعهم المرض.
من أحب السكوت فمن حقه , و قد يكون لسكوته معنى إن تكلم
أيها الساكتون, كثر سكوتكم و زادت أحزانكم فدعوها لله يفرج همكم
منقول