الاعاقة البصرية : إرشاد ذوي الإعاقة البصرية
لا ذوو الإعاقة البصرية فيما بينهم فئة غير متجانسة من الأفراد، فمنهم من يعاني من الفقدان الكلي للبصر ومنهم من يعاني من الفقدان الجزئي أو من بعض المشكلات البصرية الأخرى، كذلك منهم من حدثت إعاقته مع الميلاد أو في مرحلة مبكرة جداً من عمره، ومنهم من حدثت إعاقته في مرحلة متأخرة من العمر، وقد أدى عدم التجانس هذا إلى تنوع الأساليب والأدوات التي تستخدم في تربية وتعليم وتأهيل هذه الفئة، ومن هنا تعددت المفاهيم التي تناولت الإعاقة البصرية فنجد أن هناك أكثر من منظور يتم من خلاله تناول مفهوم الإعاقة البصرية
فالإعاقة البصرية من المنظور الطبي تعرف بأنها " فقد الرؤية بالجهاز المخصص لهذا الغرض ـ وهو العين ـ وهذا الجهاز يعجز عن أداء وظيفته إذا أصابه خلل وهو إما خلل طارئ كالإصابة في الحوادث، أو خلل خلقي يولد به الشخص".
أما المنظور القانوني للإعاقة البصرية فهو ما سبق أن أقرته المؤسسة الأمريكية للعميان في تعريفها للشخص الكفيف بأنه " هو من تصل حدة إبصاره إلى 20/200 أو أقل في العين الأفضل بعد التصحيح المناسب أو تحديد في مجال الرؤية بحيث يكون أوسع قطر في مجال الرؤية يمتد إلى مسافة زاوية لا تزيد عن 20 درجة ".
ويميز التربويون عادة بين فئات مختلفة من المعوقين بصرياً تبعاً لدرجة الإعاقة وما تستلزمه من إتباع طرق ومواد تعليمية معينة، ومن بين هذه الفئات ما تضمنه التصنيف التالي:
أ) المكفوفون Blind:
وتشمل هذه الفئة المكفوفين كلياً ممن يعيشون في ظلمة تامة ولا يرون شيئاً، والأشخاص الذين يرون الضوء فقط، والذين يرون الضوء ويمكنهم تحديد مسقطه، والأشخاص الذين يرون الأشياء دون تمييز كامل لها، وأولئك الذين يستطيعون عد أصابع اليد إلى تقريبها عند أعينهم وهؤلاء الأشخاص جميعاً يعتمدون على طريقة برايل كوسيلة للقراءة والكتابة.
ب) المكفوفون وظيفياً :Functionally Blind
وهم الأشخاص الذين توجد لديهم بقايا بصرية يمكنهم الاستفادة منها في مهارات التوجه والحركة ولكنها لا تفي بمتطلبات تعليمهم القراءة والكتابة بالخط العادي، فتظل طريقة برايل هي وسيلتهم الرئيسية في تعلم القراءة والكتابة.
ج) ضعاف البصر Low Vision Individuals:
وهم من يتمكنون من القراءة والكتابة بالخط العادي سواء عن طريق استخدام المعينات البصرية، كالمكبرات والنظارات أو بدونها.
خصائص المعوقين بصرياً:
الخصائص الحركية:
إن الطفل ذو الإعاقة البصرية عندما ينتقل من مكان إلى مكان آخر يستخدم جميع حواسه فيما عدا حاسة البصر،فهو يستخدم حاسة الشم في تمييز الروائح المختلفة التي تصادفه ويتحسس الأرض بقدميه أثناء سيره ليتعرف على طبيعتها ويستخدم حاسة السمع في تمييز الأصوات التي يتعرض لها، ويقدر الزمن الذي استغرقه في المسافات التي يقطعها، ويقوم بربط جميع هذه العناصر ببعضها حتى يحصل على الصورة الذهنية للمكان الذي يتحرك فيه، ولا شك أن ذلك يستنفذ منه طاقة نفسية كبيرة.
ولذا فمن الطبيعي أن تزداد المشكلات الحركية والقصور الحركي لدى المعاق بصرياً كلما اتسع نطاق بيئته أو كلما ازدادت تعقيداً لأن هذا سيفرض عليه التفاعل مع مكونات وعناصر متداخلة قد يصعب عليه إدراكها في غياب حاسة البصر.وهكذا تعتبر الحركة من العوامل المؤثرة في شخصية ذي الإعاقة البصرية حيث يعجز عن الحركة بنفس السهولة والمهارة التي يتحرك بها المبصر إذا ما أراد توسيع دائرة محيطه، الذي يعيش فيه ولذا فإن حركته تتسم بالكثير من الحذر والحيطة حتى لا يصطدم بعقبات نتيجة تعثره في شيء ما أمامه وهذا يؤكد حاجته إلى الرعاية والمساعدة خارج المنزل الذي يألفه مما يجعله أكثر تقبلاً للمساعدة من الآخرين حتى ولو كان قادراً على الاستغناء عنها ومثل هذه المواقف تؤثر كثيراً في شخصيته وفي علاقاته الاجتماعية مع من حوله.
الخصائص اللغوية:
إن التطور اللغوي المبكر للطفل ذي الإعاقة البصرية لا يختلف بشكل كبير عن تطور الطفل المبصر برغم أن إحداث الصوت والمناغاة غالباً ما تقل لديه، فعدم القدرة على استكشاف البيئة والتمكن منها، والحاجة للقيام ببحث لمسي عن الأشياء الجديدة عادة ما يؤخر اكتساب الكلمات، هذا إلى جانب أن مرحلة ترديد المقاطع الأخيرة من الكلمات قد تطول، وقد يردد الطفل جملاً بدون أن يفهم معناها، كما يتأخر استخدام لفظ "أنا" لأن الطفل يستغرق وقتاً أطول لكي يصبح مدركاً لنفسه كشخص وبعد ذلك قد تصبح المهارات اللغوية معقدة مثل مهارات المبصرين إلا أن مفاهيم اللون والعرض والعمق والسرعة.. الخ، قد تظل تمثل صعوبة لفترة طويلة جداً من الوقت.
ونتيجة لاعتماد الشخص ذي الإعاقة البصرية على الإشارات السمعية فقط في إدراكه للكلام الشفهي فإنه يصبح حساساً للفروق الدقيقة في تلحين الصوت وطبقة وعلو الصوت، وسرعة الكلام أكثر من الآخرين، وهو يعتمد على هذه الإشارات السمعية للإشارة إلى التوتر أو الاسترخاء، والنية الحسنة، وعدم الرضا، الموافقة أو الرفض وهذه الإثارات السمعية بالإضافة إلى الاتصالات البدنية مثل الربت على الظهر أو لمس اليد، لها أهمية كبيرة للمعاقين بصرياً بسبب اعتمادهم الأكبر على الإشارات السمعية والجلدية من أجل الحصول على المعلومات.
الخصائص الاجتماعية:
إن الإعاقة البصرية تؤثر في السلوك الاجتماعي للفرد تأثيراً سلبياً حيث ينشأ نتيجة لها الكثير من الصعوبات في عمليات النمو والتفاعل الاجتماعي، وفي اكتساب المهارات الاجتماعية اللازمة لتحقيق الاستقلالية والشعور بالاكتفاء الذاتي، وذلك نظراً لعجز ذوى الإعاقة البصرية أو محدودية مقدرتهم الحركية وعدم استطاعتهم ملاحظة سلوك الآخرين ونشاطاتهم اليومية وتعبيراتهم الوجهية كالبشاشة والعبوس والرضا والغضب وغيرها مما يعرف بلغة الجسم، وتقليد هذه السلوكيات أو محاكاتها بصرياً والتعلم منها؛ فغياب حاسة البصر من الأسباب التي تؤدي إلى صعوبة نسبية في الاتصال بالآخرين. فذي الإعاقة البصرية لا يستطيع الاتجاه بنظراته إلى محدثه، وبدلاً من الإبقاء على الاتصال البصري مثلما يفعل المبصر عادة أثناء التحدث، فإن ذو الإعاقة البصرية قد يدير أذنه تجاه المتحدث حتى يسمع بشكل أفضل وبذلك يبعد وجهه عن المتحدث، وإبعاد الوجه أو العينين بعيداً عن المتحدث قد يعني عدم الاهتمام أو التهرب مع أن الشخص ذا الإعاقة البصرية قد يتصرف على هذا النحو بقصد زيادة فاعلية الاستماع لديه.
ومن أوضح المشكلات الاجتماعية الناجمة عن الحركة والخبرات المحدودة للأطفال ذوي الإعاقة البصرية هي حالة السلبية والاعتمادية وقلة الحيلة وما ينجم عنها من مشكلات عديدة، فالطفل ذو الإعاقة البصرية يحتاج إلى مساعدة الوالدين أكثر من الأطفال المبصرين، وهذا يصاحبه عدم تلبيته لكثير من حاجاته مما قد يجعله يشعر أن الآخرين يهتمون به وهذا يؤثر بشكل أو بآخر على علاقة الطفل بوالديه، هذا وقد يتولد لديه إحساس عام بأنه غير قادر على التحكم في بيئته وهذا الشعور قد يدفع بالطفل إلى الاهتمام بنفسه أكثر من اهتمامه بالمحيط الخارجي أثناء نشاطاته المختلفة وقد يولد لديه شعوراً بعدم الأمن مما قد يحد من محاولاته لاكتشاف بيئته وهذا يؤثر على النمو الاجتماعي للطفل ذي الإعاقة البصرية.
الخصائص الانفعالية:
تؤدي الإعاقة البصرية إلى تأثيرات سلبية على مفهوم الفرد عن ذاته وعلى صحته النفسية وربما أدت به إلى سوء التوافق الشخصي والاجتماعي، والاضطراب النفسي نتيجة الشعور بالعجز والدونية والإحباط، وفقدان الشعور بالطمأنينة والأمن ونتيجة لآثار الاتجاهات الاجتماعية السالبة، كالإشفاق والحماية الزائدة والتجاهل والإهمال مما يسهم في تضخيم شعورهم بالعجز والقصور والاختلاف عن الآخرين.
إن ذا الإعاقة البصرية يحيا حياة يفرض عجزه فيها عالماً ضيقاً محدوداً، يود لو استطاع الإفلات منه والخروج إلى عالم المبصرين وهو أمام حاجات نفسية لا يستطيع إشباعها، وأمام اتجاهات اجتماعية تحاول عزله عن مجتمع المبصرين وتقف حائلاً دون تحقيق رغبته في الاندماج في عالم المبصرين فهو أمام مواقف يواجه فيها أنواعاً من الصراع والقلق، حيث يواجه العديد من المواقف التي يشعر فيها بالقلق فهو يخشى أن يُرفض ممن حوله بسبب عجزه ويخشى أن تستهجن تصرفاته وهو في خشية دائمة من أن يفقد حب الآخرين الذين يعتمد أمنه على وجودهم واستمرار حبهم له، ويخشى كذلك أن تقع له حوادث لا يمكنه أن يتعداها لأنه معلق بصرياً .
إن الكفيف يحيا حياة يفرض عليه عجزه فيها عالما ضيقا محدودا يود لو استطاع الإفلات منه والخروج إلى عالم المبصرين، وكذلك أمام حاجات نفسية لا يستطيع إشباعها وأمام اتجاهات اجتماعية تحاول عزله عن مجتمع المبصرين وتقف دون تحقيق رغبته في الاندماج في عالم المبصرين، وهو أيضا أمام مواقف يواجه فيها أنواعا من الصراع والقلق حيث ينتاب الكفيف العديد من المواقف التي يشعر فيها بالقلق فهو يخشى أن يرفض ممن حوله بسبب عجزه ويخشى أن تستهجن تصرفاته.
إن أحد مصادر سوء التكيف والاضطراب الانفعالي التي يعاني منها الأطفال المكفوفون أنهم كثيرا ما يواجهون مواقف سيكولوجية جديدة تفرض عليهم مطالب أكثر حدة من غيرهم ففي كل مرة يخرج فيها الطفل الكفيف من منزله إلى مكان مألوف لديه يواجه موقفا سيكولوجيا جديدا، وذلك نتيجة خشية أن تكون هناك بعض العوائق في أماكن غير متوقعة، وفي هذه الحالة يواجه الطفل مواقف الإحباط والفشل نتيجة المواقف السيكولوجية الجديدة ولذلك فهو في حاجة إلى طلب المساعدة من الآخرين. فيعتاد الكفيف قبول المساعدة من الآخرين حتى ولو كان قادرا عن الاستغناء عنها ويصبح بذلك أميل إلى الاعتماد على الآخرين في قضاء حاجاته . ومثل هذا الموقف يؤثر تأثيرا كبيرا على علاقاته الاجتماعية مع الأفراد المحيطين به وهناك العديد من الاقتراحات التي أوضحها عبد الرحمن سليمان وشيخة الدربستي (1996) يمكن أن يستعين بها الإخصائيون النفسيون الذين يعملون مع طلاب معوقين بصريا، وهذه الاقتراحات تتضمن ما يلي:
(1) ربما يضطر الطلاب المعاقون بصريا إلى الاعتماد على الآخرين لكي يصلوا إلى مكتب الإخصائي النفسي. وعلى هذا يحب أن يكون الإخصائي النفسي محددا وواضحا في إعطاء مواعيده، ومستعدا لاستقبال الطالب في الوقت الذي حدده.
(2) لو أن الطالب كان كفيفا كليا، فيتعين على الإخصائي النفسي أن يعاونه بتوجيهه، أثناء وجوده في مكتب الإرشاد، وأن يعطيه بعض المعلومات عن تخطيط وتنظيم المكتب فيشير مثلا إلى حجمه، وموضع وجود الأثاث وغيرها.
(3) يتعين على الإخصائي النفسي أن يتجنب القيام بسلوكيات مشتتة مثل تنظيم الأوراق، أو الطرق بالقلم الرصاص على المكتب، فهذه الضوضاء قد تفهم على أنها تعبير عن اللاانتباه أو نفاذ الصبر من جانب الإخصائي النفسي.
(4) يتعين على الإخصائي النفسي أن يستخدم الصوت عوضا عن تعبيرات الوجه كي يوضح للطالب مهارات الانتباه المناسبة، كما أن الملاحظات المختصرة والأصوات العالية مفيدة للغاية وبدائل نافعة تحل محل الاتصال البصري أو الابتسامات في نقل الانتباه والاهتمام.
(5) إن المكفوفين لا يستخدمون تعبيرات الوجه العادية لتوصيل انفعالاتهم إلى الآخرين، ومن هنا يتعين على الإخصائي النفسي أن يكون حريصا ألا يفسر (الوجوه الصامتة) للمكفوفين على أنها تعبير عن السأم أو التبرم أو تعبير عن نقص الانفعال ولكن يتعين عليه بدلا من ذلك أن يلاحظ الإشارات والعلامات الأخرى مثل الحركة الصادرة عن الأصابع، وموضع الأصابع والأيدي كوسائل لتقدير الحالة المزاجية .
(6) عندما تكون عملية الإرشاد النفسي للطلاب والطلاب المعوقين بصريا في شكل مجموعات إرشادية، يجب على الإخصائي النفسي أن يبني الموقف الإرشادي بحيث يتجنب فترات الصمت الطويلة، أو يسمح بحديث يدور بين شخصين في نفس الوقت.
المصدر
استراتيجية عمل الاخصائي النفسي بمدارس العاديين وذوي الاحتياجات الخاصة
دكتور إيهـــاب الببـــــلاوى
دكتور أشرف محمد عبد الحميد