فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان
إنها مثالا من تاريخ نساء العروبة والإسلام ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصب عينيها لتكون من الخالدات إن شاء الله
كان لأبيها - يوم تزوجت - السلطان الأعظم على الشام والعراق والحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقا وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غربا .
ولم تكن فاطمة هذه بنت الخليفة الأعظم وحسب بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاء الإسلام وهم : الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك
وكانت فيما بين ذلك زوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز
وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة وزوجة خليفة وأخت أربعة من الخلفاء خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات ويقال : إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين اشتهرا في التاريخ وتغنى بهما الشعراء وكانا وحدهما يساويان كنزا .
ومن فضول القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد وكانت وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر .
لكن انظروا لكيف حياتها الجديده .... مع زوجها الذى تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم ..
ورضيت بذلك زوجة الخيلفة التي كانت بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء فكانت مغتبطة بذلك لأنها تذوقت لذة القناعة وتمتعت بحلاوة الاعتدال فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف .
بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنقها وشعرها ومعصميها مما لا يسمن ولا يغني من جوع ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله فاستجابت له واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآلىء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين .
وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئا فجاءها أمين بيت المال وقال لها : إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي وإني اعتبرتها أمانة لك وحفظتها لهذا اليوم وقد جئت أستأذنك في إحضارها . فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة لأمير المؤمنين ثم قالت : [ وما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا . ) وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة في الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات وبذلك كتب الله لها الخلود وها نحن نتحدث عن شرف معدنها ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور رحمها الله وأعلى مقامهما في جنات النعيم
حقا :: إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء ,, وكل عيش مهما خشن أو نعم إذا اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه والسعادة هي الرضا ,, والحر هو الذي يتحرر من كل ما يستطيع الاستغناء عنه ,, وذلك هو الغنى بالمعنى الإسلامي والمعنى الإنساني جعلنا الله من أهله
كما أن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها من حيث يتمتع بالعافية المعتدلون ,, وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية من أهل الفاقة والمعدمين
زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع الاعتياد مألوفة ومملولة .. والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصطدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم ما وراء ذلك فلا يجدونه
بينما المعتدلون يعلمون أن في متناول أيديهم وراء الذي هم فيه وأنهم يجدونه متى شاؤوا ,, غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات ليكونوا أرفع منها وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها
المصدر : كتاب آداب الزفاف للشيخ الألباني