عمر سليمان في إسرائيل للوصول إلى تهدئه
[YOUTUBE]Wukjf369uxY&feature=player_embedded[/YOUTUBE]
ما بين عودته من موسكو إلى منتصف الثمانينات، شغل سليمان عدة مناصب، منها قائد لواء، وقائد فرقة، ورئيس فرع التخطيط العام في هيئة القوات المسلحة، ورئيس أركان منطقة، وقد أثبت في كل المناصب التي تولاها تفوقه كخبير استراتيجي عسكري، خاصة أنه دعم دراسته وثقافته العسكرية بحصوله على درجتي البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية من جامعتي عين شمس والقاهرة.
حملته هذه الخبرات إلى أن يكون نائبًا لمدير المخابرات الحربية، ثم مديرًا لها، وفي عام 1991 يصبح عمر سليمان رئيسًا لجهاز المخابرات العامة المصرية (وإن كانت بعض المصادر تشير إلى أنه تولى مسؤولية الجهاز في عام 1991)، ليصبح بذلك الرجل على رأس واحد من أقوى أجهزة المخابرات في العالم، فطبقًا للتصنيفات العالمية، فإن المخابرات الأميركية تأتى في المرتبة الأولى من حيث الإمكانيات والنجاحات، ثم المخابرات الروسية التي بنيت على بقايا المخابرات السوفييتية السابقة الكي جي بي، ثم المخابرات الفرنسية (دو زييم بيرو)، وبعد ذلك تتنافس كل من المخابرات المصرية والإسرائيلية (الموساد) على المركزين الرابع والخامس، حيث يتبادلان المراكز من فترة لأخرى.
ما يزعج في الأمر بالفعل، أنه لا توجد صحيفة مصرية على الإطلاق أجرت حوارًا مع اللواء عمر سليمان، ولا أقدم صحفي مصري على أن يكتب عنه من تلقاء نفسه، بل كل ما نشر عن عمر سليمان في الصحف المصرية منقول عن الصحف الإسرائيلية أو الأميركية.
وقد يكون منطقيًّا بعد ذلك أن أحدد ملامح صورته ممن كتبوا عنه ونقلنا عنهم.
الصحفية الأميركية ماري ويفر اهتمت بشخصية عمر سليمان، وقضت سنوات طويلة تجمع عنه المعلومات، تقول عنه: "رغم أن اللعبة السياسة لا تجري في دمائه، فإنه يذكرها بالرئيس السادات، فهو طويل ونحيف، له ملامح أهل الصعيد والنوبة كما السادات، بشرته شديدة السمار، وقسمات وجهه لا توحي بالهم كما معظم المصريين، شعره داكن، شبه أصلع ويعوض الصلع شارب رمادي داكن".
لكن الأهم من الملامح الشكلية التي يدركها الجميع الآن بعد أن أصبح نشر صور سليمان أمرًا معتادًا في الصحف، كانت آراؤه السياسية التي كشفت ماري ويفر عن بعضها تقول: "أحيانًا يقف مع المتشددين، وفي أحيان أخرى يكون معتدلاً، اعترض دائمًا على تعذيب الإسلاميين لأنه أدرك أن التعذيب يهزم النفس في النهاية".
الهيرالد تربيون الأميركية أشارت في تقرير مطول لها عن سليمان، بأن نجمه لمع في عام 1995، بعد أن أشار على الرئيس مبارك أن يصحب معه سيارته الليموزين المصفحة ضد الرصاص والقنابل، وهو في طريقه لزيارة العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وكما – تشير الصحيفة – فإن سليمان نفسه كان مع الرئيس مبارك داخل السيارة على الأرجح، عند تعرضها للهجوم بالنيران من مجموعة من الأصوليين المتطرفين، بعد مغادرتها مطار أديس أبابا بقليل، وقد فشلت المحاولة ولكن صدقت نصيحة سليمان لمبارك، وأصبح الرئيس مدركًا بعدها أن أمنه يستقر في أيد أمينة، وأن الرجل موضع ثقة لا حدود لها.
عمر سليمان وحملة ترشيحه للرئاسه
الصحافة الإسرائيلية هي الأكثر اهتمامًا بعمر سليمان، تحديدًا بعد أن أصبح الرجل مسؤولاً عن ملف النزاع العربي الإسرائيلي، وتحديدًا قضية فلسطين وإسرائيل.في ملف خاص نشرته صحيفة ها آرتس الإسرائيلية أشارت إلى أن اللواء عمر سليمان يبدو للوهلة الأولى ضابط مخابرات تقليدي، أصلع الشعر، متوسط الطول، لا يثير الانتباه بصورة خاصة، لكن الذين التقوه يقولون إن المرء يلاحظ عينيه السوداوين ونظرته الثاقبة، وأنه لا يميل إلى الكلام كثيرًا، وعندما يتحدث فصوته هادئ ومنضبط وكلماته متزنة، ويترك انطباعًا قويًّا يملك ما يسميه العرب الوقار أو السمو، ويتمتع بحضور قوى ومصداقية واضحة.
وكما ذهبت الصحيفة الإسرائيلية فإن سليمان يتصرف بطريقة رئاسية، ويعبر عن اعتداد بالنفس، يندر مثيله في أوساط كبار الموظفين في العالم العربي، ويبدو أنه اعتاد على أن يتعامل الناس معه بوقار واحترام، والمحيطون به يعرفون ما يريد وما هي حاجته حتى قبل أن يطلبها، وتقدم له حاجاته في وقتها بالضبط، فالقهوة أو الطعام أو المشروبات غير الكحولية أو السجائر، كلها تصل إلى مكتبه في مواعيد دقيقة، ودون أن يصدر تعليمات أو يطلب، فهذه أمور بديهية كما يراها هو.
ويصف دبلوماسي إسرائيلي سابق كان قد التقى بعمر سليمان في مكتبه بالقاهرة ما رآه، يقول: "مكتبه يتسم بتدين واضح، وبفخامة غير مألوفة، حتى يكاد المرء يظن أنه في قصر ملكي، يجمع بين الفخامة والذوق الرفيع".
لم يكتف الدبلوماسي الإسرائيلي بما قاله، بل نقل لـ"ها آرتس" ما قاله له رجل مخابرات أميركي عن انطباعه عن مكتب عمر سليمان يقول رجل المخابرات: "إنه حتى على مستوى الرؤساء العرب فمكتبه لافت للنظر، ويشير بوضوح إلى مكانته الرفيعة، وإلى الطريقة التي ينظر الناس بها إليه في مصر، وإلى رؤيته شخصيًّا لنفسه، إن مكانته أعلى من مجرد مكانة رئيس جهاز مخابرات، إنها أعلى بكثير".
وتكشف الصحيفة الإسرائيلية عن جانب آخر من شخصية وعمل عمر سليمان، فهو طبقًا لما تراه لا يقتصر عمله على منطقة الشرق الأوسط فقط، لكنه يقيم علاقات وثيقة مع أجهزة مخابرات غربية على رأسها السي آي إيه، وقد وجه لها تحذيرًا بأن بن لادن ينوي توجيه ضربة لم يسبق لها مثيل داخل الأراضي الأميركية.
وهو ما أشار إليه الصحفي الأميركي جوردون توماس، فقد قال إنه وقبل ثمانية أيام من هجمات 11 سبتمبر أخبر عمر سليمان رئيس السي آي إيه في القاهرة أن مصدرًا موثوقًا به أخبره بأن أسامة بن لادن سوف يقوم بتنفيذ عمليات ضد أهداف أميركية.
وقد فسرت الصحيفة الإسرائيلية ذلك بأن تحذير سليمان للمخابرات الأميركية لم يكن مستغربًا، لأن الجناح العسكري لابن لادن يتألف من عناصر تنتمي لتنظيمات مصرية، كانت تسعى للإطاحة بالنظام في مصر، وقد نجح سليمان وجهاز المخابرات العامة في اختراق تلك المنظمات خارج حدود مصر مرارًا.
ولم يكن غريبًا بعد كل ذلك أن تختم ها آرتس ملفها عن عمر سليمان بقول الدبلوماسي الإسرائيلي السابق:"لا أعتقد أن مدير أي جهاز آخر يعرف أدق التفاصيل عن خصمه كما يعرفها هو، كما أن تحليله عن نوايا بن لادن وخططه لا ينبغي التهوين من أهميته أو التشكيك فيه، أضف إلى ذلك تمتعه بحكمة بالغة في حل الأزمات والتعامل مع الفرقاء".
إن اللواء عمر سليمان فيما أعتقد لم يقابل أي صحفي أو إعلامي مصري، اللهم إلا الإعلامية جميلة إسماعيل، ولم يقابلها بوصفها إعلامية مصرية، ولكن بوصفها مراسلة مجلة النيوزويك الأميركية في القاهرة، وهذا قبل أن تصبح لها طبعة عربية تصدر من الكويت ، ويحسب لجميلة إسماعيل الإعلامية، لا السياسية، أنها الوحيدة التي كتبت عن عمر سليمان دون أن تنقل عن الآخرين، لأنها من الأساس كانت تكتب للآخرين.
ولأن المعلومات تأتينا دائمًا من الإعلام الخارجي، فليس أمامنا هنا إلا التحليل.
اللواء عمر سليمان في مباحثان النزاع الفلسطيني
[YOUTUBE]UrRoHtU2Fv4&feature=player_embedded[/YOUTUBE]
إنني أذهب إلى أن سر عمر سليمان يكمن في أنه ليس رجل معلومات فقط، ولكنه رجل قادر على الإمساك بأطراف النبوآت، شيء من هذا فعله مع الرئيس مبارك، وأعتقد أن هذا هو سر حياته الأكبر، الذي دفع به ليس إلى أن يكون صديقًا ومقربًا من الرئيس فقط، ولكن إلى أن يكون رمانة الميزان في النظام المصري، أو يكون بالأدق المايسترو الذي يعزف اللحن الذي يغني عليه الجميع، دون أن يسمح بأي نشاز أو شذوذ.
لقد تولى اللواء عمر سليمان عدة ملفات كان يشرف عليها سياسيون كبار، منها مثلاً ملف القضية الفلسطينية الذي كان يشرف عليه أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس لسنوات طويلة، ومنها كذلك ملفات العلاقات مع أفريقيا، والأوضاع في العراق واليمن وليبيا والسودان.
لقد أصبح الرجل إذن يمسك بخيوط كل الملفات الشائكة مرة واحدة، وقد يكون فوزه بلقب "مطفئ الحرائق" لأنه يدير كل هذه الملفات بهدوء، ودون اللجوء إلى العنف أو الحلول الباترة، إنه يصل إلى عمق القلب دون أن يجرح، أو يجعل خصمه ينزف حتى الموت، يبقى على بعض حياة فيه، لعلَّ وعسى أن يصل إلى ما يريده منه، ولذلك فلا فائدة من التخلُّص منه نهائيًّا.
إن إسرائيل تعرف جيدًا قوة سليمان، لأنه من يدير ملفها مع فلسطين، قريب جدًّا من ملف الفصائل، فالرجل الهادئ الوديع، الذي تشى ملامحه بالطيبة الشديدة، تؤكد مصادر إسرائيلية وفلسطينية معًا إلى أن الوضع يصبح مختلفًا تمامًا في القاعات المغلقة، حيث يظهر الوجه الحقيقي للواء سليمان، فهو يتحدث بطلاقة وبشكل موجز، فهو يعرف كيف يصل إلى النقطة التي يريدها بشكل مباشر وحاسم في الوقت نفسه.
يبقى ملف واحد صنعه المصريون على أعينهم، وهو النظر إلى عمر سليمان على أنه يمكن أن يكون الرئيس القادم لمصر، خاصة أن الرئيس مبارك جعل منه موفده إلى كثير من الدول في الملفات الخاصة والساخنة، بل إن المخابرات الإسرائيلية تحديدًا تتعامل معه على أنه نائب الرئيس المصري بالفعل، وهو ما جعل المخيلة الشعبية المصرية تبدع، وكان نتيجة إبداعها عددًا من السيناريوهات منها:
أولاً: أن عمر سليمان سيعين نائبًا للرئيس مبارك لأنه الأقرب إليه والرجل الذي يحظى بثقته، وبذلك يصبح الرجل الرئيس القادم دون الدخول في حوارات علنية أو سرية عن مرشح الحزب الوطني في الانتخابات الرئاسية القادمة، لأن الرئيس مبارك يكون قد حسم الأمر، كما فعلها معه الرئيس السادات قبل ذلك.
ثانيًا: الدفع باسم عمر سليمان بما له من قامة وقيمة في أمور الرئاسة القادمة من شأنه أن يساهم في انتقال السلطة إلى جمال مبارك دون أن يعترض المصريون على التوريث، فهو سيكون الحل والمحلل السياسي، حيث يتولى الحكم لفترة ثم يأتي جمال مبارك بعد ذلك في انتخابات حرة نزيهة.
ثالثًا: ما قامت به مجموعات مجهولة الهوية من نشر لافتات تحمل صورة عمر سليمان على أنه البديل الحقيقي بعيدًا عن الحزب الوطني، وهو ما تم التعامل معه بقوة وحذر حتى الآن.
النجم الصاعد عمر سليمان
[YOUTUBE]8XmlZczP4xk&feature=player_embedded[/YOUTUBE]
ويبقى كُل ما سبق ؛ هو مجرد سيناريوهات عابره ؛ قد يكون لها أساس، وقد تكون نتاج نوع من العجز الشعبي، الذي لا يعرف بالفعل من سيكون بعد مبارك..!
لكن السؤال: هل يشغل هذا الأمر – الرئاسة وما حولها وما يُعَد لها - اللواء عمر سليمان من قريب أو بعيد..!؟
والإجابةُ عند اللهِ وحده .. وعند الرجل ؛ الذي اختار ألا يتحدث أبدًا عما يُريده .. بل يأتيه دون حتى أن يطلب..!
تحياتي