لا شك أن الناس يتفاوتون في أمنياتهم للحظة الخاتمة وما من شك أن هذا
الاختلاف ما هو إلا انعكاس لأحلام حياتهم كلها فتعالوا بنا نتأمل كيف
تمنى الآخرون خاتمتهم:
لما نزل الموت بالعابد الزاهد عبد الله بن إدريس اشتد عليه الكرب
فلما اخذ يشهق بكت ابنته
فقال : يا بنيتي لا تبكي فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف
ختمه .. كلها لأجل هذا المصرع ..
وها هو هارون الرشيد لما حضرته الوفاة وعاين السكرات صاح بقواده
وحجابه :
اجمعوا جيوشي فجاءوا بهم بسيوفهم ودروعهم لا يكاد يحصي عددهم إلا الله
كلهم تحت قيادته وأمره فلما رآهم .. بكى ثم
قال :
يا من لا يزول ملكه .. ارحم من قد زال ملكه..ثم لم يزل يبكي حتى مات
أما عبد الملك بن مروان فإنه لما نزل به الموت جعل يغشاه الكرب
ويضيق عليه النفس فأمر بنوافذ غرفته ففتحت فالتفت فرأى غسالاً فقيراً
في دكانه .. فبكى عبد الملك ثم قال : يا ليتني كنت غسالاً .. يا ليتني
كنت نجاراً.. يا ليتني كنت حمالاً.. يا ليتني لم ألِ من أمر المؤمنين شيئاً.. ثم
مات ..
وهذا مشهد من عصرنا الحديث
شاب أمريكي من أصل أسباني ، دخل على إخواننا المسلمين في إحدى
مساجد نيويورك في مدينة 'بروكلين' بعد صلاة الفجر وقال لهم أريد أن
أدخل في الإسلام.
قالوا : من أنت ؟
قال دلوني ولا تسألوني.
فاغتسل ونطق بالشهادة، وعلموه الصلاة فصلى بخشوع نادر تعجب منه رواد المسجد جميعاً.
وفى اليوم الثالث خلى به أحد الإخوة المصلين واستخرج منه الكلام
وقال له: يا أخي بالله عليك ما حكايتك ؟
قال: والله لقد نشأت نصرانياً وقد تعلق قلبي بالمسيح عليه السلام
ولكنني نظرت في أحوال الناس فرأيت الناس قد انصرفوا عن أخلاق المسيح
تماماً فبحثت عن الأديان وقرأت عنها فشرح الله صدري للإسلام ، وقبل
الليلة التي دخلت عليكم فيها نمت بعد تفكير عميق وتأمل في البحث عن
الحق فجاءني المسيح عليه السلام في الرؤيا وأنا نائم وأشار لي بسبابته
هكذا كأنه يوجهني، وقال لي: كن محمدياً .
يقول : فخرجت أبحث عن مسجد فأرشدني الله إلى هذا المسجد فدخلت
عليكم.
بعد هذا الحديث القصير أَذَّنَ المؤذن لصلاة العشاء ودخل هذا الشاب
الصلاة مع المصلين ، وسجد في الركعة الأولى ، وقام الإمام بعدها ولم
يقم أخونا المبارك بل ظل ساجداً لله فحركه من بجواره فسقط فوجدوا روحه
قد فاضت إلى الله جل وعلا .
أخي في الله تأمل طويلا في هذه الخاتمة:
وهذا زوج نجاه الله من الغرق في حادث الباخرة ' سالم اكسبريس ' يحكي
قصة زوجته التي غرقت في طريق العودة من رحلة الحج يقول: ' صرخ الجميع
إن الباخرة تغرق وصرخت فيها هيا اخرجي.
فقالت: والله لن أخرج حتى ألبس حجابي كله
فقال: هذا وقت حجاب !!! اخرجي!! فإننا سنهلك !!!.
قالت : والله لن أخرج إلا وقد ارتديت حجابي بكامله فإن مت ألقى الله
على طاعة فلبست ثيابها وخرجت مع زوجها
فلما تحقق الجميع من الغرق تعلقت به وقالت استحلفك بالله هل أنت راضٍ
عنى ؟
فبكى الزوج.
قالت هل أنت راضٍ عنى ؟
فبكى.
قالت أريد أن أسمعها.
قال والله إني راضٍ عنك.
فبكت المرأة الشابة وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمداً رسول الله، وظلت تردد الشهادة حتى غرقت
فبكى الزوج وهو يقول: أرجو من الله أن يجمعنا بها في الآخرة في جنات النعيم.
وهذه أيضا....
وها هو رجل عاش أربعين سنة يؤذن للصلاة لا يبتغى إلا وجه الله ، وقبل
الموت مرض مرضاً شديداً فأقعده في الفراش ، وأفقده النطق فعجز عن
الذهاب إلى المسجد ، فلما اشتد عليه المرض بكى ورأى المحيطون به على
وجهه أمارات الضيق وكأنه يخاطب نفسه قائلاً يا رب أؤذن لك أربعين سنة
وأنت تعلم أني ما ابتغيت الأجر إلا منك، وأحرم من الأذان في آخر لحظات
حياتي. ثم تتغير ملامح هذا الوجه إلى البشر والسرور ويقسم أبناؤه أنه
لما حان وقت الآذان وقف على فراشه واتجه للقبلة ورفع الآذان في غرفته
وما إن وصل إلى آخر كلمات الآذان لا إله إلا الله خر ساقطاً على
الفراش فأسرع إليه بنوه فوجدوا روحه قد فاضت إلى مولاها .
وهذه أيضا....ختامها مسك:
شيخنا المبارك عبد الحميد كشك رحمه الله يقبض في يومٍ أحبه من كل
قلبه في يوم الجمعة يغتسل ، ويلبس ثوبه الأبيض ، ويضع الطيب على بدنه
وثوبه ويصلى ركعتي الوضوء ، وفى الركعة الثانية وهو راكع يخر ساقطاً
فيسرع إليه أهله وأولاده ، فوجدوا أن روحه قد فاضت إلى الله جل في
علاه.
لقد أجرى الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث
عليه.
منقوووووووووول