أقوال الائمة والدعاة فيمن حكم بغير شرع الله
بسم الله وكفى :
الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه وسلم وبعد :
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.
قال عز وجل :
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. ( المائدة 50)
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل}. ( النساء 58) .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً(النساء : 60)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً (النساء : 61 )
{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْط}. ( المائد42) .
{إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}. ( الأنعام 57) .
{أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}. ( الأنعام 63) .
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَاب} . ( الأنعام 114) .
{إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}. ( يوسف40 ) .
{إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ} . ( يوسف67) .
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ}. ( الرعد37) .
{وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَاب}. ( الرعد41) .
{وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}. ( الكهف 26) .
{وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون}. ( القصص 70) .
وقال : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ}. ( المائدة44) .
وقال : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُون}.َ( المائدة 45) .
وقال : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}. ( المائدة47) .
============
ما هو حكم من حكم غير شرع الله ؟ :
يدعي مرجئة العصر أن تحكيم غير شرع الله ليس كفرا اكبر مخرج من الملة بل هو كفر دون كفر أي معصية لا تخرج صاحبها من الملة وقد زل بعض المتأخرة في هذا الخطأ المخالف لاجماع المسلمين
لكن ماذا يقول أئمة المسلمين؟ :
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : ( أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) فدل ذلك على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنّة ولا يرجع إليهما فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر).(تفسير ابن كثير : 1/519 ) .
قال ابن كثير رحمه الله في كلامه عن الياسق (قوانين التتار التي اختلط فيها ما يوافق الشرع وما يخالفه) :
( فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين …) [ البداية والنهاية 13 / 119]
ويؤكد هذا الإجماع إجماع آخر نقله ابن عبد البر رحمه الله أيضا عن إمام السنة إسحاق بن راهويه رحمه الله قال فيه :
( وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا أنزله الله أو قتل نبيا من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر ) ا.هـ [ التمهيد لابن عبد البر ج: 4 ص: 226 ]
يقول الامام الجصاص رحمه الله في قوله تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما (النساء:65)
( في هذه الآية دلالة على أن من يرد شيئاً من أوامر الله أو أوامر رسوله ? أنه خارج عن دائرة الإسلام سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة " ترك القبول والامتناع عن التسليم" )أ.هـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين ، وإن تكلمت بالشهادتين. فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا … وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة …)
قال الشيخ محمد بن إبراهيم في رسالة تحكيم القوانين : ( وتأمل ما في الآية كيف ذكر النكرة وهي قوله (شيء) في سياق الشرط وهو قوله جلَّ شأنه { فإن تنازعتم } المفيد للعموم ثم تأمل كيف جعل ذلك شرطاً في حصول الإيمان بالله واليوم الآخر بقوله: { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}). ( رسالة تحكيم القوانين ص: 6-7 ) .
قال ا بن القيم في أعلام الموقِّعين (1/85): ( ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكّم الطاغوت وتحاكم إليه , والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع , فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة له ) .
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله النجدي في تيسير العزيز الحميد(ص554) : ( فمن شهد أن لا إله إلا الله ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول في موارد النزاع فقد كذب في شهادته ) .
ويقول الإمام ابن كثير في تفسيره (1/521) : ( يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد إليه ظاهراً و باطناً ) .
وقال الإمام ابن القيم : ( أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يُحكِّموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الدقيق والجليل ولم يكتف في إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق عن قضائه وحكمه ولم يكتف منهم أيضاً بذلك حتى يسلِّموا تسليماً وينقادوا انقياداً ).( إعلام الموقعين 1/86 ) .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم : ( فتأمل هذه الآية الكريمة وكيف دلَّت على أن قسمة الحكم ثنائية وأنه ليس بعد حكم الله تعالى إلا حكم الجاهلية الموضح أن القانونيين في زمرة أهل الجاهلية شاءوا أم أبوا بل هم أسوأ منهم حالاً وأكذب منهم مقالاً , ذلك أن أهل الجاهلية لا تناقض لديهم حول هذا الصدد وأما القانونيين فمتناقضون حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول ( ويناقضون ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا وقد قال تعالى في أمثال هؤلاء { أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً } ) . ( رسالة تحكيم القوانين ص: 11-12 ) .
ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية من تفسيره (2/68) : (فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في كثير ولا قليل ) .
فتح المجيد (ص79 ) : ( فظهر بهذا أن الآية دلت على أن من أطاع غير الله ورسوله وأعرض عن الأخذ بالكتاب والسنة في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحله الله وأطاعه في معصية الله واتبعه في ما لم يأذن به الله فقد اتخذه رباً ومعبوداً وجعله لله شريكاً ) .
الشيخ الشنقيطي في أضواء ال بيان (4/91) عن د حديثه عن قول ه تعالى : { ولا يشرك في حكمه أحداً } : " ويفهم من هذه الآيات كقوله {ولا يشرك في حكمه أحداً } أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرع الله أنهم مشركون بالله ) .
ابن كثير في البداية والنهاية (13/128) بعد أن نقل عن الجويني نتفاً من الياسق أو الياسا التي كان يتحاكم إليها التتار : ( فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر , فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ) .
شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض كما قال تعالى { إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً} . ( مجموع الفتاوى 28/524 ) .
وقال أيضاً في مجموع الفتاوى (3/267) : ( والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال -المجم ع عليه - أو بد ل الشرع - المجمع عليه - كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء ) .
قال عبد القادر عودة رحمه الله: ( ولا خلاف بينهم ( أي الأئمة المجتهدين ) قولاً واعتقاداً في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , وأن إباحة المجمع على تحريمه كالزنا والسكر واستباحة إبطال الحدود وتعطيل أحكام الإسلام وشرع ما لم يأذن به الله إنما هو كفر وردة وأن الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتد واجب على المسلمين) . ( الإسلام وأوضاعنا القانونية ص:60 ) .
الشيخ محمد بن إبراهيم حيث قال في رسالة تحكيم القوانين : ( إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً } ) . ( رسالة تحكيم القوانين ص: 5).
وقال الشيخ محمد ابن ابراهيم رحمه الله :
(وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاده أنه عاص وأن حكم الله هو الحق فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل ) أ. هـ فتاوى محمد بن إبراهيم 12/280
العلامة المحدث أحمد شاكر رحمه الله تعليقاً على ما سبق نقله من كلام ابن كثير حول الياسق الذي كان يتحاكم إليه التتار : ( أفرأيتم هذا الوصف ال قوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن- لذاك القانون الوضعي الذي صنعه عدو الإسلام جنكيز خان ؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر ؟ إلا في فرق واحد أشرنا إليه آنفاً : أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام أتى عليها الزمان سريعاً فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت , ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً وأشد ظلماً منهم لأن أكثر الأمم الإسلامية الآن تكاد تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيء بذاك الياسق الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائناً من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها فليحذر امرؤ لنفسه وكل امرئ حسيب نفسه ). ( عمدة التفسير 4/ 173-174 ) .
يقول إمام أهل السنة محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : ( إن هؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم وجوب طاعة من دون الله كلهم كفار مرتدون عن الإسلام, كيف لا وهم يحلون ما حرم الله, ويحرمون ما أحل الله, ويسعون في الأرض فسادا بقولهم وفعلهم وتأييدهم, ومن جادل عنهم, أو أنكر على من كفرهم, أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلا لا ين قلهم إلى الكفر , فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق, لأنه لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم ) . ( الرسائل الشخصية,188 ) . فإذا كان مجرد عدم التكفير جريمة كبرى عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب, فكيف بمن يصفهم بأحسن أوصاف الإسلام يزكي دولتهم ونظامهم, ويحمل على من أنكر عليهم ؟!! .