عاشق الصحراء محمد أسد
لم يكن دخول محمد أسد إلى الإسلام مجرد تغيير ديانة، بل هو رحلة لعقل توّاق إلى معرفة الحقيقة بحث عنها في ثنايا التوراة وأسفار اليهودية، ثم ابتغاها في مقاهي فيينا وصالوناتها في عشرينيات القرن العشرين، وغازل في سبيلها أعمال فرويد حينًا وكتاباته في التحليل النفسي، ثم وجدها أخيرًا في صحراء الجزيرة العربية ورمالها، وجدها في الإسلام.
الحاخام الصغير
ولد ليوبولد فايس (محمد أسد) بإقليم غاليسيا في بولندا في (2 يوليو عام 1900م) لأبوين يهوديين، وبدأ تعليمه منذ صغره ليصبح حاخامًا مثل جده لأبيه؛ فدرس على أيدي أساتذة خصوصيين العلوم الدينية العبرانية بتعمق كبير، ووجد نفسه في سن مبكرة لا تتجاوز الثالثة عشرة يجيد قراءة العبرانية بسهولة والتحدث بها بطلاقة تامة إلى جانب معرفته بالآرامية؛ وهو ما ساعده فيما بعد على سرعة وسهولة تعلم اللغة العربية.
هذه المعرفة المبكرة العميقة للتراث اليهودي الديني مكنته من إدراك الكثير من جوانب الخلل والقصور والتحريف في المعتقد اليهودي، فأخذ على التراث اليهودي الديني تضخم الطقوس والشعائر التعبدية، كما أخذ عليه جعله من الله خالق الناس أجمعين وربهم إلهًا قبليًّا لا يهتم إلا بمصالح شعب قبيلته المختارة على حساب بقية الخلق بحيث إن الحماس الأخلاقي للأنبياء المتأخرين لم يفلح في أن يجعل من ذلك رسالة عالمية.
وعلى هذا فقد جاءت نتائج الدراسات الدينية المبكرة التي تلقاها على عكس ما قُصِدَ بها فقد ساعدته فيما بعد على فهم الغرض الأساسي للدين بما هو دين مهما كان شكله، كما كشفت له فساد ادعاءات اليهود الصهاينة بالحقوق التاريخية في أرض فلسطين واغتصابهم لها، إلى جانب تمكنه كذلك بسهولة من التعرف على العديد من المواقع الطبوغرافية وتشابه الأشخاص وفقًا لنصوص الأحداث التاريخية التي وردت في أسفار العهد القديم، وهو الأمر الذي مكّنه من الرد على افتراءات المستشرقين اليهود وغيرهم من الغربيين الذين زعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم نقل عن اليهودية.
وفي هذه الفترة وبسبب خيبة أمله في اليهودية إلى جانب تأثره ببيئته التي كانت تعتقد بعدم كفاية العقل لفهم الوحي الإلهي، لم يهتم محمد أسد بالبحث عن الحقائق الروحية في جهات أخرى، بل لقد نبذ عمليًّا الدين.
تمرد مراهق
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى هرب محمد أسد من المدرسة، وزور اسمه ليلتحق بالجيش النمساوي، وظنه رجال الجيش في الثامنة عشرة من عمره لطوله المفرط فقبلوه، ولكن أباه تتبعه حتى عرف مكانه وأعاده إلى فيينا، حيث كانت الأسرة قد استقرت.
وبعد عامين من انتهاء الحرب انصرف محمد أسد إلى دراسة تاريخ الفنون والفلسفة في جامعة فيينا، ولكنه لم ينصرف إليها قلبيًّا؛ لأن الأساتذة كانوا مهتمين باكتشاف القوانين الجمالية التي تتحكم في الخلق الفني بدلا من الكشف عن دوافعها الصميمة الروحية، أي أن اهتمامهم كان منصبًّا على الشكل دون المضمون والجوهر، ودرس التحليل النفسي لفرويد (عالم النفس الشهير)، ولكن لم ترضه نتائجه؛ لأنه يقيس كل شيء في إطار ردود فعل جنسية تناسلية.
تأمل محمد أسد ما حوله من أحوال وظروف تمر بها أوروبا في مطلع القرن وبعد الحرب العالمية الأولى، ولكن ما رآه وفهمه من هذه الأمور ملأه قلقًا، وجعل من العسير عليه متابعة دراسته الجامعية، فترك الجامعة واتجه إلى مهنة الصحافة، برغم اعتراض والده، فغادر فيينا في يوم من أيام صيف 1920م، وأخذ القطار إلى براغ وبعد فترة أمضاها هناك سافر إلى برلين، حيث لاقى الأمرين في البحث عن عمل في صحيفة من الصحف دون جدوى واضطر للعمل مع مدير أفلام كمساعد سينمائي لمدة شهرين، ثم العمل مع شخص آخر في كتابة عدة سيناريوهات لأفلام سينمائية أخرى.
وبعد سنة من المغامرات في مدن وسط أوروبا قام خلالها بجميع أنواع الأعمال القصيرة الأجل نجح أخيرًا في الدخول إلى عالم الصحافة، وكان ذلك في خريف عام 1921م، وقد عمل كناقل بالتلفون للأخبار إلى صحف المقاطعات، وظل كذلك إلى أن استطاع الحصول على حديث صحفي من زوجة مكسيم جوركي الأديب الروسي الشهير عن طريق مساعدة من صديق له يعمل بوابًا بالفندق الذي كانت تقيم به، ورقّي بسبب ذلك إلى وظيفة مخبر صحفي وصار أخيرًا صحفيًّا.
وفي ربيع عام 1922م جاءته دعوة من خاله دوريان الشقيق الأصغر لأمه، وكان طبيبًّا نفسانيًّا، وكان يرأس في ذلك الوقت مستشفى للأمراض العقلية في القدس يدعوه إلى المجيء لزيارته في القدس والإقامة فيها فترة، على أن يتكفل خاله بنفقاته كلها ذهابًا وإيابًا، وقبل محمد أسد الدعوة، وبدأ رحلته الأولى إلى الشرق في صيف عام 1922م في منعطف فكري وعاطفي هيّأه روحيًّا وفكريًّا للإسلام.
ضد الصهيونية
خرج محمد أسد من أوروبا بعد أن آمن أنها في ضياع وخواء روحي ناتج عن الجري وراء المنفعة المادية الصرفة، ويرجع في جزء كبير منه إلى الإرث الذي ورثه الغرب من المدينة الرومانية وهو إرث مادي نفعي في جملته وتفاصيله، بالإضافة إلى ثورة أوروبا على الكنسية، وما استتبع ذلك من انصراف عن الدين عمومًا، والاكتفاء بمبدأ المنفعة المادية وأسلوبها في جميع المجالات، خاصة في مجال الروابط الأسرية وفي مجال العفاف الجنسي في العلاقة بين الرجل والمرأة.
وربما يكون ذلك هو أساس رفض محمد أسد لمدلول تصريح بلفور عام 1917م الذي رأى فيه مناورة سياسية ظالمة لا يقصد به أكثر من تطبيق المبدأ الاستعماري المشترك القديم "فرّق تسد"، ولم يتوقف نشاطه في هذا المجال عند حدوث الحوار الذاتي بينه وبين نفسه والاستبطان الشخصي، ولكنه تعداه إلى مناقشة أقطاب النشاط الصهيوني في فلسطين في ذلك الوقت فتحدث بوجهة نظره إلى السيد أوسيشكين MR . Ussyshkin وهو رئيس اللجنة الصهيونية التنفيذية الذي لم يظهر سوى الازدراء بالعرب، وحواره مع الدكتور حاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية بلا منازع أثناء إحدى زياراته الدورية إلى فلسطين.
كان هدف محمد أسد من دفاعه عن القضية -كما ذكر- هو أن يسبب ذلك نوعًا من القلق وانشغال الفكر لدى القيادة الصهيونية قد يؤدي إلى دور أكبر من التأمل الباطني ولربما -في مرحلة تالية- إلى استعداد أكبر للاعتراف بوجود حق أدبي ممكن في المقاومة العربية. وبرغم عدم حدوث ذلك فإن موقف محمد أسد المبكر والصريح قبل اعتناقه الإسلام من قضية النزاع العربي الإسرائيلي لَيُثْبت نقاء هذا الرجل ونفاذ بصيرته ورجاحة عقله وصدق تخيله؛ وهي ملكات شخصية كانت في خلفية اتجاهه للإسلام فيما بعد واعتناقه له.
في رحاب الإسلام
وحينما كان ليوبولد (محمد أسد) يستقر في بيت خاله دوريان بمدينة القدس القديمة كان ينصرف حين تمطر السماء إلى مشاهدة الفناء الخلفي للبيت، حيث تشغله وكالة محلية للنقل عن طريق الدواب، وكان يملك هذه الوكالة حاج عربي، وكان الحاج يجمع عمّاله عدة مرات في النهار للصلاة، وكان إمامهم، وشدّ انتباهه تفاصيل حركات الصلاة الإسلامية، ولكنه لم يكن يفهم مغزى حركات الجسم في الصلاة، فسأل عنها الحاج فأجابه بأن الله قد خلق الجسد والروح معًا؛ ومن ثَم يجب على الإنسان أن يصلي بجسده كما يصلي بروحه.
وفي صيف عام 1923م وصل ليوبولد إلى دمشق ليشهد صلاة الجمعة في الجامع الأموي فبهره وقوف مئات الرجال في صفوف طويلة مستقيمة وراء الإمام يتحركون في وحدة منظمة كالجنود، ومن بعيد كان باستطاعة المرء أن يسمع صوت الإمام الشيخ من الأعماق البعيدة في القاعة الكبيرة وهو يتلو آيات من القرآن، فإذا ركع أو سجد تبعه الجميع كلهم كشخص واحد يركعون ويسجدون لله، كأنما هو ماثل أمام أعينهم، وأدهشه ما لاحظه من قرب المسلمين من ربهم ومن دينهم، وعدم انفصال صلاتهم عن يوم عملهم إلى حد جعله يتمنى أن يتمكن من الإحساس بنفس الشعور.
هزّ المشهد ليوبولد هزة من أعماقه، ودفعه وهو في دمشق للمزيد من الاطلاع على الكتب عن الإسلام، وحيث كانت عربيته لا تسمح له بقراءة القرآن في لغته الأصلية، فاضطر إلى الرجوع إلى ترجمة فرنسية وأخرى ألمانية لمعانيه، إلى جانب كتب المستشرقين وإيضاحات أحد أصدقائه، وحصيلة هذه القراءات والأحاديث كانت ضخمة للغاية؛ إذ ظهر له أن الإسلام طريقة في الحياة، ومنهاج للسلوك الشخصي والاجتماعي قائم على ذكر الله، وليس دينًا بالمعنى الشائع للكلمة ولا نظامًا لاهوتيًّا.
خلاص الروح والجسد
اكتشف ليوبولد أن القرآن لم يشر إلى حاجة الناس إلى (الخلاص) بالمعنى النصراني، كما لم يشر إلى خطيئة أولى موروثة تقف بين الفرد ومصيره، كما هو الحال في النصرانية، وليس هناك من أثر للثنائية في اعتبار الطبيعة الإنسانية، فالروح والجسد يعتبران وحدة صحيحة كاملة.
وتفاجأ في البداية لما رآه في القرآن من جمع بين الأمور الروحية وبين الكثير من وجوه الحياة الدينية التي كانت تبدو له تافهة، ولكنه أدرك مع الزمن أنه ما دام القرآن يعتبر أن الإنسان وحدة كاملة حقًّا من جسد وروح، فليس هناك جانب من جوانب هذه الوحدة يمكن أن يُعَدّ تافهًا بحيث لا يقع داخل نطاق الدين.
غير أنه عاد مرة أخرى إلى أوروبا في خريف 1923م بعد أن استغرقت رحلته الأولى إلى الشرق حوالي ثمانية عشر شهرًا لتقديم نفسه إلى إدارة الصحيفة الألمانية التي كان يراسلها وهو في الشرق (فرانكفورتر تزايتونغ)، ووافق رئيس التحرير على عودته إلى الشرق مرة ثانية.
وفي ربيع عام 1924م بدأ رحلته الثانية إلى الشرق من القاهرة، حيث استغل إقامته بها لزيادة معرفته حول حقائق الإسلام، وهناك جالس الكثير من الشخصيات العلمية، ولكنه توقف طويلا عند المرحوم الشيخ مصطفى المراغي إمام الجامع الأزهر آنذاك.
أسد.. والإسلام
وصل ليوبولد إلى ذروة اقتناعه بالإسلام كدين الحق في يوم من أيام شهر سبتمبر عام 1926 بعد ملاحظته لرجل كان يجلس أمامه في قطار متجه نحو برلين مظهره يدل على النعمة والثراء، ولكن وجهه لا يشير إلى سعادته بل شقاوته الشديدة وبؤسه الحاد، وهكذا بقية ركاب الدرجة الأولى، وتأكد ساعتها أنهم لم يكونوا يعلمون بحقيقة حالهم هذا، وإلا لما استمروا في تبديد حياتهم دون إيمان بالحقائق الملزمة، ودون أي هدف يزيد عن الرغبة في رفع مستوى معيشتهم، وفي حيازة المزيد من الملذات المادية والممتلكات والقوة.
وحين عاد إلى منزله، وكان قد ترك نسخة مفتوحة من القرآن الكريم على مكتبه كان يقرأ فيها من قبل ورفعه ليضعه جانبًا، ولكن ما إن همّ بذلك حتى وقعت عينه مصادفة على الصفحة المفتوحة أمامه وقرأ قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 1 - 8]، واهتز المصحف في يده وهو يكتشف أن ذلك كان جوابًا قاطعًا -وتفسيرًا واضحًا- أزال كل شك في نفسه ليتيقن أن القرآن كتاب الله ووحيه، فبرغم ثلاثة عشر قرنًا مضت على نزوله فإنه توقع بوضوح شيئًا لم يكن بالإمكان أن يصبح حقيقة إلا في عصرنا هذا المعقد الآلي.
وقد بادر ليوبولد فايس فور بلوغه هذه المرحلة بالسعي إلى صديق له وهو مسلم هندي: كان في ذلك الحين رئيسًا للجالية الإسلامية الصغيرة في برلين، وأعلمه برغبته في اعتناق الإسلام، فمدّ يده اليمنى آخذًا بيده اليمنى وبحضور شاهدين قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وعندئذ قال صديقه المسلم "لقد كان اسمك حتى الآن ليوبولد Leopold وكلمة ليو Leo اليونانية معناها أسد إذن سندعوك من الآن فصاعدًا: محمد أسد". وهكذا أصبح محمد أسد مسلمًا قلبًا وقالبًا.
جولة عربية
وغادر محمد أسد أوروبا هو وزوجته بعد ذلك مباشرة؛ لأنهما لم يعودا يطيقان البقاء فيها فغادراها متجهين إلى مكة للحج في يناير من سنة 1927. وكان أسد قد حظي أثناء إقامته بجزيرة العرب بلقاء الملك عبد العزيز آل سعود الذي أذن له بالقيام برحلات استكشافية في ربوع جزيرة العرب وبتوصية خاصة.
وقد شارك محمد أسد في الأحداث الكبرى لتوحيد المملكة العربية السعودية، ووصفها بدقة تامة، كما شارك في أحداث المسلمين في ليبيا في رحلة خاصة خطرة بتكليف من الإمام السنوسي وهو في منفاه بمكة، وقابل الزعيم الليبي عمر المختار وصحبه في جهاده ضد الإيطاليين، ولعل أسد هو الصحفي الأوروبي الوحيد الذي شاهد عمر المختار عن قرب قبل أن يقبض عليه ويعدم عام 1931م.
ترك محمد أسد الجزيرة العربية عام 1932م وذهب إلى الهند في طريقه إلى تركستان الشرقية والصين وإندونيسيا، ولكن محمد إقبال أقنعه بإلغاء برنامجه والبقاء بالهند كي يساعده في إذكاء نهضة الإسلام، ووقف نفسه لسنوات عديدة على تحقيق هذا الهدف، وقام بدراسات كثيرة، وكتب مقالات عديدة، وألقى العديد من المحاضرات، وعرف مع الزمن كمترجم للفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية.
أقام أسد في الهند حتى قيام الحرب العالمية الثانية؛ فكاد له الإنجليز هناك وحبسوه باعتباره مواطن دولة معادية (النمسا)، وخوفًا من أثره على المسلمين، وقد وقعت له بسبب السجن كارثة؛ إذ ضاعت منه أكثر أجزاء ترجمة صحيح البخاري الذي أفنى شطرًا من عمره وهو عاكف عليها.
وعقب إعلان قيام دولة باكستان دعته حكومتها لتنظيم "دائرة إحياء الإسلام" في بنجاب الغربية والمساهمة في وضع أسس ونظم الدولة الحديثة، وأسّس محمد أسد مجلة "عرفات" وتولى رئاسة معهد الدراسات الإسلامية في "لاهور"، كما أسس بمعاونة صديقه "وليم بكتول" الذي أسلم هو الآخر "مجلة الثقافة الإسلامية" في "حيدر آباد"، ثم عين وزيرًا مفوضًا لباكستان في منظمة الأمم المتحدة، وعاد رئيسًا لقسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الباكستانية حتى تقدم باستقالته من منصبه عام 1952م بعدما أعلن أنه اطمأن إلى أن الدولة الجديدة قامت على قدميها، ورحل إلى المغرب، وأقام في مدينة طنجة، ثم رحل إلى البرتغال، ثم استقر في إسبانيا.
فكر وكتب
كان أول كتب محمد أسد عن الإسلام بعنوان "الإسلام على مفترق الطرق" الذي نشر سنة 1934م ونال شعبية واسعة. كما ترجم وعلّق على الجزء الأول من مجموعة أحاديث البخاري "صحيح البخاري سنوات الإسلام الأولى" 1938م. وألّف أسد أيضًا كتاب "الطريق إلى مكة" 1954 الذي تُرجم إلى أكثر لغات العالم. وفي مؤلفه "مبادئ الدولة والحكومة في الإسلام" 1961م اعترف محمد أسد بلا تردد أنه لم تكن هناك دولة إسلامية حقيقية فعلية بعد الخلافة الراشدة لكل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعًا الخلفاء الراشدون الأربعة الذين أداروا دفة الحكم من المدينة المنورة، كما ذهب إلى أن القرآن الكريم والسنة المطهرة لم يتضمنا سوى مبادئ محددة لتنظيم الدولة والمجتمع الإسلاميين، وقد توصل في مؤلفه إلى نتائج بالغة الأهمية متمثله في أن الفقه الإسلامي تطور خلال ثمانية قرون حتى غزر، وصار أكبر حجمًا من أصوله الملزمة، أي من الشريعة القرآنية. كما أنه في إطار الدستور (والتشريع) الذي يعكس هذا الأصل الملزم تكتسب الدولة الإسلامية عدة سمات شديدة الشبه بالديمقراطية البرلمانية وحكم القانون بما في ذلك مؤسستا الرئاسة والمحكمة العليا الأمريكيتان، وأن الصحوة الإسلامية لا تطلب بالضرورة إعادة الحكم الديني الإسلامي من جديد.
وقد شرع محمد أسد في عام 1964م في أضخم مشروع في حياته وهو مشروع ترجمة معاني القرآن الكريم، وأمضى سبعة عشر عامًا وهو يُعِدّ الترجمة، فكانت النتيجة في عام 1980م صدور واحدة من أهم ترجمات معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية، وقد نشر أسد هذه الترجمة تحت اسم "رسالة القرآن".
تُوفّي محمد أسد في 19 فبراير عام 1992 في مدينة (ميخاس) بفينخوريلا التابعة لمحافظة (مالقة) بجنوبي الأندلس، ودفن في مقابر المسلمين في مدينة غرناطة.