آه لو جرّبت!
إن هذا القادم من الملأ الأعلى – القرآن - والذي نزل به سيدٌ من كبارِ ساداتِ الملأ الأعلى فيه من الأسرارِ ودواعي الإعجاز ما تنتهي الدنيا ولا ينتهي.
قد ترى أن في قولي مبالغةً وادعاءً, أو انطلاقاً من عاطفةِ دينٍ, أو التهابِ وجدانٍ, وليس بوسعي أن أمنعك من هذا التصوّر، ولا أن أردّ عنك ما ترى.
ولكن لو فُتِح القلبُ المقفلُ, وأُوقِد السراجُ المعطّل, وأشرقَتْ بالنور حنايا لم تكن تعرفُ النورَ, ولا مستْ فؤادَك نفحةٌ من روحِ الملك القدوس, وهبّت على أوديةِ نفسك نسمةٌ من عالم الروح, وسمعتَ صوتاً يملأُ نفسَك قادماً من بعيدٍ من الملأ الأعلى يقول: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } [ الحديد: 16] { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } [ القمر: 17 ]
فقفَّ شعرُ بدنك, واقشعرّ جلدُك, ومَارَ – اضطرب - فؤادُك, وتحركت السواكنُ, واضطربَ بين جنبيك ما اضطرب, والتهبَ فيه ما التهبَ, وانهمرت الدموعُ تسيلُ في شعابِ القلوب التي قتلها الظمأُ, وأقفرها الجفافُ تغسلُ الأوضارَ, وتروي حبّاتِ القلب, وتُنَدّي اليَبَس, وتُحيي الموات, فعند ذاك تذوق ما لم تعهد له مذاقاً ولا طعماً, وتحسّ ما لم يكن لك فيه سابقُ معرفةٍ ولا إحساسٍ, وتصيحُ بكل جوارِحِك قائلاً: والله لقد آن, والله لقد آن! وعند ذاك تعرفُ ما أقولُ, وتفهمُ ما أشيرُ إليه
ولكن أنّى لي أن أُوصلك إلى هذا؟!
وكيف أوصلك وأنا المنقطع؟
وأعطيك وأنا المحروم؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نقلاً عن: كتاب ( لمسات بيانية في نصوصٍ من التنزيل )
للدكتور / فاضل صالح السامرائي ص: 9, ط/ دار عمار