ربما يتسلل إلى الخاطر عبر هذا السؤال ما يثبط النفس ويثقلها عن المبادرة إلى إنشاء مجالس القرآن ،فتتوجه أصابع الاتهام إلى النفس: أنا لست أهلا؛ وإذن فلننتظر المهدي!
ومن هنا فإننا نقول درءا لهذا المدخل من مداخل الشيطان – نعوذ بالله السميع العليم منه – وجوابا عن هذا السؤال: نعم العلماء الربانيون أولا، هم أولى بهذا المشروع من غيرهم ولكن ليس وحدهم! بل بعدهم يأتي أهل الخبرة التربوية من الربانيين! وربما كان من هؤلاء من فاق أولئك! خاصة وأن المشروع يشتغل بالمعلوم من الدين بالضرورة، وليس موضوعا لتخريج الفقهاء والمفتين، فذلك له ميدان آخر غير ما نحن فيه، وإنما مجالس القرآن مجال للصناعة التربوية أساسا.
وذلك بناء على يقين حصلناه بالمشاهدة والتجربة: وهو أن هذا المشروع يصنع أساتِذَتَه! وهذا سِرٌّ من أسرار القرآن العجيبة! إن مدارسة القرآن العظيم بما هي تعبد محض، وسير قلبي إلى الله؛ إذا أقبل عليها العبد بإخلاص حقيقي فاضت عليه أنوار القرآن وحِكْمَتُه! وكان من شأنه ما كان، من تجليات الروح، وتحصيل التزكية والحِكْمَةِ الربانية، بصورة تلقائية ذاتية! كما سترى مفصلاً بأدلته بَعْدُ بحول الله!
وتلك لعمري هي أهم خصائص الربانيين، الموكول إليهم تربية الخلق بهذه الأمة! وإنَّ من أسرار الإعجاز في هذا الدين، واستمرار انبعاثه إلى يوم الدين؛ أنَّ تجديده متعلق بسِرٍّ إلهي، يتمثل في فعل من أفعال الله تبارك اسمه، إذ يتجلى على بعض عباده من نور إرادته وقدرته، ألا وهو: "البعث"! فتجديد الدين لا يكون إلا "بعثا"، وإنما "البعث" فعلٌ من قدرة الله وإرادته، لا من فعل الإنسان، وإنما الإنسان فيه مستجيب لإرادة الله! فتَدَبَّرْ بِتَأنٍّ كبيرٍ الحديثَ النبوي المشهور، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)[1].
وقد جرت العادة أن الناس اليوم ينتبهون أكثر إلى فعل "التجديد"، الذي فاعله هو الإنسان، وقلَّما ينتبهون إلى فعل "البعث"، الذي فاعله هو الله جَلَّ جَلاَلُه! وإنما ذلك ناتج عن هذا، والعكس غير صحيح! فلا تجديد إلا ببعث!
والله جَلَّ وعَلاَ بين لنا كيف يبعث روح التجديد في النفوس، ببيانات واضحة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنما ذلك الروح هو: القرآن! فمن أقبل عليه بصدق كان من أهل الله وخاصته! كما سترى بحول الله. فإن لم يكن عالما كان حكيما. (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا! وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ!)(البقرة:269).
فيا من تبحث مثلي عن طريق الله! برنامَجُك العملي وميثاقُك الدعوي؛ كتاب واحد، لا ثاني له: هو القرآن العظيم! وشيخُك الراعي وأستاذك الداعي؛ مُرَبِّ واحدٌ لا نظير له: هو من (كان خُلُقُهُ القرآن) [2] محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم! وأما مَقَرُّك الدعوي، ومنطلقك (الاستراتيجي) فمكان واحد لا بديل له: هو بيت الله! فاطرق باب المسجد تَجِدْ وجهَ الله! وادخل فضاءَ القرآن تَسْمَعْ كلامَ الله!
-----------
[1] رواه *أبو داود والحاكم والبيهقي في المعرفة*، عن أبي هريرة* مرفوعا. وصححه الألباني، رقم*:* 1874 في صحيح الجامع*.
[2] رواه مسلم.