إعلان بعلم الوصول لكل أم متهمة أنها أم على الورق فقط.
استدعاء غير رسمي بشأن الدعوى المقدمة من المعتدى عليهم، والمجني عليهم من أبناء هذا الجيل، أطفال ومراهقين ,بنات وبنين.
وعلى الأمهات على الورق الالتزام بالحضور للدفاع عن أنفسهن في التهم الموجهة إليهن من تقصير وتفريط في حقوق أبنائهن، سعيا من هيئة المحكمة للتصالح والتراضي بين الطرفين؛ من أجل إقامة أسرة مستقرة سعيدة ومجتمع اّمن.
ونحذر من وقوع أقصى العقوبات طبقا لمواد القانون التشريعي السماوي حيث قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) التحريم 6 واستنادا لواحد من البنود التشريعية في السنة النبوية ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع ومسئول عن رعيته) متفق عليه، ولقوله (الرجل راع في أهله و مسؤول عن رعيته، وكذلك المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) وهذا محضر الجلسة الأولى للحكم في القضية رقم (1).
المدعى الأول /الابن / أنا أيها القاضي ابن مهمَل لأم على الورق وأب مشغول بعمله لا يعرف عني شيئا, أمي كذلك دوما مشغولة عني والمفترض أن تكون مشغولة بي. صحيح أنها تسد حاجتي للطعام والشراب في حين أنى أكاد أموت من نقص، بل وعدم توافر احتياجاتي المعنوية والنفسية، وأني لمتعطش لحديثها وفى حالة جوع دائم لقصة على لسانها.
تلومنى كثيرا لدرجة أحبطتني وتغضب منى وتتهمني أنني مشاغب, غير مؤدب, وغير مطيع, وعنيد.
و دائما تقارنني بغيري فتقول: لما لا تكون مثل محمد المؤدب, الذكي ابن الجيران؟..
أيها الحاجب ناد على المتهمة (أم على الورق)
القاضي: ما اسم ابنك؟
أم على الورق: علي
القاضي: ولماذا سميتِه عليا؟
أم على الورق: اتفقت أنا وزوجي على تسميتِه بهذا الاسم تيمنا باسم الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
القاضي: هل حكيتِ له شيئا عن سيرة هذا الصحابي الجليل؟
أم على الورق(تفكر): أظن أنني لم أفعل.
القاضي:هل تعرفين شيئا عن هذا الصحابي؟
أم على الورق: نعم تحضرني الآن قصته في أحداث الهجرة، وكيف أنه نام في فراش الرسول ولبس بردته وضحى بنفسه فداء لرسول الله ولم يدل الكفار عليه وحبسوه يوما ولم يفصح لهم بشيء: ولما يأسوا منه تركوه وانصرفوا يبحثوا عن محمد وانطلق هو يؤدي الأمانات والودائع لأصحابها كما أوصاه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو بعد ذلك الذي تزوج من فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وأنجب منها الحسن والحسين من البنين ومن البنات زينب و أم كلثوم وهو أمير المؤمنين و رابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنه
القاضي: ما شاء الله عليكِ, من الذي حكى لكِ هذه القصة؟
أم على الورق: حكتها لي أمي رحمها الله منذ نعومة أظافري.
القاضي: ولماذا بخلتِ على ابنك ولم تحكي له كما حكت لكِ أمكِ؟ والله تعالى يقولفاقصص القصص لعلهم يتفكرون).
أم على الورق (بارتباك): أنا يا سيدي القاضي لا ألم بفنون سرد القصة وبعض قواعد التربية الصحيحة.
القاضي: وهل هذا عذر! لماذا لا تتعلمين فنون سرد القصة؟ وتلمين بها مثل التشويق والإثارة ومشاركة المتلقي لكِ وليس مجرد إلقاء وتلقين, وأن للقصة هدفا فهي وسيلة للوصول إلى غاية. وغايتك منها التربية وتعديل السلوك، أليس كذلك؟
أم على الورق: معكَ الحق يا سيدي.
القاضي (يستأنف): ابنكِ يقول أنكِ تقارنينه بغيره مما سبب له الأذى والإحباط.
أم على الورق: نعم سيدي القاضي بالفعل ابني أقل بكثير من محمد ابن الجيران وبه صفات كثيرة سيئة.
القاضي: لماذا لا تتهمين نفسكِ بأنكِ السبب الأول في صفاته السيئة ولماذا لا تقارنين نفسكِ بأم محمد كذلك.
فمؤكد أن أم محمد تتحدث مع طفلها وتنصت وتحكي له الحكايات وتسرد له القصص ولا شك أنها حكت له سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وختم القاضي كلامه: إنكم معشر المربين والآباء والأمهات تتهمون أبناءكم بأشياء أنتم المتهمون قبلهم بحصولها.
قررت المحكمة حضوريا تأجيل القضية رقم 2 لجلسة الشهر القادم وإلى أن نلقاكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجلسة الثانية النظر في القضية رقم 2 والتي يتقدم بها الأبناء ضد بعض الآباء المهملين لتربيتهم.
القاضي: بعد الاطلاع على القضية الأولى بتاريخ 8 من صفر 1431 هجرية الموافق 27من يناير2010ميلادية جلسة (أمهات على الورق) ننظر اليوم في الدعوى المقدمة من أبناء يطالبون لأنفسهم بالبراءة من كل التهم والجرائم المنسوبة لهم، ويحملون آباءهم المسؤولية كاملة عما وصلوا إليه من سوء في الخلق.
النيابة / حضرة القاضي، حضرات المستشارين.. لقد ضبط هؤلاء الشباب متلبسين واعترفوا بارتكاب العديد من الجرائم والجنايات فلا تأخذكم بهم شفقة ولا رحمة؛ إنهم بمثابة قنبلة موقوتة وفي حال فك قيودهم وإطلاقهم إلى المجتمع سيكونون سببا في تدميره وفساده.
إن انحراف هؤلاء الصغار يدق ناقوس الخطر في مجتمعاتنا، يكفينا أن نعلم أن أكثر من 8%من المدخنين تقل أعمارهم عن 15 سنة، و3% تقل أعمارهم عن 10 سنوات. والتدخين هو الخطوة الأولى لسلم الانحراف وأن أكثر من 60%من المدمنين في سن الشباب، وأن 40%من هؤلاء الشباب المدمنين نساء.
وأن نسبة الزواج العرفي قنبلة من العيار الثقيل تهدد مجتمعاتنا العربية بالإضافة إلى آلاف الآلاف من الجرائم المختلفة والقاسم المشترك بينها جميعا هو غياب دور البيت في التربية.
فأنا أطالب بعقوبة هؤلاء الأبناء وتقديم آبائهم أيضا إلى المحاكمة لينالوا جزاءهم العادل.
القاضي: إن كل ابن هنا أو بنت يدعي أنه ليس مجرما، وأن إهمال والديه لتربيته أو التربية القاسية له بالضرب والإهانة ساقه إلى هنا، وفى حالة أخرى كان الخلاف الأسري أو الانفصال بين الوالدين سببا في انحرافه.
الابن: اسمح لي يا سيادة القاضي أن أتكلم.
القاضي: تفضل يا ولدي.
الابن: أنا اعترفت على نفسي بما اقترفت، ولكن قبل أن تنفذوا علي العقوبة اسألوا أبي كم ساعة جلس معي؟ وكم مرة حاول أن يقترب مني و يتعرف على مشاكلي؟ ياحضرة القاضي إنني لا أكاد أرى أبي, إنه مشغول بكل شيء إلا بي, مشغول حتى في حال حضوره في البيت فهو الحاضر الغائب! كم تعطشت لحضنه وكم افتقدته وهو لم يفتقدني حتى فررت من البيت!
الأب( مقاطعا): يا حضرة القاضي هذا الولد العاق يريد أن يحملني انحرافه وسفاهته وأنا لا ذنب لي.. إنه ولد سيئ.. أخلاقه فاسدة يجنح إلى الانحراف.
القاضي: اسمح لي أيها الوالد الكريم
لكن الأب يتحمل سوء أدب ابنه ونتيجة انحرافه فالابن من كسب أبيه.
الابن: يا حضرة القاضي دعني أكمل لأبين لماذا فررت من البيت؟
لقد وجدت خارج البيت أذنا تسمعني.. وجدت من يحبني ويمدحني ويقدرني.
لقد سمعت بخارج المنزل من أصدقائي من يقول لي: أنت مميز, أنت ذكي, أنت موهوب, أنت محبوب.
فأضحك وأنا أكتم بداخلي آلاما تمزقني.
أتعرف يا حضرة القاضي مصدر تلك الآلام؟
أتألم حين أتذكر ما كان يقوله أبي لي حين يغضب على تصرف من تصرفاتي.
أنتَ فاشل, لن تفلح أبدا, ألف مرة أقول لك و أنت غبي لا تفهم, أنت خائن للأمانة, أنت كاذب لا تصدق.. لقد ضجرت!!
وبدلا من أن يعلمني ويصبر علي، كان ينهرني ويشعرني بعجزي، ويوصل لي رسالة بكراهيتي حتى أصبحت أكره نفسي ومن حولي.
وكان أشد ما يمزقني حين يقارنني بغيري.. نعم كان هذا أشد ما يفقدني ثقتي بنفسي، ويورث في نفسي الحقد والكراهية
الأب(مغضبا): نعم كانوا هم أفضل منك في كل شيء
إنهم يحترمون الكبير ويصدقون في كلامهم.
القاضي: ألم تسأل نفسك أيها الوالد الكريم؟ من الذي ربى هؤلاء الأولاد على احترام الكبير وصدق الحديث والأمانة
لابد أن أحدا رباهم على هذه الخلق فلماذا لم تفعل مع ابنك هذا؟!
الأب: هذا ابن سيئ لا تصلح معه التربية!
الابن:اسمح لي يا سيادة القاضي أن أكمل..
القاضي: تفضل يابني.
الابن: لقد لاحظت أن أبي يهتم بسيارته ويزينها وينظفها بشكل دائم، فسألته عن سبب ذلك؟, فقال لي: لأنها غالية الثمن فلابد أن أهتم بها وأرعاها بشكل يومي حتى لا تخرب!! فعلمت عند ذلك أن قيمتي عند أبي أقل بكثير من قيمة هذه السيارة الجماد.
فأنا ـ باختصارـ لا أجد من أبي من الرعاية والاهتمام مثل تلك السيارة.
لذلك لجأت إلى خارج البيت لأروي عطش نفسي.
فوجدت أصدقاء سوء.. نعم هم أصدقاء سوء لكنك لا تلوم الذي سيموت من العطش حين يشرب من الماء الملوث.
أستطيع أن أقول لكم إنني استعدت ثقتي بنفسي خارج البيت من أصدقاء السوء هؤلاء.
صدقوني لقد منحوني الشعور بإنسانيتي وبقيمتي وبقدري.
أعطوني الثقة في نفسي منحوني المدح والتقدير، ولم يبخلوا عني، منحوني الشعور بالحب والقبول
لقد أصبح مفتاحي بيدهم.
فلما قالوا لماذا تصلي؟ وتتشبه بالكبار المملين أنت شاب صغير لا تعقد نفسك، تركت الصلاة وأنا أعلم أنني مخطئ و أنهم مخطئون.
فأبي لا يسألني إن كنت أصلي أو لا أصلي؟
ولما قال لي أصدقائي اشرب هذا المخدر الذي سيشعرك بالسعادة، شربت، و أنا أعلم أنها ستدمرني.
شاهد هذه الأفلام، شاهدت. افعل هذه الجريمة فعلت.
هل عرفتم ما الذي قادني إلى هذا الانحراف؟
الأب: يا حضرة القاضي إن هذا الابن العاق لا يقدر ظروف الحياة ولا يقدر كم أتحمل من عناء العمل، وكم أعاني في مواجهة ضغوط الحياة من أجله, اسأله من الذي يحضر له الطعام والثياب والجهاز النقال ومصاريف المدارس والجامعة له ولإخوانه ومصاريف علاجهم والترفيه عنهم, فهل بعد كل هذا تحاكمونني أنا على سوء أفعال هذا الضال المنحرف؟
لقد فصل من دراسته وأصبح عضوا دائما في أوكار الإدمان!
آه ضاع عمري ومالي وصحتي بسببه ولكنني كنت أركض خلف السراب.
ما هو المطلوب مني أن أفعل له؟! لقد لبيت له كل ما يحتاج!! حسبي الله ونعم الوكيل!!
القاضي: إن كل ما قلت أيها الأب الكريم ليس إلا مهمة واحدة من مهامك.
فأين بقية مهامك مع أولادك؟!
الأب: وما هي بقية مهامي بعد كل هذا؟!
إن عليك دورا كبيرا، فإن مهمة تربية الأبناء ليست سهلة.
عليك أن تصاحب ابنك وتقترب منه فدور الأب لا يقتصر على تلبية الحاجات الجسدية لأبنائه، فليس دورك يقتصر على تسمينهم؛ لأنهم ليسوا قطيعا من البهائم، إنهم بشر له احتياجات أخرى كثيرة.
هناك حاجات نفسية لتسد جوعه العاطفي والنفسي، وتعطيه ما يحتاجه من الحب والحنان والطمأنينة والأمان و المدح والتقدير والثقة.
هناك حاجات اجتماعية كتدريبه على الأدوار الاجتماعية المختلفة، فتصطحبه معك في زيارة مريض أو صلة الأرحام وفي العزاء وفي الأفراح، وتعلمه كيف يستقبل الضيف، وكيف يحل ضيفا على الناس، وكيف يعامل الصغير وكيف يحترم الكبير.
وهناك حاجات روحية وإيمانية مثل أن تتابعه على حفظ القرآن، وتحبب له الصلاة والأذكار والدعاء وطلب العلم وتصطحبه لصلاة الجمعة وأداء العمرة.
وهناك حاجات عقلية وفكرية كأن تتابع مستواه الدراسي وتتناقش معه وتعلمه وتثقفه وتعوده على آداب الحوار وأدب الاختلاف مع الغير.
وهناك حاجات أخلاقية كأن تغرس فيه الأخلاق وتدربه عليها لتحصنه من الضياع والانحراف.
أين أنت أيها الوالد الكريم من هذه الأدوار كلها؟
الأب: ألا يكفي أنني أنفقت عليه كل ما أملك؟!
القاضي: لا أيها الأب لا يكفي
إن كنت أنفقت عليه المال، لكنك بخلت عليه بالاهتمام والرعاية والحب والحنان!
و إن كنت تغدق عليه بالمأكل والمشرب لكنك تشح عليه بالحوار والإنصات؛ ليفصح لك عن أحلامه ورغباته ويشكو لك همومه ومشكلاته.
للأسف عندما يكون هناك آباء وأمهات هكذا على الورق فإننا لن نحصد إلا جيلا على الورق.