وهُو إما أن يكُوُن هجرٌ للمعاصِي والإنخراطِ فِيِها معَ الغير
وفِي هذِهِ الحالةُ يتوجبُ علَي الإنسانِ أن يتوجه بالنُصح والتذكِيِرِ بالحكمةِ والموعِظةِ
الحسنةُ ولا يقنطُ ولا ييأسُ مِن الإصلاح ما استطاع, فلعل اللهُ يُغيِرُ مِن حالٍ لحالٍ
ويجعلُ مِنه سبباً للهدايةِ والصلاحِ
أو أن الهجرُ يكُوُنُ لِمن أذاكَ وكادَ لك وضرك
لا تقوَي عِشرتُهُ وهُوَ ليسَ أهلاً لكَ ولِصُحبتِك وتقواكَ وخُلقَك
هُنَا نبتعِد عنهُ و نهجُرهُ, لأن البعد والهجرُ يكُون فِي بعضِ الأحيانِ هو العلاجُ والوسِيلةِ
للإصلاحِ لِيقِفَ هذَا الذِي هُجِرَ عِندَ حدِهِ و يرتدِعُ ويُصلِحُ مِن نفسِهِ وشأنِهِ.
وقد فعل نبِيُنا صلي الله عليه وسلم هذَا
عندما هجر بعضُ أصحابِهِ خمسين يوما مِمن تخلفوا عن غزوة تبوك
بل حتَي أنهُ هجر نسائهُ تسعةٌ وعشرون يوما
وما فعل ذلِك إلا لِحكمةٍ وإصلاحٍ وعِلاجٍ.
كُل أنواعِ الهجرِ هذِهِ لا تكُوُنُ إلا بالجمِيِلِ وبالحسنِ, فلا كيدَ ولا مكرَ ولا انتِقام
لأنكَ إن فعلتَ هذَا أضعت الأجر والمثُوبةُ التِي تنتظِرُك بإذن الله
ولربما حملتَ نفسُك مِن الأوزارِ ما فاقَ أوزارَ خِصمُكَ.
الصفحُ و اقترانهُ بالجمِيِل
قد يأتِي بمعنَي نُكرانَ الخُبثِ و الخبائِثُ والإعراض والإبتعاد, كما جَاء
فِي قولِه تعالَي (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) الزخرف
و قد يأتِي بالمعنَي المًتعارفِ عليه مِن العفوِا والتسامُحِ الذِي هُو شِيِمةٌ وخُلُقٌ كرِيِم
لا يقواهُ إلا أصحابُ العزِيِمةِ القويةِ ومَن لهُ القلبُ والصدرُ السلِيِم
فلاَ عِتابَ ولا حِسابَ ولا ضغائِنُ تبقَي لا تَمحُوهَا الأيامُ ولا يُنسِيِهَا الزمانُ.
صِفةٌ وخُلُقٌ تحلي بِهِ نبِيُنَا محمدٍ صلي الله عليه و علي ألِهِ و سلم فقد أوذِي وكابدَ
ولالقِي ما لقِي فلم يرُد إلا بالعفوِ والإحسانِ والدُعاء
وهَاهُو يُطردُ مِن أهلِ الطائِف ويأتِيِه ملكُ الجِبالِ ويقُوُل له:
إن شِئت أطبَقت عليهم الأخشَبين فما كانَ جوابُهُ وردُهُ صلى الله عليه وسلم
إلي أن قال: ( بَل أرجوُ أن يُخرِج الله من أصلابِهم من يعبُد الله وحده
لا يشرك ُبه شيئا )
موقِفٌ مِن كثِيِر المواقِفِ التِي علمنَا وربانَا بِهَا خيرُ خلقِ ولدِ أدم صلي اللهُ عليهِ و سلم
وقَد وردَ عن عبادة بن الصامت قَال رسوُل الله صلَى الله عليهِ وسلَم :
( ألا أنبئكُم بما يشرِفُ الله به البنيَان ويرفعُ به الدرجَات ؟ قالوا : بلىَ يا رسوُل الله
قال : تَحلم على من جهِل عليك وتعفوُ عمن ظلمَك وتعطِي من حرمَك وتصلُ من قطعَك )
رواه الطبراني
قد يصعُبُ علي النفسِ التِي جُرِحت و ظُلِمت أن تعفوا وتصفِح
ولهذَا كان هذَا الصفحُ دلِيِلُ القُوةِ والصلابةِ وليسَ دلِيِلُ ضعفٍ وسلبِيةٍ كما يعتقِدُ
أصحابُ الأفاقِ الضيِقةِ الذِيِن لم يفهمُوا المعنَي الحقِيِقِي للإسلام الذِيِ هٌو دِيِنُ السلامِ
والمحبةِ والرحمةِ والإحسانِ.
كُلُنَا يعلمُ أن كُلُ ابن أدم خطاء إلا أن هُنَاك أناسٌ جُبِلوا علي الشر وعلَي التعدِي والظُلمِ
وانتِهاكِ حُرماتِ الله, والعياذُ بالله
وأمثالُ هؤلاءِ لا بُد أن نَرد عليهِم وأن نقِفَ لهُم بالمِرصاد ونبذِلُ كُل الجُهدِ ولا نتوانَا
أن نرُد المظالِم إلي أهلِهَا و أن يأخذُ كُل ذِي حقٍ حقه
فهكذَا أمرنا وأراد خالِقُنَا أن تكُوُن هذِهِ الأمةُ التِي هِي خيرُ أمةٍ أخرِجت للناسِ.
ثلاثٌ لهَا مرارُ الصِبرِ وطَعمُ العلقم
إن غلبنا الهويَ والنفسُ الأمارةُ بالسوءِ فجزائُنَا ما وعدنَا بِهِ الذِيِ لا يُخلِفُ المِيعادِ
سبحانهُ وتعالي وإلا فإننا لن نحصُدُ إلا البؤس والكبدُ والحزنُ والذُُنوب التِي قد تفُوُقُ
وتطغَي علَي أجرِ كُل ما ابتُلِيِنَا بِهِ ومُحِصنَا.
نسألُ المولي عز وجل أن يُلهِمنَا الرُشد والصواب وأن يُثبتِنَا ولا يفتِنُنَا إذا قدرَ علينَا
الحزنَ وابتلانا واختبرنَا.