أُمّتِـي ! كـم غُصّـةٍ داميـةٍ ** خَنَقَتْ نَجوى عُلاكِ في فَمِي ؟
أيّ جُرحٍ في إبائـي راعِـفٌ ** فاتَـه الأسـى ، فلـم يَلتـئـمِ
كم أغضيتِ على الـذّل ولـم ** تَنفضـي عنـك غُبـار التُّهَـمِ
أمتـي ! كـم صَنَـمٍ مَجّدتِـه ** لم يَكن يَحمل طُهـر الصّنـمِ !
اسمعي نوح الحزانى واطربي ** وانظري دمع اليتامى وابسمي !
هــذه أمــة الـمـجـد
هــذه أمــة الإبـــاء
هــذه أمــة الـعــزّ
إيــــهٍ أمــتــي ..
أوَ ما كنتِ إذا البغي اعتدى موجةً من لهيب أو مِن دمِ ؟
بــلــى وربّـــــي
فـمـا بالـهـا هـانَـتْ ؟
ومــا لـهـا ذلّـــتْ ؟
ويح أمتي تَسمع أنين الثكالى .. ونَوح الحزانى .. وضجيج البائسين ..
ثــــــم تـــضــــجّ فـــــــي لــهــوهـــا
وتــتــقــلّـــب بــــيـــــن الأنــــغـــــام
وتــــرقــــص عــــلــــى الــــجـــــراح
اعتصر قلبي ألمـاً حينما رأيت تكريم أمتي وحفاوتها بِـ " مخنّـث " !
أيُعقل أن يُستقبَل من مثّل بلادي في " عـار " وأي عار ؟
كان حقّـه أن يُقام عليه الحد ، أو يُعزّر ..
أو يُطرد من بين البيوت ! امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم .
روى البخاري عن ابن عباس قال :
لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال ، والمترجلات من النساء ، وقال :
أخرجوهم من بيوتكم . قال : فَأَخْرَج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا ، وأخرج عمر فلانا .
قال الإمام البخاري في تبويبه : باب نَفْي أهل المعاصي والمخنثين .
إنه لَعَار على بلادٍ عربية أن يُستَقْبَل فيها ذلك الذي لا يَمُتّ لها بِصِلة لا في مظهر ولا في مَخبَر ..
هـــــــذا لـــــــو كــــانــــت بــــــــلاداً عــربـــيـــة
فــكــيـــف بـــهــــا وهــــــــي بــــــــلاد أبــــيّــــة ؟
فــكــيـــف بـــهــــا وهـــــــي مــهــبِـــط الـــوحــــي ؟
وهالِني إذ رأيت صفحة كاملة خُصِّصَتْ لبث أخبار ذلك المخنّث !
في الوقت الذي تُهدد فيه جماعة من اليهود باقتحام المسجد الأقصى
وفي الوقت الذي يُسب فيه نبيّ هذه الأمة
وفي الوقت الذي يُداس فيه القرآن ويُهان
وتكتفي أمتي في زمان الذلّ باستنكار على استحياء !
وتُطالِب بمليون توقيع !
ثم ماذا ؟!
ثم تذهب أدراج الرياح
ويُترَك الكافر ( يهوديا كان أو نصرانيا ) يذهب ويَجيء ! يَغدو ويَروح
كم والله تعتصرنا الآلام حينما نتذكر ما كان يُسمى بـ ( الرَّجُل المريض )
كانت الدولة العثمانية – على ما فيها – في أواخرها تُسمى : الرَّجُل المريض
وفي المقابِل كانت بريطانيا تُسمى : ( الدولة التي لا تَغيب الشمس عن ممتلكاتها )
وهذان الوَصْفَان كافِيان في تصوّر الحال قوّة وضعفا .
آنذاك .. رسم رسّام ( كاريكاتوري ) بريطاني ، رَسَم دِيكاً وتسع دجاجات خلْفَه ،
[ يُشير لعنه الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه ]
فانتفضَتِ الدولة العثمانية ( الضعيفة الهزيلة ) وطالَبَتْ بِمحاكمة الرسّام وتسليمه للدولة العثمانية ..
وحُوكِم الرّجل ، وقدّمت الصحيفة اعتذاراً ، بل قدّمته الدولة التي لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها !
وفي زمان مضى تجرأ رئيس نصراني فكَتَب إلى خليفة المسلمين ، كَتَب إلى هارون الرشيد
فما كان من هارون الرشيد إلا أن قَلَب الكِتاب ، وكَتَب خلفه :
من هارون أمير المؤمنين إلى ( نقفور كلب الروم
) قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة ، والجواب ما تراه دون ما تسمعه .
ثم شَخَصَ من فوره وسار حتى نزل بباب هرقلة ففتحها واصطفى ابنة ملكها
وغنم من الأموال شيئا كثيرا ، وخَرّب وأحرق
فَطَلَبَ نقفور منه الموادعة على خراج يؤديه إليه في كل سنة ، فأجابه الرشيد إلى ذلك .
[ تاريخ الطبري ، المنتظَم ، والكامل ، البداية ] .
ولما كَتَب الأذفونش إلى الأمير أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن
كتاباً رد عليه الأمير بأن مزّق كتابه
وكَتَبَ على ظهر قطعة منه :
( ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ )
الجواب ما ترى لا ما تسمع .
ثم أمَرَ بِكُتُبِ الاستنفار ، واستدعى الجيوش من الأمصار ، وضرب السرادقات بظاهر البلد من يومه
وجمع العساكر وسار إلى البحر المعروف بـزقاق سَبتة ، فَعَبَرَ فيه إلى الأندلس وسار إلى أن دخل بلاد الفرنج
وقد اعتدّوا واحتشدوا وتأهبوا ، فكسرهم كسرة شنيعة ، وذلك في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة [وفيات الأعيان ] .
فلله درّه :
ولا كتب إلا المشرفية عنـده ولا رسل إلا الخميس العرمرم
هكذا عَـزّتْ أمة الإسلام في أوربا ، حينما كان الجواب في المهند والحسام
ثم ما لبثتْ أن كان الجواب : دفع جزية ! وتحالفات مع العدوّ ! ورقص وطَرب
فَخَرج آخر أمرائها يَبكي كالطفل ! توبّخه أمّه .. ويذرف دمعه !
فَكَم تحتاج الأمة إلى أن تستعيد تلك العزّة ، وتتسنّم تلك الكرامة ؟!
تَحتاج هَـمّ وهِـمم
كم بين هـمٍّ وهَـمّ ؟
حينما كان الهمّ تعبئة الجيوش أفلحنا
وعندما أصبح الهمّ تعبئة الجيوب خسرنا !
وفَرْق أيما فرْق بين تعبئة الجيوش وبين تعبئة الجيوب !
همّ أناس في مصالح أمّتهم
وهمّ آخرين مصالحهم الشخصية !
أسلافُنا أعدّوا العُدّة
ونحن عَددنا العَدد ..
فأعجبتنا كثرتنا ، إلا أنها غثاء ..
فماذا صنعت أمـة المليار أمام إهانة نبيِّها وكتاب ربِّـها ؟
إن لم تنتفض الآن فمتى تنتفض ؟!
أما والله لن تُفلِح أمة الإسلام براقص ماجِن ، ولا بِمُغنٍّ مُخنّث ، ولا بِلاعِب ضائع !
ولا بِمنطق الرويبضة ونُطقِـه !
ولا أن يَسود القبيلة مُنافِقوها !
ولن يُفلِح ولن يَصلُح آخر هذه الأمـة إلا بما صَلَح به أوّلها .
ولا استعزّت الأمّـة إلا يوم أن أخذت بمعاقد العِـزّ
ولا انتصرتْ إلا يوم أن أخذت بأسباب النصر
أوَ ما كنتِ إذا البغي اعتدى موجةً من لهيب أو مِن دمِ ؟
أوَ ما :
كنا جبـالا فـي الجبـال وربمـا ** سرنا على مـوج البحـار بحـارا
بمعابـد الإفرنـج كــان أذانـنـا ** قبـل الكتائـب يفتـح الأمـصـار
لم تنـس أفريقيـا ولا صحراؤهـا ** سجداتنـا والأرض تقـذف نـارا
وكأن ظـل السيـف ظـل حديقـة ** خضراء تنبـت حولنـا الأزهـار
ورؤوسنـا يـا رب فـوق أكفنـا ** نرجـو ثوابـك مغنمـا وجـوارا
أم من رمى نار المجوس فأُطْفِئـت ** وأبـان وجـه الحـق أبلـج نيـرا
ومن الذي بـذل الحيـاة رخيصـة ** ورأى رضاك أعز شيء فاشتـرى
نحن الذيـن إذا دُعـوا لصلاتهـم ** والحرب تسقي الأرض جاما أحمرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز وكبروا ** في مسمع الـروح الأميـن فكبـرا
وقول الله أصدق وأبلغ :
( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ..
اللهم هيئ لأمة الإسلام من أمرها رشدا
وانصرها على عدّوها
الشيخ عبد الرحمن السحيم