لم تكن صلاة يوم الجمعة 11 فبراير كأى جمعة أخرى، فقد أداها المتظاهرون أمام «قصر العروبة» بمصر الجديدة ما بين أسوار الأسلاك الشائكة وفوهات المدافع المصوبة إليهم وبنادق القناصة الرابضين فوق سطح القصر، على الرغم من ذلك لم يتسرب الخوف إلى قلوب المتظاهرين للحظة واحدة، وأدوا الصلاة بخشوع بعد خطبة لا تنسى ألقاها أحدهم مؤكداً فيها على أن «مبارك» سيلاقى نفس مصير جميع من سبقوه من طغاة، وكأنه شعر بما كان يخبئ هذا اليوم لمصر.
مرت ساعات النهار فى هدوء لم يقطعه سوى الهتافات المطالبة برحيل ومحاكمة مبارك، حتى بدأ العدد يزداد بحلول الساعة الثالثة عصراً بعد أن انضمت إلى المتظاهرين مسيرة قادمة من مسجد النور بالعباسية، إلا أن مشهد الميدان تغير تماماً بعد ما يقرب من ساعتين، فبحلول الساعة الخامسة مساء قدمت مسيرة ضخمة من ميدان التحرير تضم ما لا يقل عن مائة ألف من المطالبين بالحرية، عندها تحولت مصر الجديدة إلى «ميدان التحرير 2» لا ينقصه سوى ميكرفونات «إذاعة الثورة»، وفوراً بدأ الجميع بالتجهيز لاعتصام بدأوه فى تلك اللحظة، ونصبت أول خيمة أمام القصر فى حين تم إحضار «البطاطين» تمهيداً للنوم فى برد قارص لا يدفئه سوى حرارة الإصرار المتصاعدة من الصدور.
و فجأة أشتعل الميدان وأخذت أعلام مصر ترفرف فى سماء قصر طالما كان شاهداً على حاكم ونظام استضعف شعبه، ليصبح اليوم شاهداً على انتزاع هذا الشعب لحريته، فبمجرد إعلان خبر تنحى الرئيس صرخت الجماهير بهتافات الحرية، وخرّ العديدون سجداً لله، ثم انطلق الجميع عائدين إلى ميدان التحرير على الرغم من أنهم لم يلتقطوا أنفاسهم بعد، ليكونوا أبطالا فى مشهد لن تنساه مصر للأبد.