خالد صلاح يكتب: طظ فى حضرتك
السبت، 19 فبراير 2011
خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع
هل سيادتك من النوع الذى كان يجلس على الكيبورد فى التكييف، ويستخدم اسماً مزيفاً على الإنترنت مناضلاً فى السر حتى لا تخسر وظيفتك أو راتبك أو عائلتك، بينما الصحفيون يدفعون ثمناً غالياً كل يوم أمام السلطة فى النظام السابق.
وهل سيادتك من النوع الذى كان (يتسول حقوقه بالاستغاثات للسيد الرئيس المخلوع)، بينما رؤساء تحرير الصحف المستقلة والحزبية يقضون حياتهم أمام النيابة فى بلاغات السب والقذف، ويتعرضون للمضايقات الأمنية ليلاً ونهاراً، ويتحملون مسئولية تقديم المعلومات الصحيحة لك ولأسرتك وللمجتمع، بينما أنت لا تعلم كيف يلاعبون الأفاعى فى كل مؤسسة أمنية وسياسية ورسمية فى هذا البلد.
إن كنت أنت من هذا الصنف ولا تعرف ما كان يجرى من قهر، وما كان يدور من توازنات بين القوى فى النظام البائد، فأنا أقول لك (بالفم المليان) طظ فى حضرتك، أيوه طبعاً، طظ فى حضرتك، لأنك ببساطة تريد النضال الآن على قفا الناس بأثر رجعى، وتتصور أنك الأفضل والأهم، وأنك من صناع الثورة، بينما فى الحقيقة لم يصنع هذه الثورة سوى هؤلاء الذين كانوا يلاعبون الأفاعى فى السلطة، أملاً فى أن تصل كلمة الحق ولو بشق الأنفس، وبالتوازن الدقيق بين كل المؤسسات السياسية والأمنية والمالية فى البلد.
إن كنت تجهل سيادتك حجم المشقة التى تحتاجها صحيفة مثل "اليوم السابع" أو أى صحيفة مستقلة أخرى حتى تضمن لسيادتك أن تشترى نسخة من الجريدة تقول لك الحقيقة، وتقدم لك كل المعلومات، أو تدخل على الموقع وتقرأ معلومة صحيحة فى زمن السيطرة الكاملة لأمن الدولة على مقدرات الأمر فى البلد، فأنا أقول لك مرة ثانية طظ فى حضرتك.
وإن كنت تجهل الثمن الذى كنت أدفعه أنا وزملائى من رؤساء التحرير من أعصابنا ومن قدراتنا الذهنية ومن وقتنا، ومن وقوفنا أمام السلطة وأمام أجهزة التحقيق القضائية كل يوم تقريباً حتى نضمن لسيادتك أن تدخل من بيتك الآمن وباسم مزيف على الإنترنت وتقرأ خبراً صحيحاً أو تكتب تعليقاً ساخناً باسمك المزيف يبقى بردو (طظ فى حضرتك).
أقول ذلك بأعلى صوتى الآن، لأن هناك من ينسى نفسه بعد الثورة، وينسى ما الذى كان يقدمه هو، وما الذى كنا نقدمه نحن فى الصحافة؟
هل تعرف سيادتك ما معنى أن تؤسس لصحيفة يمولها مستثمرون من القطاع الخاص كل أعمالهم تحت رحمة الدولة وتحت سلطة قرار واحد من رجال البطش فى السلطة السابقة؟ هل تعرف سيادتك معنى أن تعمل بحرية وتضمن لنفسك ولزملائك الحد الأقصى من حرية التعبير، وتدفع أنت الثمن وحدك من جهدك وعرقك وقدراتك على ملاعبة الأفاعى؟
هل تعرف سيادتك مثلاً ما الذى كان يجرى فى "اليوم السابع" بعد الحكم على زميلى علام عبد الغفار بالسجن خمسة عشرة عاماً لمجرد أنه نشر مستندات سلمها له أحد العاملين فى هيئة حكومية، وتمت إدانة علام بهذا الحكم المشدد؟ هل تعرف ماذا جرى لكى نتمكن من الإفراج عن علام؟ هل تعرف حجم الاتصالات التى أدارها "اليوم السابع" وحجم التوازنات التى جرت حتى لا يدفع علام ثمناً من حياته وشبابه، لأنه أراد لك أن تعرف الحقيقة؟
هل تعرف سيادتك ما الذى كان ينبغى علىّ أنا شخصياً أن أفعله حتى ينجو الزميل محمد البديوى من تهمة التخريب فى منشآت عامة، وضرب أحد البلطجية فى جامعة عين شمس، هل تعرف أنت كيف يمكن الإفراج عن صحفى اعتقلته مباحث أمن الدولة خلال تغطية الانتخابات، وكيف يمكن تأمين عمل مراسلى الصحف فى المحافظات دون أن يتعرضوا للبطش والقهر والاعتداء، سواء من المباحث أو من البلطجية من أعوان المباحث؟
أقول لك طظ فى حضرتك إذا كنت من هذا النوع الذى يتوهم أننا لم نكن نلاعب الأفاعى حتى نضمن لك معلومة صحيحة، وطظ فى حضرتك إن تصورت أننا لم نكن ندفع ثمناً من أجلك، ومن أجل بلادنا حتى تظهر صحيفة بحجم "اليوم السابع" وبمصداقيتها وشجاعتها إلى النور، وتعمل بكل هذا الطاقم الهائل فى خدمة سيادتك؟
أنا لا أخاف منك يا سيدى، لأنك مزيف ولست حقيقياً، ولا أخاف منك لأنك تعمل باسم غير حقيقى من وراء الكيبورد، ولم تتشجع أبداً للنزول إلى الشارع إلا عندما فوجئت بثوار يناير بهذا العدد الهائل فى الميادين، ولم تتشجع أيضاً إلا حينما أدركت أن رجالاً من أمثال الصحفيين هنا فى "اليوم السابع"، و"المصرى اليوم"، و"الشروق"، و"الدستور"، و"الوفد"، و"الأهالى"، و"العربى "الناصرى"، و"الأسبوع"، و"الفجر"، و"الخميس" يقفون إلى جوارك ويدافعون عنك ويرفعون صوتهم بصوتك، كنا نحن جاهزون لكى ندفع الثمن، أما سيادتك فكنت تناضل وراء الكيبورد وتتخفى وسط الملايين التى خرجت من الشارع تطالب بإسقاط النظام، أما نحن فكنا نعرض حياتنا واستثماراتنا وأكل عيشنا كله للخطر والتهديد وقطع الأرزاق، والرمى فى السجن.
طظ فى سيادتك يا فندم، لأنك لم تكن مثلى تبحث عن ضمان مالى لكى تستمر "اليوم السابع" فى العمل وسط رجال أعمال جبناء لا يستطيعون الرهان على المستقبل، ويخافون من أن يبطش بهم رجل فى أمن الدولة أو قيادة تنظيمية فى الحزب.
طظ فى سيادتك يا أستاذ إن كنت تتصور أننا لم نكن نلاعب الأفاعى ليلاً ونهاراً حتى نضمن تصريحاً بالتغطية أو توازناً بين المؤسسات المختلفة، أو مصالحات مزيفة مع رجال كنا نعرف أنهم رموز للاستبداد، بينما نحن نراهن على الإصلاح ودفع البلاد خطوة خطوة إلى الأمام قبل أن تأتى ثورة الملايين فى يناير لتقلب الموازين.
طظ فى سيادتك يا فندم، إن ظننت أنك أشجع من أعضاء مجلس إدارة "اليوم السابع" أو "المصرى اليوم" أو "الشروق" أو أى من الصحف المستقلة، لأن هؤلاء دفعوا من أموالهم ومصالحهم ثمناً لحريتك حتى حانت لحظة الانفجار الثورى فى الشارع، ومن قبل الخامس والعشرين من يناير كان هؤلاء هم طليعة النضال، ولم يكن لهم سيف يحميهم سوى التوازن بين رجال الدولة، وسوى ضبط إيقاع استخدام الحرية فى هذا الهامش الضيق الذى استثمرناه نحن بالحد الأقصى، طظ فى سيادتك إن كنت تجهل هذه الحقيقة.
طظ فى سيادتك إن حاولت إقناعى الآن أن الصحف المستقلة والفضائيات المستقلة التى خرج بعض منها بأموال رجال من الحزب الوطنى نفسه لم يكن لها دور فى إقناعك بأهمية التغيير بعد أن كشفت أمامك الفساد والسرقة، وحاربت الكثير من رموز الاستبداد، هل سيادتك عرفت ذلك لوحدك أم أننا قمنا بنشر هذه المعلومات لحظة بلحظة حتى تعرف أنت ما ينبغى أن تعرفه.
طظ فى سيادتك إن كنت تتصور نفسك أشجع من نجيب ساويرس أو حسن راتب أو أحمد بهجت أو السيد البدوى أو إبراهيم المعلم أو صلاح دياب أو وليد مصطفى أو نصيف قزمان أو غيرهم من رجال الأعمال الشرفاء، الذين راهنوا بمصالحهم واستثماراتهم على الحرية، وعلى الليبرالية، وعلى نهضة المجتمع، وكانوا يتحصنون فقط بما يملكونه من قدرات فى التوازن، بينما يتعرضون لضغوط هائلة من كل حدب وصوب، ويلاعبون الأفاعى فى السلطة، ويستغلون تضارب المصالح فى دائرة الاستبداد ليتمكنوا من العطاء الإعلامى الحر فى مصر.
أنت تريد أن تكون بطلاً الآن بعد نجاح الثورة ورحيل النظام، وتنسى ما الذى كنت تفعله أنت حتى تحصل على حقك وسط الفساد والاستبداد، وتنسى أيضاً ما الذى كنا نقوم به نحن فى الصحف الخاصة حتى نضمن لك الحقيقة ولا شىء غيرها، وأنت تريد أن ترى نفسك ملاكاً الآن ثائراً مناضلاً، فى حين أنك نسيت هذا الوقت الذى كنت تخفى فيه اسمك وهويتك على شبكة الإنترنت، بينما نحن نكتب بأسمائنا وبهوياتنا ونعرض أرزاقنا وعائلاتنا للخطر ولا سبيل أمامنا إلا ملاعبة الأفاعى.
هل تعرف سيادتك ما الذى يدفعه رجال الأعمال الذين يمولون الصحف الخاصة؟ وكم يخسرون من أعمالهم؟ وما الضريبة التى يسددونها فى سبيل الحرية؟ وما التوازنات التى ينبغى عليهم حسابها فى العصر السابق؟
هل تعرف سيادتك، أنه لم يكن يمكن على الإطلاق صدور صحيفة أو محطة تليفزيونية بدون تصريح من أمن الدولة، وتصريح من أجهزة أخرى أكبر من أمن الدولة، وموافقة كل جهات الاستبداد السياسى والأمن فى البلد؟
هل تعرف حضرتك معنى أن تدير صحيفة بها أكثر من ثلاثمائة صحفى وموظف، وتريد لها أن تقول كلمة حق، وتعمل من أجل الإصلاح؟
هل تعلم حضرتك معنى أن تخطط لصحيفة ليبرالية تضمن وجود كافة الأطياف السياسية فى الأمة من إخوان مسلمين وشيوعيين وناصريين ووفديين وعلمانيين، دون أن تحتك بعنف بالأجهزة الأمنية التى تستطيع إغلاق الصحيفة أو تستطيع تأليب رجال الأعمال الجبناء من المساهمين لسحب استثماراتهم أو إعلاناتهم، وتضرب أنت ومن معك رأسك فى الحائط؟
أنت لا تعرف شيئاً عن النظام السابق يا سيدى، ولا تعرف كيف كان يدير هو الملفات، ولا كيف كنا نتعامل نحن فى الصحافة مع هذه الملفات، أنت لا تعرف، لأنك قضيت كل حياتك مناضلاً باسم مزيف من غرفة نومك من وراء الكيبورد، حتى جاءت الثورة لتحررنا جميعاً من كل هذه الأعباء، والآن يا سيدى لا يمكنك محاكمتى ولا محاكمة أى من زملائى فى هذ المهنة الذين لاعبوا الأفاعى من أجلك لسنوات طويلة، وإن صدقتنى يا سيدى فشكراً لك، وإن لم تصدقنى فإننى أقولها لك للمرة المليون (طظ فيك).
إن كنت يا سيدى لم تعرف كل هذا، وأصابك العمى، لا قدر الله، عن تقدير الصحف التى عملت فى أصعب الظروف لكى تصل لك بالحقيقة ولم تمنع عنك رأياً أبداً، وأطلقت يديك بالحرية فى المعلومات وإبداء التعليقات، والآن تريد محاكمة هذه الصحيفة على توازنات الماضى رغم كل هذا، فأنا أقولها لك مرة أخرى (طظ فيك).
هذه شجاعتنا بعد الثورة، وهذه نهاية التوازنات السياسية والأمنية فى العهد الجديد أجربها معك أنت رغم الاستبداد الغوغائى الآثم بين الناس، أقول لك الآن إن لم تصدقنى (طظ فى حضرتك).