بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا أما بعد ...
فنرجو قراءة هذا الموضوع قراءة جيدة بتأني وتتدبر
أخواني وأحبائي في الله ..... السلام عليكم ورحمة الله ....
لو سألنا سؤالا وقلنا ...... أيــــن الله ؟؟؟
أغلب الناس لديهم اعتقاد خاطئ في هذه المسألة وهي من المسائل العقدية الهامة التي لا يتم الإيمان إلا بالإيمان بها ، هذا الاعتقاد الخاطئ هو (( أنا الله في كل مكان )) تعالى الله عن ذلك علو كبيرا ، وقبل البدء نود أن ننوه على أمور هي من القواعد المهمة في فهم هذه المسألة والإيمان بها وهي:
- أنه لا يوجد أحد أعلم عن الله وأسمائه وصفاته من الله عز وجل فكل ما نعرفه عن الله هو ما أخبرنا سبحانه وتعالى به عن نفسه وأسمائه وصفاته في كتابه العزيز القرآن الكريم .
- أنه لا يوجد أحد أعلم عن الله وأسمائه وصفاته بعد الله عز وجل من رسوله صلى الله عليه وسلم فهو الموحى إليه من الله فأخبرنا صلى الله عليه وسلم عن الله وأسمائه وصفاته في أحاديثه الشريفة.
- إذن مصدر حديثنا هو الكتاب العزيز وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وليس مجال للعقل في هذه المسألة لأن العقل قاصر على أن يدرك أو أن يصل إلى الله جل وعلا بغير القرآن والسنة.
أيــــن الله ؟؟؟
أخبرنا سبحانه أنه في السماء ، مستو على عرشه قال تعالى (( ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ، أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير )) سورة الملك الآية 16و17
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه في السماء ، ففي صحيح مسلم وسنن أبي داوود : أن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه ضرب جارية له لتقصيرها في الحفاظ على أغنامه ، ثم ندم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نادما يستأذنه في إعتاقها ، فطلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألها : أين الله ؟؟ قالت : في السماء . قال : من أنا ؟؟ قالت : رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنه . فهنا شهد الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية بالإيمان على ردها وإجابتها الصحيحة .
وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم المريض أن يدعو لنفسه أو يدعو له أخوه بهذا الدعاء – وفيه النص على أن الله جل وعلا في السماء - ( ربنا الله الذي في السماء تقدس أسمك ، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض ، اغفر لنا حوبنا وخطايانا ، أنت رب الطيبين ، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ )
وفي حديث عبد الله ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من السماء )
ومعنى ( في السماء ) في النصوص السالفة
ليس المراد بأن السماء تحويه – سبحانه وتعالى عن ذلك – بل المراد بالسماء العلو والفوقية ودليل ذلك أنه قال صلى الله عليه وسلم ( ارحمو من في الأرض ) وفي الأرض تعني من على الأرض وإلا كان المعنى أرحموا من في الأرض من الدود والحشرات والهوام وهذا معنى غير صحيح بل ( من في الأرض ) أي من فوق الأرض ومن على الأرض ، فقد وصف نفسه سبحانه بأنه هو الأعلى فقال (( سبح اسم ربك الأعلى )) سورة الأعلى الآية 1 وقال (( وسع كرسيه السماوات والأرض وهو العلي العظيم )) سورة البقرة الآية 255 .
وأخبر تعالى أنه فوق عباده فقال (( يخافون ربهم من فوقهم )) سورة النحل الآية 50 ، وقال أيضا جل وعلا (( وهو القاهر فوق عباده )) سورة الأنعام الآية 18 ، وكانت زينب تفخر على زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول ( زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات ) . ولا يمكن لمسلم يفقه عقيدته حق الفقه أن يظن أن الله في السماء بمعنى أن السماء تحويه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، كيف والسماوات ليست بشيء بالنسبة إليه سبحانه قال تعالى (( والسماوات مطويات بيمينه )) سورة الزمر الآيه 67 وقال تعالى أيضا (( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب )) سورة الأنبياء الآية 104
اذن فالله جل وعلا فوق السماوات السبع مستو على عرش أي فوق عرشه ، وقد امتدح الرب جل وعلا نفسه بأنه مستو على عرشه بقوله (( طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، إلا تذكرة لمن يخشى ، تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى ، الرحمن على العرش استوى )) سورة طه 1-5 وقوله (( هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش )) سورة الحديد الآية 4 وامتدح نفسه في أكثر من آيه بأنه صاحب العرش (( ذو العرش المجيد ، فعال لما يريد )) سورة البروج الآية 15-16 وقال أيضا (( إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا )) سورة الإسراء الآية 42 ، وامتدح نفسه بأنه رب العرش فقال (( عليه توكلت وهو رب العرش العظيم )) سورة التوبة الآية 129 وقال جل وعلا (( فسبحان الله رب العرش عما يصفون )) سورة الأنبياء الآية 22 وقال عز من قائل (( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ، سيقولون لله قل أفلا تتقون )) سورة المؤمنون الآية 86-87 .
وأيضا كما هو معلوم في حديث المعراج أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصل إلى ربه بعد السماوات السبع عندما قال له جبريل تقدم ، فهذا دليل قاطع على أن الله جل وعلا فوق السماوات السبع وليس في كل مكان كما يعتقد الكثير من الناس ..
هذا والأدلة كثيرة جدا على أن الله تعالى فوق السماوات السبع فوق عباده ظاهر عليهم لا يسع المقام لسردها ولكن يمكن أن نصنفها كما يلي :
1. الأدلة الدالة على أنه في السماء وقد ذكرناها .
2. الأدلة الدالة على أنه مستو على العرش ( أي علاه وفوقه ) وقد سبقت .
3. الأدلة الدالة على علوه جل وعلا ، وأنه فوق عباده وقد ذكرنا طرفا منها .
4. النصوص الدالة على أن بعض مخلوقاته عنده قال سبحانه (( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته )) سورة الأعراف الآية 206 وقال في الشهداء (( بل أحياء عند ربهم يرزقون )) سورة آل عمران الآية 169 والنصوص كثيرة .
5. النصوص المخبرة برفع بعض الأشياء أو عروجها وصعودها إليه كالآيات المصرحة برفع سيدنا عيسى عليه السلام قال تعالى (( بل رفعه الله إليه )) سورة النساء 158 وصعود الأعمال إليه قال تعالى (( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )) سورة فاطر 10 والنصوص المخبرة بصعود الملائكة إليه قال تعالى (( تعرج الملائكة والروح إليه )) سورة المعارج 4 والنصوص المخبرة بصعود أرواح المؤمنين قال تعالى (( إن الذين كذبوا بآيتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء )) سورة الأعراف 40 فدل النص على أن المؤمنين تفتح لهم أبواب السماء خلافا للمشركين .
6. ومنها إخباره بإنزال الملائكة من عنده سبحانه قال تعالى (( ينزل الملائكة بالروح من أمره )) سورة النحل 2 وإخباره بإنزال الكتب قال تعالى (( وهذا كتاب أنزلناه مبارك )) سورة الأنعام 92 .
7. ومنها رفع الأيدي والأبصار إليه وقد وردت أحاديث كثيرة ذكر فيها رفع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء وكل من حزبه أمر فانه يرفع يديه إلى العلو يدعو الله جل وعلا ، ومن ذلك إشارته صلى الله عليه وسلم بأصبعه إلى العلو في حديث حجة الوداع عندما قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء ثم ينكتها إلى الناس : ( اللهم أشهد ، اللهم أشهد )
8. وان أحببت المزيد من ذكر الأدلة وأقوال السلف فراجع ما جمعه أهل العلم في مدوناتهم في هذا الموضوع .
ومن أخطاء الاعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى في كل مكان أننا بذلك نجعل لله حيز لا يتعداه – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – فالمكان خلق من خلق الله محدود و حاشا لله أن يحويه شيء من خلقه .
علوه سبحانه لا ينافي قربه :
فهو قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، يعلم سره ونجواه ، وهو أقرب إلى داعيه من عنق راحلته ، ويعلم ما توسوس به نفسه ، وهو أقرب إليه من حبل الوريد ، وهو يعلم السر وأخفى ويعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، وهو مع خلقه بعلمه وقدرته لا تخفى عليه منهم خافية ، وما يعزب عن ربك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، فهو سبحانه القريب في علوه ، العلي في دنوه / وهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو العلي العظيم .
كما نرجو من كل من استشكل عليه أمر في هذا الموضوع بأن يشاركنا بسؤاله حتى نبين له إن شاء الله جل وعلا.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
__________________