قد يكون الهرم شكلاً هندسياً بالنسبة للكثيرين ، ولكن هذا الهرم يرمز للأمم حيث تبدأ صغيرة ثم تبلغ ذروة مجدها ويلي ذلك أفولها و زوالها بل إنه يرمز إلى حياة الإنسان ، حيث يبدُ صغيراً ثم يصل لأوج قوته فيعود للضعف مرة أخرى ماراً بجميع مراحل حياته منتهياً إلى خلاصة تجاربه في سن الشيخوخة ، وهو سن الترجل عن الصهوة وترك العمل ليبتدئ مرحلة جديدة هي مرحلة التقاعد.
وقد اعتادت الأذن على سماع هذا المصطلح بالرغم من السلبية التي ينضح بها ولا يوجد مصطلح آخر لهذه العملية، و هو مصطلح جديد نسبياً مترجم من اللغة الإنجليزية ظهر في القرن السابق تزامنا مع ظهور العملية ، أما الفعل تقاعد فهو مشتق من الفعل قعد ، و يعني الجلوس أو الامتناع وهو يقابل الفعل "retire" بالإنجليزية ، و يعني التوقف عن العمل في نهاية الحياة العملية أما المعاش التقاعدي الذي يقابله مصطلح "pension" ، فيعني مقداراً من المال تدفعه الحكومة أو الشركة بانتظام لشخص يعتبر كبيراً في السن أو مريضاً بحيث لا يستطيع اكتساب المال بالعمل.
و إضافة إلى ما ينطوي عليه هذان المصطلحان من انتقاص فهما يتصاحبان مع كلمات أخرى أشد وقعاً مثل الإحالة والعجز وكأننا نجازي العمل المتواصل والكفاح المستمر بالإجحاف في تشكيل المصطلح بداية امتداداً إلى العملية بأكملها.
نقلة.. للفراغ!
حينما يتقاعد الإنسان ينتقل مباشرة من اللافراغ إلى الفراغ حينها ينتقل من العمل والتزاماته ومن النهوض باكراً إلى الجلوس في المنزل ، وقد يعجب هذا الوضع البعض ولكنه لا يعجب الكثيرين فبعد شهر أو شهرين يبدأ الملل والإحساس بالفراغ الذي ينصب دوما على إثارة المشاكل في المنزل ، إضافة للوضع النفسي للمتقاعد فقد يحس بانعدام القيمة وعدم القدرة على الإنتاج وانتقاص الذات فبعد المركز الوظيفي الذي شغله والهيبة الاجتماعية التي امتلكها يشعر بأنه تجرد من ذلك تماما ، كما أن الإنقاص من الدخل حين الانتقال من راتب الوظيفة إلى معاش التقاعد له تأثيره السلبي على المتقاعد وأسرته ، وبذلك لا بد من قيام المتقاعد وأسرته وجهة عمله باستراتيجيات عديدة للتخفيف من وطأة التقاعد ولاستهلال هذه المرحلة بأوضاع مناسبة ومريحة نفسياً ومادياً.
يعد الدعم النفسي من العائلة من أكثر الأمور أهمية لامتصاص التوتر الذي يحل بالمتقاعد خاصة في المرحلة الانتقالية من خلال استشارته في الأمور المنزلية والقرارات الشخصية لأفراد العائلة و إشعاره أن قيمته فعلية بين أفرادها وأنه العنصر الأساسي في وجودها والاعتماد على خبراته وتجاربه قدر المستطاع بالإضافة إلى الاهتمام بحالته الصحية ، فالشخص الذي يبلغ 60 عاماً يحتاج إلى عناية خاصة فهناك العديد من الأمراض التي تتصاحب مع كبر السن فلا بد من عمل الحميات الغذائية اللازمة له وتذكيره بمواعيد الدواء إن وجد وكلما ازداد العمر ازدادت الحاجة للرعاية الصحية.
بعد ثلاثين أو أربعين عاما من العمل المتواصل يستطيع الموظف الذهاب إلى مقر عمله لا شعورياً من شدة ما اعتاد على ذلك الروتين ومن هذا المنطلق يصعب تغيير ذلك بشكل مفاجئ ، بل لا بد من التدرج في ترك العمل. وفي الولايات المتحدة الأمريكية هناك قبول و استخدام واسع للتقاعد المرحل (على مراحل) ، وفي بحث أمريكي شمل 600 فرد من المتقاعدين أو الموظفين في مرحلة ما قبل التقاعد ولدوا عام 1956م أو قبل ذلك أشار ما يقارب اثنين من بين عشرة أنهم لم يتوقفوا عن العمل مرة واحدة عندما تقاعدوا من وظيفتهم الأساسية وبدلاً من ذلك خفضوا الساعات تدريجياً قبل التوقف الكامل وقد يكون ذلك التدرج من خلال عملهم الأساسي أو من خلال أعمال أخرى (جسرية) في مكان آخر بعد ترك العمل الأصلي ، و يذكر ثلثا العاملين الحاليين أنهم سيكونون مهتمين جداً أو مهتمين نوعا ما في التقاعد الممرحل المتدرج عندما يتم إدخال هذا المفهوم دون إدراجه مع المعاش بينما تكون نفس النسبة مهتمة في القدرة على الخفض التدريجي لساعات العمل إذا تصاحب ذلك مع جمع جزء من معاشهم التقاعدي ولا يوجد هناك تدرج منظم للتقاعد في العالم إلا في أماكن محدودة ولكنه بدأ في الزيادة لإحساس أصحاب العمل بأهميته النفسية وأثره الرجعي على التقاعد والمتقاعد.