ولم يكن وضع المرأة عند الرومان بأحسن حالًا من أختها عند اليونان، فهي عندهم مملوكة للأب ثم للزوج، مكبلة الحرية مقيدة التصرف، تعامل هي كإرث، ولا ترث أبًا ولا زوجًا.
وعند اليهود كانوا يعتبرون المرأة نجسة خصوصًا أثناء الحيض أو النفاس، لذلك كانوا يعزلونها في مكان وحدها ويبعثوا لها الطعام والشراب مع الخادم الذي يحرص على ألا يمسها حتى لا يتنجس!!
أما في الجزيرة العربية فقد كانت المرأة أحسن حالًا من هؤلاء النسوة، إلا أن الظلم قد طالها هي الأخرى، فكثير من العرب كانوا يكرهون إنجاب البنات ويغتمون وتسودّ وجوههم إذا ولدت لأحدهم بنت، وبعض القبائل كانوا يئدون بناتهم أي يقتلونهن أحياء بالدفن في التراب..! [أخطاء شائعة في تربية البنات، عادل فتحي عبد الله ص(9)].
وفي الإسلام عرفت الفتاة العدل والإنصاف..!
ابنتي زهرة..
لقد جاء الإسلام وقد بلغ تردي الحال بالمرأة أن بعض الناس ينكرون إنسانيتها، فجاء الإسلام ليؤكد إنسانيتها، ويعلن للعالم كرامتها على ربها إن اتقت وأحسنت، وإذ بآيات القرآن الكريم تتنزل تتوعد من كانوا يئدون المرأة ويسلبونها حقها في الحياة، قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير 8-9]،
وتعيب على من يتشاءم ويتضايق بإنجاب البنات، قال تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:58- 59]،
وتقرر أن الله عز وجل هو الوهّاب المتصرف في خلقه بالرزق والذرية، قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49- 50].
يقول ابن القيم في تعليق رائع له على هذه الآية الكريمة، قال رحمه الله:
(قسم الله سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود، وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه، وكفى بالعبد تعرضًا لمقته أن يتسخط ما وهبه، وبدأ سبحانه بذكر الإناث:فقيل جبرًا لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن، وقيل- وهو أحسن- إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه سبحانه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوين..! فإن الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالبًا وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاءء، فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان.
وعندي وجه آخر: وهو أنه قدّم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات حتى كانوا يئدونهن، أي:هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي في الذِكر، وتأمّل كيف نكّر الله سبحانه الإناث وعرّف الذكور فجبر نقص الأنوثة بالتقديم، وجبر نقص التأخير بالتعريف). [أحكام المولود، ابن القيم، ص(20)].
وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالبنت وحفاوته بها:
أما الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فقد رفع مكانة المرأة المسلمة وانتصر لها، مبينًا ذلك أحسن البيان بقوله وفعله، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تَكْرهوا البنات؛ فإنهن المؤنسات الغاليات) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة للألباني، رقم(3206)].
وكانت سيرته مع بناته وزوجاته نموذجًا عمليًا رائعًا في احترام المرأة وتقديرها، وحسن معاملتها، فقد أخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديًثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه) [صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، (947)].
الأجر العظيم في تربية البنات:
لم تقف الشريعة في مواجهة النفس البشرية لتعاكسها وإنما لتهذبها، وتأخذ بناصيتها إلى الحق والعدل، يظهر ذلك بوضوح تام لمن يتأمل في ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم مبينًا فضل تربية البنات والإحسان إليهن، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان له ابنتان أو أختان فأحسن إليهما ما صحبتاه، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ـ يعني السبابة والوسطى ـ) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم(1026)].
وذلك من أجل أن تكون القاعدة هي إزالة لاتصور الفاسد عن البنات وعدم الكراهية لهن، وإحلال الحب لما أحبه الله تعالى ووهبه للوالدين وأن الخيرفيما يختاره الله للعبد لا فيما يختاره العبد لنفسه. [منهج التربية النبوية للطفل، محمد نور سويد، ص(191)]، وتحقيقًا لإنصاف المرأة والإنتصار لها بعد ما عانته من ذل وهوان، وتغيير الصورة الذهنية عن المرأة في عقل المجتمع الجاهلي وقتئذ، إضافة إلى ترغيب النفوس في تربية البنات والفرح بإنجابهن لما يترتب على رعايتهم من الثواب العظيم.
ونالت من الحقوق حتى صارت ملكة متوجة..!