اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة reina
أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري قال: أنبأنا محمد بن الحسين السلمي قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت أبا علي الصفار يقول: سمعت إبراهيم الحربي يقول: قبر معروف الترياق المجرّب.
أخبرني أبو إسحق إبراهيم بن عمر البرمكي قال: نبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري قال: سمعت أبي يقول: قبر معروف الكرخي مجرّب لقضاء الحوائج، ويقال: إنه من قرأ عنده مائة مرة {قل هو الله أحد} [ سورة الإخلاص/1] وسأل الله تعالى ما يريد قضى الله له حاجته.
|
جاء عن بعض العلماء في قبر معروف الكرخي رحمه الله تعالى وهي :
عن إبراهيم الحربي أنه قال : (( قبر معروف يعني الكرخي الترياق المجرب ))
وعن أبي عبد الله المحاملي أيضا أنه قال : (( اعرف قبر معروف الكرخي منذ سبعين سنة وما قصده مهموم إلا فرج الله همه ))
وعن عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري قال : سمعت أبي يقول : (( قبر معروف الكرخي مجرب لقضاء الحوائج ، ويقال: إن من قرأ عنده مائة مرة ?قل هو الله أحد? وسأل الله تعالى ما يريد قضى الله له حاجته ))
استدل بهم محمد عباد السندي في التوسل وأحكامه ص 95 ، وعبد الله الغماري في اتحاف الاذكياء ص 22 ، ويوسف خطار في الموسوعة اليوسفية ص 115 .
قلت : الرواية الأولى قول إبراهيم الحربي أخرجها أبو عبد الرحمن السلمي محمد بن الحسين الصوفي في كتابه طبقات الصوفية في ترجمة معروف الكرخي : (( سمعت أبا الحسن بن مقسم المقرئ ببغداد يقول : سمعت أبا علي الصفار يقول : سمعت إبراهيم بن الجزري يقول معروف الترياق المجرب )) [ ص 81 ].
ومن طريقته أخرجها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ص 122 / 1 ، وبابن الجوزي في كتاب مناقب معروف الكرخي ص 199 – 200 .
قلت : إنفرد بهذه الحكاية أبو عبد الرحمن السلمي شيخ الصوفية صاحب كتاب طبقات الصوفية ، والمقدمة في التصوف وحقيقته ، وقد تكلم فيه العلماء :
قال حاكم : (( كثير السماع والطلب متقن فيه من بيت الحديث والزهد والتصوف )) [ سؤالات مسعود بن علي السجزي ص 65 ] ، وقال الخليلي : (( ثقة متفق عليه من الزهاد له معرفة بدقائق علوم الصوفية وله تصانيف في ذلك لم يسبق اليها )) [ ص 860 – 861 / 3 ] ، وقال ابن الجوزي : (( وكانت له عناية بأخبار الصوفية فصنف لهم تفسيرا وسننا وتاريخا وجمع شيوخا وتراجم وابوابا وله بنيسابور دويرة معروفة يسكنها الصوفية وفيها قبره )) [ المنتظم ص 151 / 15 ]
قال محمد بن يوسف القطان ((كان السلمي غير ثقة وكان يضع للصوفية الأحاديث )) [ الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ص ص 52 / 3 ]
وأورده الذهبي في المغني في الضعفاء وقال : (( صاحب المصنفات تكلم فيه وما هو بالحجة .... وله في حقائق التفسير تحريف كثير )) [ ص 571 / 2 ] وقال : (( وفي القلب مما يتفرد به )) [ ص 119 / 6 ] ، وقال في سير أعلام النبلاء : (( وما هو بالقوي في الحديث )) [ ص 250 / 17 ]
وأورده ابن العجمي الحلبي في الكشف الحثيث فيمن رمي بوضع الحديث وقال : (( وله أربعون حديثا في التصوف رويناها عالية وفيها موضوعات والله أعلم )) [ ص 225 ].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وهو في نفسه رجل من أهل الخير والدين والصلاح والفضل . وما يرويه من الآثار فيه من الصحيح شيء كثير ويروي أحياناً آثاراً ضعيفة بل موضوعة يعلم أنها كذب .
وقد تكلم بعض حفاظ الحديث في سماعه وكان البيهقي إذا روي عنه يقول : حدثنا أبو عبد الرحمن من أصل سماعه وما يظن به وبأمثاله إن شاء الله تعالى تعمد الكذب ، لكن لعدم الحفظ والإتقان يدخل عليهم الخطأ في الرواية فإن النساك والعباد منهم من هو متقن في الحديث مثل ثابت البنان والفضيل بن عياض وأمثالهم ومنهم من قد يقع في بعض حديثه غلط وضعف مثل مالك بن دينار وفرقد السنجي ونحوهما.
وكذلك ما يؤثره أبو عبد الرحمن عن بعض المتكلمين في الطريق أو ينتصر له من الأقوال والأحوال فيه من الهدى والعلم شيء كثير. وفيه أحياناً من الخطأ أشياء وبعض ذلك يكون عن اجتهاد سائغ وبعضه باطل قطعاً مصدره مثل ما ذكر في حقائق التفسير قطعة كبيرة عن جعفر الصادق وغيره من الآثار الموضوعة وذكر عن بعض طائفة أنواعاً من الإشارات التي بعضها أمثال حسنة واستدلالات مناسبة وبعضها من نوع الباطل واللغو .
والذي جمعه الشيخ أبو عبد الرحمن في تاريخ أهل الصفة وأخبار زهاد السلف وطبقات الصوفية يستفاد منه فوائد جليلة ويجتنب ما فيه من الروايات الباطلة ويتوقف فيما فيه من الروايات الضعيفة ... الخ )) [ الرسائل والمسائل ص 36 – 38 / 1 ]
وقال الحافظ في لسان الميزان في لسان الميزان : (( واسم جده موسى وقال الحاكم كان كثير السماع والحديث متقنا فيه من بيت الحديث والزهد والتصوف وقال محمد بن يوسف القطان لم يكن سمع من الأصم سوى بشير فلما مات الحاكم حدث عن الأصم بتاريخ بن معين وبأشياء كثيرة سواه وقال السراج مثله إن شاء الله لا يتعمد الكذب ونسبه إلى الوهم وكان داعية بقول حدثني أبو عبد الرحمن السلمي من أصل كتابه )) [ ص 140 / 5 ] .
إذن اختلفوا في على ثلاثة أقوال التوثيق مطلقا والإتقان وذهب إلى هذا الخليلي في الإرشاد والحاكم كما نقل الحافظ ابن حجر في اللسان ، والرأي الثاني أنه يضع الأحاديث وهذا القول اعتمده أئمة من النقاد مثل ابن الجوزي والعلائي ، والرأي الثالث أنه ضعيف في الحديث لا يحتج بما ينفرد وقال الذهبي : (( وفي القلب مما يتفرد به )) ، وحق للذهبي أن يقول وهذا وقد انفرد بأخبار صار من حجج من تعلق قلوبهم بالمقابر فصار يفزعون إليها في الكرب ليخلصهم أو يفرج عنهم أصحاب القبور كربهم منها هذا الخبر .
قلت : وكذلك في إسناد هذه الحكاية أبو الحسن بن المقسم ، وهو أحمد بن محمد بن يعقوب بن مقسم المقري ، وحاله أسوأ من تلميذ السلمي ، فقد ترجم له الخطيب البغدادي في تاريخه قال : (( وكان يظهر النسك والصلاح ولم يكن في الحديث ثقة )) [ ص 429 / 4 ] وقال حمزة بن يوسف السهمي : (( حدث عن من لم يره ، ومن مات قبل أن يولد )) [ سؤالات السهمي ص 152 ] ، وقال أيضا : (( وسمعت الدارقطني وجماعة من المشايخ تكلموا في بن مقسم وكان أمره أبين من هذا )) [ ص 153 ] ، وقال الخطيب أيضا : (( سألت أبا نعيم الحافظ عن احمد بن محمد بن مقسم فقال لين الحديث سمعت أبا القاسم الأزهري يقول لم يكن أبو الحسن بن مقسم ثقة وقد رايته وسمعته ذكره مرة أخرى فقال كان كذابا )) وقال أيضا : (( وقال بن أبى الفوارس أيضا كان سيء الحال في الحديث مذموما ذاهبا لم يكن بشيء البتة ))[ تاريخ بغداد ص 429 / 4 ] .
ومن خلال ما مر يتبين لك جليا أن هذا الحكاية عن إبراهيم الحربي لا تصح وعلى فرض صحتها ليس فيها دليل على جواز التوسل أو الاستغاثة بالذوات كما هو محل البحث ، وقد فسر الذهبي هذه العبارة فقال : (( وعن إبراهيم الحربي قال قبر معروف الترياق المجرب يريد إجابة دعاء المضطر عنده لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء كما أن الدعاء في السحر مرجو ودبر المكتوبات وفي المساجد بل دعاء المضطر مجاب في أي مكان اتفق اللهم إني مضطر إلى العفو فاعف عني )) [ سير أعلام النبلاء ص 343 – 344 / 9 ] . أي يقول دعاء المضطر مستجاب سواء كان عند قبر معروف الكرخي أو في بيته ، وغاية ما في الأمر أنهم ظنوا – على تقدير صحة الحكاية – أن قبر معروف الكرخي مكان مبارك يستجاب في الدعاء ، وأمر مثل هذا يحتاج إلى نقل ولا يثبت بالتجربة ، والله تعالى أعلم .
أما الرواية الثانية : عن أبي عبد الله بن المحاملي قال : (( اعرف قبر معروف الكرخي منذ سبعين سنة ما قصده مهموم إلا فرج الله همه ))
أخرجها الخطيب ص 123 / 1 والسلفي في الطيورات ح من طريق أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري قال سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن جميع يقول سمعت أبا عبد الله بن المحاملي يقول ..... الحديث .
قلت : أبو عبد الله الصوري قال عنه الخطيب البغدادي : (( وكان صدوقا )) [ تاريخ بغداد ص 103 / 3 ] ، وقال السمعاني : (( وكان من الحفاظ المتقنين والعلماء المتقين )) [ الأنساب ص 565 / 3 ] ، وقال الذهبي : (( قال الصوري في جزء له أخبرنا أبو الحسين بن جميع وكان شيخا صالحا ثقة مأمونا ، وقال الخطيب وغيره ثقة )) [ سير أعلام النبلاء ص 152 / 17 ]
فالسند إلى المحاملي كله ثقات ، وليس في هذا القول دليل على جواز التوسل أو الاستغاثة بالذوات كما هو محل البحث وغاية ما في الأمر كما قال الذهبي (( يريد إجابة دعاء المضطر عنده لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء كما أن الدعاء في السحر مرجو ودبر المكتوبات وفي المساجد )) ، وليس هناك دليل على هذا سوى التجربة وهي ليست من مصادر التشريع في الإسلام ، والأصل بالمهموم والمضطر والمكروب أن يدعو الله عز وجل مباشرة لقوله تعالى : (( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ))[النمل : 62] ، ولقوله تعالى : (( قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ )) [الأنعام : 64] ، فالله سبحانه وتعالى من الذي ينجي وهو الذي يفرج الكروب لا قبر معروف الكرخي ولا غيره من القبور والأضرحة ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أما الرواية الثالثة كذلك أخرجها الخطيب فقال : أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي قال نبأنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري قال سمعت أبي يقول : (( قبر معروف الكرخي مجرب لقضاء الحوائج ويقال إنه من قرأ عنده مائة مرة قل هو الله أحد وسأل الله تعالى ما يريد قضى الله له حاجته )) [ ص 122 – 123 / 1 ] .
قلت : البرمكي قال عنه الخطيب البغدادي : (( وكان صدوقا دينا فقيها على مذهب احمد بن حنبل )) [ ص 139 / 6 ] ، وقال ابن الجوزي : (( وكان صدوقا دينا فقيها على مذهب احمد بن حنبل )) [ المنتظم ص 342 / 18 ] ، وقال الذهبي : (( الشيخ الإمام المفتي بقية المسندين )) [ سير أعلام النبلاء ص 605 / 17 ] ، وقال ابن نقطة : (( الفقيه الحنبلي ثقة )) [ تكملة الإكمال ص 499 / 1 ]
وعبيد الله الزهري قال عنه الخطيب : (( ثقة )) ، وقال الدراقطني : (( ثقة صدوق صاحب كتاب )) وقال البرقاني : (( ثقة )) [ تاريخ بغدادي ص 368 / 10 ] ، وقال ابن الجوزي : (( وكان ثقة من الصالحين )) [ المنتظم ص 359 / 14 ] ، وقال الذهبي : (( الشيخ العالم الثقة العابد مسند العراق )) [ سير أعلام النبلاء ص 392 / 16 ]
وأبو عبد الرحمن الزهري قال عنه الخطيب : (( وكان ثقة )) [ تاريخ بغداد ص 289 / 10 ]
هو كسابقه ليس كما قرر الذهبي فهم يدعون الله عند قبر معروف الكرخي ، وليس يستغيثون بمعروف الكرخي ، وشتان بين الأمرين وإن كان اعتقادهم بأن الدعوة مستجابة عند قبر معروف ليس عندهم دليل عليها إلا التجربة !! ونحن نناقش المسألة نقاش علمي مبني على الكتاب والسنة لا على تجارب الناس ، وتحديدهم بقراءة سورة الإخلاص مئة مرة كي يعطيه الله ما سأله فلم يأت بها كتاب ولا سنة ، فطالما هم يسألون الله تعالى فالله يستجيب لهم فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء )) [ صحيح مسلم ح 2735 ]
وقال أبو الفرج ابن الجوزي : أخبرنا يحيى بن علي المدير قال أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط ، قال الحسن بن الحسين بن حمكان قال حديثنا أبو بكر محمد بن الحسن النقاش قال حدثنا محمد بن إسحاق السراج قال سمعت أحمد بن الفتح يقول : (( رأيت بشر بن الحارث في منامي وهو قاعد في بستان وبين يديه مائدة وهو يأكل منها فقلت له يا أبا نصر ما فعل الله بك قال غفر لي ورحمني وأباحني الجنة بأسرها وقال لي كل من جميع ثمارها وإشرب من أنهارها وتمتع بجميع ما فيها كما كنت تحرم نفسك الشهوات في دار الدنيا فقلت له فأين أخوك أحمد بن حنبل قال هو قائم على باب الجنة يشفع لأهل السنة ممن يقول القرآن كلام الله غير مخلوق فقلت له فما فعل معروف الكرخي فحرك رأسه ثم قال لي هيهات حالت بيننا وبينه الحجب إن معروفا لم يعبد الله شوقا إلى جنته ولا خوفا من ناره وإنما عبده شوقا إليه فرفعه الله إلى الرفيع الأعلى ورفع الحجب بينه وبين ذاك الترياق المجرب فمن كانت له إلى الله حاجة فليأت قبره وليدع فإنه يستجاب له إن شاء الله تعالى )) [ مناقب معروف الكرخي ص 195 – 196 ]
ابن حمكان قال عنه الأزهري : (( أبو علي بن حمكان ضعيف ليس بشيء في الحديث )) [ تاريخ بغداد ص 299 / 7 ] ، وسواء صح الخبر أم لم يصح فلا تعدوا أنها رؤيا مناميا ، المنامات لا يحتج به أهل العلم كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهو يشرح قصة ثويبة : ((فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه )) [ 145 / 9 ] ، وكذا قال بدر الدين العيني في عمد القاري : (( فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه )) [ ص 95 / 20 ] وقال الكرماني : (( الرؤيا ليست بدليل )) [ عمدة القاري ص 95 / 20 ]
أما تخصيص قبور من القبور للدعاء ، ودعوى أنه يستجاؤ الدعاء عنده فهذا من الأمور التشريعية التي تحتاج نص ، وهذا الأمر لم يكن معروفا عند صدر هذه الأمة وقد سئل شيخ الاسلام ابن تيمية عن أن الدعاء مستحب عند بعض القبور فاجابة رحمه الله بقوله : (( الحمد لله رب العالمين ، أما قول القائل : إن الدعاء مستجاب عند قبور المشايخ الأربعة المذكورين - رضي الله عنهم - فهو من جنس قول غيره : قبر فلان هو الترياق المجرب ومن جنس ما يقوله أمثال هذا القائل : من أن الدعاء مستجاب عند قبر فلان وفلان . فإن كثيرا من الناس يقول مثل هذا القول عند بعض القبور ثم قد يكون ذلك القبر قد علم أنه قبر رجل صالح من الصحابة أو أهل البيت أو غيرهم من الصالحين وقد يكون نسبة ذلك القبر إلى ذلك كذبا أو مجهول الحال : مثل أكثر ما يذكر من قبور الأنبياء وقد يكون صحيحا والرجل ليس بصالح فإن هذه الأقسام موجودة فيمن يقول مثل هذا القول أو من يقول : إن الدعاء مستجاب عند قبر بعينه وأنه استجيب له الدعاء عنده والحال أن ذاك إما قبر معروف بالفسق والابتداع وإما قبر كافر كما رأينا من دعا فكشف له حال القبور فبهت لذلك ورأينا من ذلك أنواعا .
وأصل هذا : أن قول القائل : إن الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين قول ليس له أصل في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قاله أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا أحد من أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في الدين ؛ كمالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي عبيدة ولا مشايخهم الذين يقتدى بهم : كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم ؟ وأبي سليمان الداراني وأمثالهم . ولم يكن في الصحابة والتابعين والأئمة والمشايخ المتقدمين من يقول : إن الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين لا مطلقا ولا معينا . ولا فيهم من قال : إن دعاء الإنسان عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل من دعائه في غير تلك البقعة ولا إن الصلاة في تلك البقعة أفضل من الصلاة في غيرها . ولا فيهم من كان يتحرى الدعاء ولا الصلاة عند هذه القبور ؛ بل أفضل الخلق وسيدهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم - وليس في الأرض قبر اتفق الناس على أنه قبر نبي غير قبره وقد اختلفوا في قبر الخليل وغيره - واتفق الأئمة على أنه يسلم عليه عند زيارته وعلى صاحبيه لما في السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال . " { ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام } وهو حديث جيد . وقد روى ابن أبي شيبة والدارقطني عنه : " { من سلم علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا أبلغته } وفي إسناده لين . لكن له شواهد ثابتة ؛ فإن إبلاغ الصلاة والسلام عليه من البعد قد رواه أهل السنن من غير وجه . كما في السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي . قالوا : كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ أي بليت . فقال : إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء } وفي النسائي وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام } . ومع هذا لم يقل أحد منهم إن الدعاء مستجاب عند قبره ولا أنه يستحب أن يتحرى الدعاء متوجها إلى قبره بل نصوا على نقيض ذلك واتفقوا كلهم على أنه لا يدعو مستقبل القبر ... الخ )) [ مجموع الفتاوى ص 67 – 68 / 27 ]
وقد استنكر الحافظ ابن الجوزي غلو الناس بقبر معروف الكرخي فقال : (( وأما نهيه عن اتخاذ القبور مساجد فلئلا تعظم لأن الصلاة عند الشيء تعظيم له وقد أغرب أهل زماننا بالصلوات عند قبر معروف وغيره وذلك لغلبة الجهلة وملكة العادات )) [ كشف المشكل من حديث الصحيحين ص 50 / 2 ]