## .. المــرأة بيـن الجنـايــه والحمـايــه .. ##
تعيش المرأة في كل عصر مع مَن حولها من البشر بين حالَين: حال الجناية على حقوقها وإنسانيتها، وحال الرعاية المقدمة ممن عرف حقها فكرمها، وبين هذين الحالين درجات؛ ولذا نجدها تارةً إلى الرعاية أقرب، ومرةً بالجناية ألصق.
ومفهوم الرعاية المقدمة إلى المرأة يختلف من شخص لآخر؛ وذلك لأن الناس لا يستوون في العلم والفهم والإنسانية والإيمان والتقوى، كما يختلفون في تكوين شخصياتهم، والأفكار التي عششت في عقولهم، والأحداث التي حفرت أخاديد في نفوسهم.
وبين حين واخر يوجد من ينادي بحق المرأة ووجوب نصرتها والدفاع عن قضاياها، وذلك كلما مرت على الناس حقبةٌ من الدهر ساءت فيها معاملة المرأة.. لكن مفهوم الرعاية حسبما طرحها الإسلام يقتضي رعايةً من قِبَل ولي الأمر ماديةً ومعنويةً، فالإسلام يطرح موضوع الإيواء والإطعام وحفظ الكرامة إلى درجة الإكرام "ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم".
وهذا الإكرام وتلك الرعاية مرهونان بالطاقة والقدرة، ومعلوم أن الرجل مقابل هذا التكليف ينال تشريفًا جعله الله من حقه، ألا وهو حق القوامة وحسن الطاعة، ولهاتين الصفتين ما لهما من أثر في شخصية الرجل والشعور برجولته ومكانته، وبدونهما لا يعتدل مزاج الرجل، ولا يروق حاله، وحسن رعاية المرأة ماديًّا ومعنويًّا يمتد إن فارقت المرأة زوجها بسبب طلاق أو انتهاء الأجل.
جميلة تلك الرعاية ما لم تنقلب إلى جناية، وذلك حين يُنظر إلى المرأة نظرةً جاهليةً، فتكون مصدر خوف لوقوع العار، أو تبدو كحمل ثقيل وهمٍّ مقيم، ومن جرَّاء هذا أو ذاك يُنظر إلى المرأة نظرةً دونيةً قد تصل في بعض الأحوال إلى حرمانها من علم، أو إهمال ما عندها من فكر، أو عرقلة ما تستطيع إنجازَه في حالة وجود مواهب وقدرات.
نحن لا نتمنى للمرأة المسلمة رعايةً زائدةً تجعلها قاصرةً غير قادرة، بل نريد للمسلمة أن تكون للحياة فاهمةً ولأحوالها واعيةً، لا نريدها فاجرةً خارجةً عن الطوق، بل نريدها متحليةً بالجرأة الأدبية التي لا تمنعها من أن تسأل عن نصيبها من الخير في المجالات العديدة، ونود أن تمتلك المرأة الجرأة الأدبية فتحسن الاستماع وتفكر وتناقش وتطالب بحقوقها، وتكون لديها القناعة الكافية بأنها لن تخسر أجرًا عند الله وإن لم يفرض عليها الجهاد والصلاة في المسجد؛ لأن لديها ما يعادل ذلك كله.. ألا وهو حسن التبعل لزوجها، والمحافظة على نفسها، وصون عرضها، ورعاية بيتها وأولادها.
نريد من رعاية المرأة أن توصلَها إلى أن تكون في مجتمعها فاعلةً، ولرعاية أهل حيِّها متفهمةً،
إننا نريد للمرأة المسلمة حضورًا فاعلاً في كافة المجالات، ومنها الحضور السياسي والشوري، وذلك حين تدلي بصوتها لترشح مَن هو أهل لتولي أمور المسلمين، ونريدها أن تطرح مشكلات مجتمعها المسلم، وتساهم في إيجاد الحلول.. نريد رأيَها السديد إذا اشتد الخطب وادلهمَّ الأمر، أَوَلَم تُشِر أم سلمة على رسول الله- عليه الصلاة والسلام- بالحلق ليتبعه المسلمون يوم مُنع المسلمون من دخول مكة؟!
ومن أهم جوانب الرعاية للمرأة أن تكون شخصيةً متكاملةَ الجوانب، فلا العاطفة تجرفها ولا الأهواء عن العفة تبعدها، ولا الغيرة عن الإيذاء تدنيها ولا الحسد يأكل من حسناتها، ولا جذب أنظار الآخرين إليها يكون أسمى غاياتها فتخرج سافرةً مستهترةً تشهر سيف الضلال وتكون سببًا في الانحلال.
إن أكبر جناية على المرأة أن تعطي لجمالها ولجسدها كل اعتبار، فتختزل إنسانيتَها وعقلَها وكرامتَها وتنسلخ من دينها لتشعر بالرضا المزيَّف عن النفس، فتذهب أيامُها بلا فوائد، ويخسر المجتمع طاقةً مهدورةً تتبدد بلا عائد، فيصدق عليها قوله- عليه الصلاة والسلام-: "فكيف بكم إذا طغت نساؤكم؟!".
ولينتبه كل من يرعى امرأةً أو فتاةً أنَّ رعايتَها لا تكون بتكبيلها وعزلها عن مجتمعها، بل الرعاية الحقَّة تكون بتمكينها من العلم النافع والمعرفة اللازمة، وتنمية مواهبها وقدراتها لتسخِّر ذلك كله لخدمة نفسها وبيتها ومجتمعها، وآيةُ ذلك تفاعلُها السديد مع ما يدور حولها بالقبول أو الرفض بنور من الإسلام وتأييد من الرحمن.