زواج على الهوا
إن برامج تلفزيون الواقع تفرض نفسها بقوة على خارطة برامج الفضائيات، فاستبدلت الاهتمام بالمواضيع المصيرية إلى المواضيع السطحية والمراقبة الدائمة والتي تهدم الخصوصية، وتمس الكرامة الإنسانية في أسلوب لملء شاغر البطالة في منظومة الشباب الفكرية بما يناقض خصوصية الرجل الشرقي وابتذالها لقدسية الحب.
القائمين على هذه البرامج يخططون لإبقاء وإخراج المتنافسين وفق حسابات معينة، فتلقفت الفضائيات الأسطورة اليونانية وأعادت صوغها بقالب برامجي مربح محولة استوديوهاتها إلى حيز خاضع لمراقبة دقيقة على مدار الساعة ولكن ليس من قبل سجّان ذي رأس مليء بالعيون كما تروي أسطورة سجن بانبتيكون بل بكاميرات تصوير، ومهما كان مصدر إلهام مبتكري برامج تلفزيون الواقع إلا أنها استطاعت فرض نفسها بقوة على خارطة برامج الفضائيات ونافست بجدراة الأنماط البرامجية الأخرى حتى أصبحت مثار جدل.
ويبدو أن تلفزيون الواقع يسعى لخلخلة القيم الإنسانية لاسيما المتعلقة بالرابطة الزوجية، فمن جهة قبول الفتيات عرض أنفسهن أمام ملايين البشر في هذا البرنامج، مؤشر خطير على أنهن يعشن هاجس الخوف من فخ العنوسة.، وفي اليد الأخرى فإن هذه البرامج تناقض خصوصية الرجل الشرقي الرافضة للمجاهرة باسم الحبيبة والتغزل فيها على الملأ، حيث يبتذل البرنامج قدسية الحب، فوجود جائزة مالية للزوجين اللذين سيفوزان بالبرنامج يبعد الزواج عن هدفه السامي ويشكك برغبة الطرفين بتشكيل أسرة.
الشهرة والبروز الإعلامي وراء المشاركة
وللزواج شروطا لا تحققها برامج تلفزيون الواقع، أبرزها التوافق في الخلفيات الاجتماعية والثقافية، حيث أن الحياة العادية تختلف عن الحياة على الهوا التي يعيشها المشتركون في البرنامج، وربما الرغبة بالشهرة والبروز الإعلامي وقفت وراء اشتراك البعض في هذه البرامج.
وهم التصويت الإلكترونيّ
ويوهم تلفزيون الواقع المشاهدين بامتلاك سلطة انتقاء الشخص الذي يرغب في إنقاذه من دائرة الخطر النومنيه بالتصويت له إلكترونيا، غير أن مطلعين يؤكدون على أن القائمين على برامج الواقع يخططون لإبقاء وإخراج المتنافسين وفق حسابات تضمن استمرارية حماس المشاهدين للمتابعة.
عبقرية الابتزاز والإنفاق
ولبرامج الواقع تطلعات اقتصادية جوهرية، في هذا السياق يقول أستاذ علم التسويق في جامعة عمان الأهلية الدكتور خالد الكردي: إن تلفزيون الواقع صيغة عبقرية لابتزاز المشاهدين وحملهم على إنفاق أموالهم على الاتصال وإرسال الرسائل القصيرة للتصويت لمرشحهم، فضلا عن المبالغ الهائلة التي حققتها القنوات من جيوب المعلنين الذين يتنافسون على بث إعلاناتهم أثناء عرضها.
ويفيد الكردي بأن لكل مؤسسة إعلامية مواقف سياسية واجتماعية وثقافية مرتبطة ارتباطا وثيقا بمصالح مجموعات اقتصادية في المجتمع هدفها المال، محذرا من أن سيطرة مهووسين بالربح على أجهزة الإعلام يهدد قيم المجتمعات.
خطورة تعريبها دون تعديل
وركز الكردي على أن خبراء في تشكيل اتجاهات الجماهير سياسيا وفكريا واستهلاكيا يضطلعون بمهام التخطيط والإعداد البرامجي في الغرب، منوها إلى خطورة تعريبها دون إجراء تعديلات على مضمونها بما يتوافق وخصوصية المجتمع العربي.
ويقول صاحب كتاب المشكلون لسلوك الشعب الأمريكي فانس باكارد : من الممكن استخدام المعرفة المتطورة لاستعباد الناس بطريقة لم يحلم بها أحد من قبل بإلغاء شخصياتهم المتميزة والسيطرة عليهم بوسائل مختارة بعناية بحيث لا يدركون أبدا أنهم فقدوا شخصياتهم.
ويخلص الكردي إلى أن للإعلام سلطة اجتماعية تؤثر في إرادة الناس وتدفعهم إلى سلوك استهلاكي لا يعبر عن احتياجاتهم الحقيقية.
والظاهر أن حمى المراقبة والتجسس المستشرية في المجتمعات وصلت إلى قطاع الإعلام الذي وضعها بقالب برامجي ترفيهي يخضع أشخاصا يتنافسون من أجل الشهرة والمال للمراقبة على مدار الساعة.
" منقول "