((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)).
((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)).
35- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) رواه البخاري و مسلم واللفظ له.
في الحديث: بيان أن للإيمان شعباً وأبواباً، وأنه متفاضل وأن أجله وأفضله وأعلاه لا إله إلا الله، وأن العمل من الإيمان، وكذلك الأخلاق، وإذا كان الإيمان يتفاضل ويتبعض فإنه يزيد وينقص، وأن على العبد أن لا يحقر من المعروف شيئاً حتى إماطة الأذى عن الطريق، وأنه لا يتم عمل صالح إلا بتوحيد.
36- عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً) رواه مسلم .
في الحديث: التعبير عن المعاني بالمحسوسات وأن الأصول الثلاثة هي دعائم الدين: وهي الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وأن المؤمنين متفاوتون في هذا المعنى تفاوتاً عظيماً، وأن العمل القلبي وهو الرضا من الإيمان وأنه بقدر تحقيق التوحيد وإخلاص الإيمان يجد العبد مذاق الإيمان.
37- عن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؟
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) رواه البخاري و مسلم .
في الحديث: إثبات أن للإيمان حلاوة يجدها من يستكمل الإيمان، وفيه وجوب حب الله عز وجل وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وتقديمه على حب ما سواهما، وأن حبه صلى الله عليه وسلم حب داخل في حب الله عز وجل، وفيه اقتران ضمير المثنى فيما يقتضي الاشتراك والإلحاق، وأن الحب في الله من الإيمان، وبالمفهوم بغض الكافر من الإيمان أيضاً، وفيه وجوب كراهية الكفر وأعمال أو الكفار، وفيه التنفير من الردة والعودة على العقب، وفيه تحريم حب غير الله وغير رسوله صلى الله عليه وسلم ((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ))
.38- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (قيل: يا رسول الله! أي الإيمان أفضل؟
قال صلى الله عليه وسلم: الإيمان: الصبر والسماحة) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه / الصحيحة : 1554 .
في الحديث: فُسَّر الإيمان هنا بأجل خصاله وأبرز صفاته وهو الصبر والسماحة؛ لأن الصبر رأس الإيمان لأنه به يؤدى المأمور ويجتنب المحذور ويصبر على المقدور، والسماحة لأن فيها الثقة بما عند الله وانشراح الصدر بكريم وعده، وفي الحديث أن الإيمان يشمل المعتقدات والأعمال والأخلاق.
39- عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (قال رجل: يا رسول الله! ما الإيمان؟
قال صلى الله عليه وسلم: إذا سرتك حسنتك، وساءتك سيئتك فأنت مؤمن، قال: يا رسول الله فما الإثم؟
قال صلى الله عليه وسلم: إذا حاك في صدرك شيء فدعه) رواه أحمد / الصحيحة :550 .
في الحديث: أن المؤمن تسره حسنته وتعجبه طاعته وتسوؤه معصيته بخلاف المنافق والفاجر فإنه لا يأنس بالطاعة ولا يجد لها حلاوة، ولا يألم بالمعصية ولا يجد لها مرارة، وأن السرور بالحسنة يعظم ثوابها والحزن من السيئة يخفف عقابها، وأن المؤمن عنده فرقان قلبي يعرف به مقدار إيمانه.
40- عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم من المؤمن؟
من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب) رواه أحمد / الصحيحة : 549 .
في الحديث: عرف صلى الله عليه وسلم المؤمن هنا بأكرم صفاته وأنبل أخلاقه وهو الذي كف أذاه عن عباد الله وأمن الناس شره واطمأنوا إليه وسلمت أموالهم وأنفسهم منه، وفسر المهاجر بأعظم شيء في الهجرة وهو الإقلاع عن المعاصي وهجر الخطايا وترك الذنوب والتوبة النصوح إلى علام الغيوب.
41- عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك؟
قال صلى الله عليه وسلم: قل: آمنت بالله، فاستقم) رواه مسلم .
في الحديث: أن هذه الكلمة هي ملخص للدين وجماع للملة، ومعناها الإيمان اعتقاداً وعملاً وقولاً، والاستقامة على هذا النهج العظيم وهو الدوام والاستمرار، وكلمة آمنت بالله تقتضي الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وبما أنزل في كتبه وبما أرسل به رسله، وكلمة: استقم معناها القيام بأمور الدين على أحسن وجه وأسدى طريق وهذا هو مجموع الدين.
42- عن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه البخاري و مسلم .
في الحديث: أن الخطاب للصحابة خطاب لجميع الأئمة، وأن الحب والبغض من أعمال القلوب وهو من الدين، وفيه تفاوت أهل الإيمان في إيمانهم، وأن الإيمان يزيد وينقص، وفيه فريضة حبه صلى الله عليه وسلم على أمته، وأن حبه صلى الله عليه وسلم من أوثق عرى الدين، وفيه تحريم تقديم حب الوالد والولد وغيرهما على حب الرسول صلى الله عليه وسلم.
43- عن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري و مسلم .
في الحديث: دخول أعمال القلوب في الإيمان وتفاضل الناس في ذلك، وأن حق المسلم على أخيه النصح له كالنصح لنفسه، ومفهومه أن يكره لأخيه ما يكره لنفسه، وفيه نفي الدغل والغش عن المؤمنين وأنها ليست من أخلاق أهل الإيمان، وفيه زيادة الإيمان ونقصانه، وأنه يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والسيئات.