حبا الله تبارك وتعالى نبينا محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الخصائص والصفات العلية والأخلاق الرضية ما كان داعيا لكل مسلم أن يحبه ويُجلَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويعظمه بقلبه ولسانه وجوارحه . وقد كان لأهل السنة والجماعة قدم صدق في العناية بجمع خصائصه وشمائله، وإبراز فضائله ومحاسنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
فاختار الله ـ عز وجل ـ لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ اسم محمد المشتمل على الحمد والثناء، فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ محمود عند إخوانه النبيين والمرسلين، ومحمود عند أهل الأرض كلهم ـ وإن كفر به بعضهم ـ، لأن صفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ محمودة عند كل ذي عقل منصف ـ وإن كابر وجحد ـ، ومن ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن نفسه: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع ) ( مسلم ) .
ومما يحمد ويُحَب به ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما فطره الله عليه من محاسن الشمائل ومكارم الأخلاق، فإن من نظر في سيرته وحياته، علم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل البشر، وأعظمهم خلقا، وأصدقهم حديثا، وأعظمهم أمانة، وأجودهم عطاء، وأشدهم صبرا واحتمالا، وعفوا ومغفرة، وأرحم الخلق بهم، وأكثرهم نفعا، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأوفاهم بالعهد، وأشدهم تواضعا، وكان لا يزيده جهل الجاهل عليه إلا حلما ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
ومن سعادة العبد أن يرزقه الله محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فإن محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصل من أصول الدين، وشرط من شروط الإيمان، فلا إيمان لمن لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، قال الله تعالى: { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } (التوبة:24)، وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) ( البخاري )، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " إن قيام المدحة والثناء عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله وسقوط ذلك سقوط الدين كله".
كما أن محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبب لحصول حلاوة الإيمان، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار )( البخاري ) .
وقد نال الصـحابة ـ رضوان الله عليهم ـ شرف لقاء وصحبة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فكان لهم النصيب الأوفى من محبته وتعظيمه، وقد سئل علي ـ رضي الله عنه ـ كيف كان حبكم لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ قال: " كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ " .
وكان شأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في حب وتعظيم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوضح وأظهر من أن يُسْتدل عليه، قال عروة بن مسعود الثقفي ـ رضي الله عنه ـ لقريش بعد أن رجع من مفاوضة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلح الحديبية: ( .. والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إنْ رأيت ملكا قَطْ يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له .. ) ( البخاري ).
وكان أبو سفيان ـ رضي الله عنه ـ قبل إسلامه يقول: " ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا " .
ومحبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعظيمه يكون بالقلب واللسان والجوارح :
أما محبة وتعظيم القلب : فهو ما يتبع اعتقاد كونه عبدا رسولا، بل أفضل خلق الله ورسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وذلك بتقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين، والتي من لوازمها استشعار جلالة قدره وعظيم شأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وأما تعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ باللسان : فهو الثناء عليه بما هو أهله، مما أثنى به عليه ربه، وأثنى على نفسه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، من غير غلو ولا تقصير، ومن أعظم ذلك الصلاة والسلام عليه، كما أمر الله تعالى بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } (الأحزاب56).
ومن تعظيم اللسان ألا نذكره باسمه فقط بل لابد من زيادة ذكر النبوة والرسالة لقوله تعالى: { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } (النور: من الآية63).
ومن تعظيم اللسان تعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلائل نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتعريف الناس بسنته، وتعليمهم إياها، وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه، وذكر صفاته وأخلاقه وخلاله، وما كان من أمر دعوته وسيرته وغزواته، وأن يكون ذلك في حدود ما أجازه الشرع، بعيدا عن البدعة ومظاهر الغلو والإطراء المحظور ..
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سمع عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول على المنبر: سمعت النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقول: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله ) ( البخاري ). والإطْراءُ : مجاوزة الحد في المدح ..
وأما تعظيم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجوارح : فيكون بالعمل بشريعته، والتأسي بسنته ظاهرا وباطنا، والتمسك بها والحرص عليها، والدعوة إليها، وتحكيم ما جاء به ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأمور كلها، والسعي في إظهار دينه، ونصر ما جاء به، وطاعته فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ: " اعلم أن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقا في حبه وكان مدعيا، فالصادق في حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(آل عمران:31) ".
ومن مظاهر محبته وتعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدفاع عنه ونصرته، والتصدي للمنافقين الذين يبثون سمومهم وافتراءاتهم عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وسائل الإعلام محاربة لله ورسوله، وإيذاء للمؤمنين .
وقد كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يدافعون عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدافع من الإيمان والمحبة، والقيام بالواجب الشرعي تجاهه، ففي غزوة أحد لما تكالب المشركون عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ انتدب من أصحابه من يكفيه المشركين، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من يردهم عنا وله الجنة ـ أو هو رفيقي في الجنة ـ ) ( مسلم ) .
وقال لأبي قتادة حين كاد أن يسقط ـ صلى الله عليه وسلم ـ من راحلته وهو نائم ثلاث مرات، فكان أبو قتادة يدعَمُه حتى لا يسقط، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( حفظك الله بما حفظت نبيه ) ( مسلم ) .
وقال لحسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ حين كان يدافع عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( اهجهم وجبريل معك )( البخاري ). وكفى بهذا فضلاً لكل من يدافع عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. والهجاء: ذكر المساوىء والمعايب .
إن التطاول على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الغرب لم يكن أمرا عارضا، بل أصبح ظاهرة مستفزة لمشاعر المسلمين، وليس ذلك غريبا عليهم، لكن الغريب كل الغرابة أن ترى بعض المسلمين ـ رغم ادعائه محبة النبي وتعظيمه ـ لا يلتفت إلى ذلك التطاول، ولا يلقي له بالا، ولا يغار على دينه ونبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ومن ثم فالتهاون في الدفاع عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسنته وشريعته من الخذلان الذي يدل على ضعف الإيمان، فمن ادعى محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم تظهر عليه آثار الغيرة على حرمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو كاذب في دعواه، إذ الدفاع عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ والذب عنه وعن دينه وسنته، وآل بيته وصحابته، شرف ورفعة، كما أنه مظهر من مظاهر محبته وتعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ينبغي على المسلم القيام به ..
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
منقــــول