الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبيه الأمين و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
مكة المكرمة و ما لها من فضائل
قال الله سبحانه و تعالى :{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ }و قال تعالى :{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} و قوله تعالى :{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ } فالمراد بالبلدة هي مكة المكرمة ، و معلومٌ أن الله سبحانه و تعالى أقسم بهذا الحرم في موضعين من كتابه و لم يقسم بأي بقعة من بقاع الأرض ، قال تعالى {وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ . وَطُورِ سِينِينَ .وَهَٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلْأَمِينِ } فقوله {وَهَٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلْأَمِينِ } أي مكة المكرمة . و قال :{ لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} أي مكة المكرمة . كل هذا يدل على شرف مكة و فضلها .
و هي أم القرى ؛ جميعُ القرى فرعٌ عنها و تابعٌ لها ، فالله سبحانه و تعالى اختارها بأن جعل الحرم قبلة للمسلمين ، يؤم المسلمون هذا البيت الحرام - و هو الكعبة المشرفة - في صلواتهم في اليوم و الليلة خمس مرات مما يدل على فضل هذا الحرم .
و جعل عرصاته مناسك للمسلمين كمنى و عرفات و مزدلفة و الحرم ؛ يؤمه المسلمون من كل حدب و صوب ، قال تعالى : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عميق لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ ٱلْأَنْعَٰمِ } قال بعض المفسرين إن إبراهيم صلى الله عليه و سلم لما فرغ من بناء الكعبة هو و ابنُه إسماعيل أمره الله بأن ينادي في الناس أن يحجوا هذا البيت ، قال إبراهيم : يا رب و من يبلغهم صوتي ؟ قال : أذن في الناس بالحج و عليَّ إبلاغُهم ، فأذن إبراهيم في الناس ، فالله بلغ من كان في أصلاب الرجال بدعوة إبراهيم و هو قولك عندما تحرم لبيك اللهم لبيك ) كأن المعنى لبيك يا ربي ها أنت دعوتني على لسان خليلك إبراهيم إذ قلتَ له { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عميق } .
و من مزاياها أنه لا يجوز لأحد أن يدخلها إلا و هو محرم لابسٌ كفنه كاشف الرأس خاضعا متذللا خاشعا لله تعالى هذا لمن أراد النسك .
و من مزاياها أن الله سبحانه و تعالى جعل حق من قصدها لقصد الحج أو العمرة أن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه كما قال صلى الله عليه و سلم من حج هذا البيت و لم يرفث و لم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) و قال في الحرص على العمرة ( تابعوا بين الحج و العمرة فإنهما تنفيان الذنوب و الفقر كما ينفي الكير خبث الحديد ) أو كما ورد عنه صلى الله عليه و سلم .
و من مزاياها أن الحسنات تضاعف ؛ و مضاعفتُها هنا بالكمية فالحسنة في مكة أعظم و أكثر ثوابا و أجرا من فعلها في غير مكة ، كما أن السيئة أيضا في الحرم تُضاعف ؛ أعظم إثما و أكبر جرما من فعلها في غير الحرم ، إلا أن مضاعفة السيئة بالكيفية لا بالكمية .
و من مزاياها أن الرسول صلى الله عليه و سلم أخبر بتحريم قطع شجرها و حشيشها الأخضرين و أخبر بأنه لا ينفر صيدها و لا يختلى خلاها و لا تلتقط لقطتها إلا لمعرف ليس إلا .
و من مزاياها أيضا أنه يحرم على المسلم أن يستقبلها أو يستدبرها حالة قضاء الحاجة على تفصيل مذكور في كتب اهل العلم .
و من مزاياها أيضا أن الله جعلها مثابة للناس {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً } و معنى مثابا : كلما ثابوا منها منه رجعوا إليه ؛ فإن القلب لا يشبع منه و لا سيما من تكررت زيارته إليه ، فإن من تكررت زيارته إلى البيت ثم ذهب إلى أهله و بلاده تجده يحن قلبه إلى هذا البيت عند و قت مجيء الحج أو العمرة ، لا يصبر إلا أن يرجع إليه ، فهذا البيت لقلوب الرجال كالمغناطيس للحديد . كما قيل :
لا يرجع الطرف عنها حين ينظرها *** حتى يعود إليها الطرف مشتاقا
كل هذا يدل على ما لمكة من الفضائل و الخصائص .
و من مزاياها ما جاء في حديث عبد الله بن عدي بن حمراء قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم على راحلته بالحزورة و هو يقول : ( إنك خير أرض الله و إنك أحب الأرض إلى الله و لولا أني أُخرجت منها ما خرجت ) فلاحظ قوله صلى الله عليه و سلم إنك خير أرض الله و إنك أحب الأرض إلى الله ) فدل على أن مكة خير الأرض و أفضلها و أنها أحب البقاع إلى الله مما يدل على فضلها و شرفها ، ثم يقول و لولا أني أخرجت منها ما خرجت ) مما يدل على فضلها على المدينة كما هو قول جمهور العلماء فإنهم قالوا إن الحرم أفضل من المدينة ما عدا الإمام مالكا فرأيُه رحمه الله تفضيل المدينة على مكة ، لكن الذي جاءت به الأحاديث و كما قرره جماهير أهل العلم هو فضيلة مكة على المدينة كما هو معلوم ، و في ذلك مؤلفات عديدة لأهل العلم في مسألة تفضيل مكة على المدينة .
و مكة كما قلنا هي أفضل البقاع و هي التي يؤمها المسلمون في صلواتهم في اليوم و الليلة خمس مرات في أنحاء الأرض
و الله أعلم
و صلى الله على محمد و على آله و صحبه و سلم