الحج كمال الخضوع والتعبد
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري
إنَّ في الحج كمالَ الخضوع والانقياد لله، بل فيه تجديد للعهد من الحاج لربِّه أنْ يلتزمَ أمره، وأن يتلبب بحكمه، شعارُه منذ إحرامه إلى تَحلُّله الأول برمي جمرة العقبة والحلق: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك))؛ يعني: أنا منقاد لأمرك، متوجه حيث وجهتني، ومتلبب بحكمك لببًا معنويًّا لا حسيًّا؛ لأنه مأخوذ من لبب الدابة، الذي يخضعها لتحمل الركوب والحمولة.
فالحاج يُكَرِّر التلبية من صميم قلبه، كتكرير عهود الله أنَّه خاضع لتحمُّل ما حمله الله به من أمانات التكاليف الإسلامية جميعها، وأمانة حمل الرِّسالة، والزَّحف المقَدس بالدَّعوة عن طاعة واستسلام دون إكراهٍ أو تَطْويق، كالدَّابة الملبَّبة بغير طوعها ورغبتها، بل هو متلبب بذلك مِن تلقاء نفسِه عن حُبٍّ وتعظيم.
فهذا الشعار الدِّيني الجليل أعظمُ من الشِّعَارات الجندية المهيجة؛ لأَنَّ به إلقاء من المسلم الحاج بقيادته إلى الله، وتَحطيمًا لجميع ما تَحمل نفسه من الأنانية، وإفناء لشخصيته السابقة، وتجديدًا لشخصية منخلعة عن جميع ماضيها المشوب بشَتَّى الملابسات باستئناف حياة نظيفة شريفة مقاطعة لجميع نزغات الشياطين، حياة جديدة في تفكيرها وجميع مقاصدها وأفعالها.