نوفمبر.. مسجد عمرو بن العاص (تاج المساجد)
بعد الفتح الإسلامي لمصر في غرة المحرم سنة 20 هجرية الموافق 8 نوفمبر 641 ميلادية، أسس الفاتح الكبير "عمرو بن العاص" مدينة الفسطاط لتكون أول عاصمة إسلامية لمصر، وعندما أرسل له أمير المؤمنين الخليفة "عمر بن الخطاب" ـ رضي الله عنه ـ ليبني مسجداً لإقامة شعائر صلاة الجمعة.
بني "عمرو بن العاص" هذا المسجد الذي سمي باسمه حتى الآن، وكان يعرف أيضاً بمسجد النصر، والمسجد العتيق، وتاج الجوامع، فكان بذلك أول مسجد في مصر وإفريقيا والرابع في الإسلام بعد مساجد المدينة، والبصرة، والكوفة.. حيث أشرف علي بناءه أربعة من الصحابة هم: أبو ذر الغفاري ـ أبو بصرة ـ محمية بن جزء الزبيدي ـ نبيه بن صواب البصري.
كان مسجد عمرو بن العاص في أول أمره مسجداً بسيطاً حيث بلغت مساحته وقت إنشائه 50 ذراعاً طولاً في 30 ذراعاً عرضاً (25 متراً في 15 متراً) مغطاة بمظلة من الخشب وسعف النخيل قائمة على أعمدة من جذوع النخل، وله ستة أبواب، وكانت قبلته الأولى غير متجهة نحو القبلة تماماً، وبقيت كذلك إلى أن صححها قرة بن شريك.
كان المسجد محاذياً لضفة النيل فكان النهر يقوم عوضاً عن جداره الشرقي، ولهذا لم يكن للمسجد إلا ثلاثة جدران.
وعندما تسلم مسلمة بن مخلد ولاية مصر من قَبِل معاوية بن أبي سفيان أمر بإزالة المسجد، ثم أعاد بناءه عام 672م، فضاعف حجمه وجعل له سوار من الاجر وترك قسماً كبيراً من الزيادة صحناً مكشوفاً وجعل للمسجد أربع مآذن في أركانه.
وفيما بعد رممه عبد العزيز بن مروان سنة 698م، إلا أن قرة شريك هدمه من أساسه، وأعاد بناؤه سنة 710م على مساحة واسعة، وجعل له جدراناً عالية وسقفاً من الخشب، وأنشأ له المحراب المجوف، وهو أول محراب من نوعه في مصر، وأضاف إليه منبراً خشبياً جميلاً.
في سنة 705م، أتم الوالي العباسي صالح بن على عمل قرة بن شريك وأعطى الجامع شكله الذي بقى عليه مدة طويلة، وفى سنة 727م بلغ الجامع مساحته الحالية على يد عبدالله بن طاهر والى مصر من قَبِل الخليفة المأمون، والتي تبلغ نحو 24 ألف ذراع معماري، وهو الآن 120 في 110 أمتار (أي حوالي 13200 متر)، وثبت الجامع على تلك المساحة إلى أيامنا.
في عهد خمارية بن أحمد بن طولون احترق جزء من مسجد عمرو، فأعاد بناءه وأكمل محمد الإخشيد عمله سلفه، وبلغ المسجد ذروة جماله القديم في عهد الخليفة المستنصر وكان في ذلك الوقت يقوم على أربعمائة عمود من الرخام، وجدار المحراب مغطى كله بالرخام الأبيض وعليه آيات من القرآن الكريم.
في سنة 1168م اندلع حريق هائل في الفسطاط، ولحقت بالمسجد أضرار جسيمة فلما جاء صلاح الدين الأيوبي رممه سنة 1172م، ثم أعاد الظاهر بيبرس ترميمه سنة 1288م، وفي عهد العثمانيين قام الأمير مراد بك في عام 1798م، بإعادة بناءِ داخلِ الجامع بعد هدمه، إثر سقوط إيوانه وميل عُمُده، إلا أن القائمين على البناء لم يكونوا بمستوى العمل الكبير والمهمة العظيمة لمثل هذه المساجد الضخمة، فكان الترميم غير منتظم ولا متناسق، غير أنه بُني بالمسجد منارتين هما الباقيتان إلى الآن.
وقد تعرض المسجد أحداثاً جساماً في التاريخ المعاصر أهمها، الزلزال المدمر الذي هز مصر كلها في 12 أكتوبر 1992م، وأصيبت بعض أعمدة المسجد وحوائطه بشروخ وتصدعات وقامت هيئة الآثار المصرية بترميمه.
وفي 25 مارس 1994م، انهار خمسون متراً من سور حرم الجامع وقامت هيئة الآثار بإقامة سور خرساني بارتفاع ستة أمتار حول الجامع ومرافقه.
وفي 24 مارس 1996م، انهار 150 متراً من سقف المسجد في الجزء الجنوبي الشرقي بإيوان القبلة، وقد تم فك إيوان القبلة وإعادة البناء وتصويب الأخطاء المعمارية التي نتجت عن تجديدات "مراد بك".