عن أبي هريرة رضي الله عنهُ أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :
{ ما نقُصت صدَقة منْ مال وما زاد اللهُ عبدًا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلاَّ رفعهُ الله}
~~
«شرْح الحديث»
هذا الحديث احتوى على فضل الصدقة والعفو والتواضع ، وبيان ثمراتها العاجلة والآجلة ، وأن كل ما يتوهمه المتوهم من نقص الصدقة للمال و منافاة العفو للعز والتواضع للرفعة .. وهم غالط ، وظن كاذب .
فالصدقة لا تنقص المال لأنه لو فرض أنه نص من جهة ، فقد زاد من جهات أُخر؛ فإن الصدقة تبارك المال وتدفع عنه الآفات وتنميه ، وتفتح للمتصدق من أبواب الرزق وأسباب الزيادة أموراً ما تفتح على غيره ، فهل يقابل ذلك النقص بعض هذه الثمرات الجليلة ؟
فالصدقة لله التي في محلها لا تنفد المال قطعاً ، ولا تنقصه بنص النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالمشاهدات والتجربات المعـلومة . هذا كله سوى ما لصاحبها عند الله من الثواب الجزيل ، والخير والرفعة.
وأما العفو عن جنايات المسيئين بأقوالهم وأفعالهم : فلا يتوهم منه الذل، بل هذا عين العز ، فإن العز هو الرفعة عند الله وعند خلقه ، مع القدرة على قهر الخصوم والأعداء.
ومعلوم ما يحصل للعافي من الخير والثناء عند الخلق وانقلاب العدو صديقاً وانقلاب الناس مع العافي ونصرتهم له بالقول والفعل على خصمه ، ومعاملة الله له من جنس عمله ، فإن من عفا عن عباد الله عفا الله عنه .
وكذلك المتواضع لله ولعباده ويرفعه الله درجات ؛ فإن الله ذكر الرفعة في قوله " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ "
فمن أجلّ ثمرات العلم والإيمان : التواضع فإنه الانقياد الكامل للحق، والخضوع لأمر الله ورسوله ؛ امتثالاً للأمر واجتناباً للنهي مع التواضع لعباد الله وخفض الجناح لهم ومراعاة الصغير والكبيـر ، والشريف والوضيع ، وضد ذلك التكبر ؛ فهـو غمط الحق ، واحتقار الناس .
وهذه الثلاث المذكورات فـي هذا الحديث :
مقدمات صفات المحسنين .. فهـذا محسن في ماله ، ودفع حاجة المحتاجين .
وهذا محسن بالعفو عن جنايات المسيئين وهذا محسن إليهم بحلمه وتواضعه ، وحسن خلقه مع الناس أجمعين .
وهؤلاء قد وسعوا الناس بأخلاقهم وإحسانهم ورفعهم الله فصار لهم المحل الأشرف بين العباد ، مع ما يدخر الله لهم من الثواب.
وفي قوله صلّى الله عليه وسلم"وما تواضع أحد لله" تنبيه على حسن القصد والإخلاص لله فـي تواضعه ؛ لأن كثيراً من الناس قـد يظهـر التواضع للأغنياء ليصيب من دنياهم أو للرؤساء ليـنال بسببهم مطلوبه ، وقد يظهر التـواضع رياء وسمعة ، وكل هذه أغراض فاسدة .
لا ينفع العبد إلا التواضع لله تقرباً إليه . وطلباً لثوابه ، وإحساناً إلى الخلق فكمال الإحسان وروحه الإخلاص لله.
( بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار )
للشيخ / عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-
~~
«حديثٌ مشابِه»
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما من يوم يصبح العبادُ فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم اعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا )) متفق عليه.
~~
«شرح الشيخ العُثيمين للحَديث»
قال المؤلف رحمه الله تعالى: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً على الإسلام إلا أعطاه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان أكرم الناس، وكان يبذل أمواله فيما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم إذا سأله شخص على الإسلام يعني على التأليف على الإسلام والرغبة فيه إلا اعطاه، مهما كان هذا الشيء، حتى إنه سأله أعرابي فأعطاه غنماً بين جبلين، بين جبلين معناه: أنها غنم كثيرة؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه لما يرجوا من الخير لهذا الرجل ولمن وراه.
ولذلك ذهب هذا الرجل إلى قومه فقال: (( يا قوم أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر))، عليه الصلاة والسلام، يعني: يعطي عطاءً جزيلاً، عطاء من لا يخشى الفقر، فانظر إلى هذا العطاء كيف أثر في هذا الرجل هذا التأثير العظيم، حتى أصبح داعية إلى الإسلام.
وهو إنما سأل طمعاً كغيره من الأعراب، فالأعراب أهل طمع، يحبون المال ويسألونه، ولكنه لما أعطاه الرسول عليه الصلاة والسلام هذا العطاء الجزيل صار داعية إلى الإسلام، فقال: (( يا قوم أسلموا )) ولم يقل أسلموا تدخلوا الجنة وتنجوا من النار، بل قال: (( أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر )) يعني سيعطيكم ويكثر.
ولكنهم إذا أسلموا من أجل المال، فإنهم لا يلبثون يسيراً إلا وقد صار الإسلام أحب شيء إليهم، أحب من الدنيا وما فيها، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعطي الرجل تأليفاً له على الإسلام، يعطيه حتى يسلم للمال؛ لكنه لا يلبث إلا يسيراً حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها.
ويؤخذ من هذا الحديث وأمثاله: أنه لا ينبغي لنا أن نبتعد عن أهل الكفر وعن أهل الفسوق، وأن ندعهم للشياطين تلعب بهم؛ بل نؤلفهم، ونجذبهم إلينا بالمال واللين وحسن الخلق حتى يألفوا الإسلام، فها هو الرسول صلى الله عليه الصلاة والسلام يعطي الكفار، يعطيهم حتى من الفيء.
بل إن الله جعل لهم حظاً من الزكاة، نعطيهم لنؤلفهم على الإسلام، حتى يدخلوا في دين الله، والإنسان قد يسلم للدنيا، ولكن إذا ذاق طعم الإسلام رغب فيه، فصار أحب شيء إليه.
ويزيد العامة على قوله صلى الله عليه وسلم : (( ما نقصت صدقة من مال )) يجري على السنة العامة قولهم: (( بل تزده)) وهذه لا صحة لها، فلم تصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: " ما نقصت صدقة من مال".
فالزيادة التي تحصل بدل الصدقة إما كمية وإما كيفية.
مثال الكمية: أن الله تعالى يفتح لك باباً من الرزق ما كان في حسابك
والكيفية: أن ينزل الله لك البركة فيما بقي من مالك.
ثم قال صلى الله عليه وسلم :" وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً"، إذا جنى عليك أحد وظلمك في مالك، أو في بدنك، أو في أهلك، أو في حق من حقوقك، فإن النفس شحيحة تأبى إلا أن تنتقم منه، وأن تأخذ بحقك، وهذا لك. قال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )وقال تعالى وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ )
ولا يلام الإنسان على ذلك، لكن إذا هم بالعفو وحدث نفسه بالعفو قالت له نفسه الأمارة بالسوء: إن هذا ذل وضعف، كيف تعفو عن شخص جنى عليك أو اعتدى عليك؟!
فيقول الرسول عليه الصلاة والسلام: وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً" والعز ضد الذل ، والذي تحدثك به نفسك أنك إذا عفوت فقد ذللت أمام من اعتدى عليك، فهذا من خداع النفس الأمارة بالسوء ونهيها عن الخير، فإن الله تعالى يثيبك على عفوك هذا، فالله لا يزيدك إلا عزاً ورفعة في الدنيا والآخرة.
ثم قال صلى الله عليه وسلم ((وما تواضع أحد لله إلا رفعه)) . وهذه الرفعة تكون بسبب التواضع والتضامن ، والتهاون، ولكن الإنسان يظن أنه إذا تواضع نزل، ولكن الأمر بالعكس، إذا تواضعت لله؛ فإن الله تعالى يرفعك.
وقوله: " تواضع لله" لها معنيان:
المعنى الأول: أن تتواضع لله بالعبادة وتخضع لله وتنقاد لأمر الله.
المعنى الثاني: أن تتواضع لعباد الله من أجل الله، وكلاهما سبب للرفعة، وسواء تواضعت لله بامتثال أمره واجتناب نهيه وذللت له وعبدته، أو تواضعت لعباد الله من أجل الله لا خوفاً منهم، ولا مداراة لهم، ولا طلباً لمال أو غيره، إنما تتواضغ من أجل الله عز وجلّ، فإن الله تعالى يرفعك في الدنيا أو في الآخرة.
فهذه الأحاديث كلها تدل على فضل الصدقة والتبرع، وبذل المعروف والإحسان إلى الغير ، وأن ذلك من خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
~~
إستراحة إيمانية قصيرة حول العفو عن الناس :
(1)/ العفو طريق الجنة يقول تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ *أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ). البقرة 133-136
(2) العفو طريق المغفرة
يقول تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )النور 22
(3) العفو عظيم الأجر
يقول تعالىفَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الشورى 40
(4) يكفى أن الله مطلع على نقاء قلبك
يقول تعالىإِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ) النساء 149
(5) يكفيك فخرا انك تطيع ربك
يقول تعالى فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) المائدة 13
(6) يقول النبي محمد صلى الله عليه و سلم:
( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين , ويوم الخميس فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء , فيقال : أنظروا ( أي أمهلوهما) هذين حتى يصطلحا ) رواه مسلم
(7) العفو طريق العزة
ويقول النبي صلى الله عليه و سلم (وما زاد الله عبدا بعفوا إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) رواه مسلم
~~
*/ ملاحظات :
1/ العفو عن الناس ليس تفضلا منك وإنما هو تذلل وخضوع منك لله عسى بعفوك عن أخيك ان يعفو الله عنك.
2/ لله في أيامنا نفحات فلنتعرض لها عسى رحمة الله تلحقنا وأبواب الخير والعفو ،في رمضان وغيره كثيرة فلنتقرب إلى الله بالعفو عن من آذونا فى أشخاصنا.
3/ لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد إذا أهينت أشخاصنا ...وقليلا ما نحرك ساكنا إذا انتهكت حرمات الله؟ أأشخاصنا عزيزة علينا من رب العالمين؟!!!
4/ ما كان العفو ليضيع بين الناس ونحن من أمة النبي محمد وما كان ليختفى في دنيا البشر وما تزال فينا نفحة سماوية .
5/ هلا أرينا الله من أنفسنا استعدادا.....هل من مشمر؟
،،
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ..
والصّلاة والسّلام على أفضل الأنبياء والمُرسلين
* لا تنسوْنا من طيِّب دُعاءكم ~