عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
” يَسِّروا ولا تُعَسِّروا وبَشِّروا ولا تنَفّروا ”
(رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي)
الدين يسر ، قال تعالى :
(وما جَعَلَ عَليكُم في الدّين من حَرَج )
ولذلك شرع الله بجانب الأحكام الأصلية ، أحكاما مخففة للتيسير في الظروف الطارئة ، كقصر الصلاة في السفر والإفطار في رمضان للمريض والمسافر والتيمم لمن لم يجد الماء ، وغير ذلك.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب التيسير ،
( وما خُيِّر بين أمرين إلاّ اختار أيسَرَهُما ما لم يكن إثما)
و كان سهلا إذا باع ، سهلا إذا اشترى ، سهلا إذا قضى ، سهلا إذا اقتضى .
وأمرهُ صلى الله عليه أمته بالتيسير .. في هذا الحديث وسيلة تربوية فائقة في هذا الدين اختطّت في القرآن الكريم في منهج يقضي بتدرج الأحكام .
وهذا الأسلوب هو ما يجب على المسلم اتباعه في تربية الأطفال ، حيث يجب التيسير ، كلما كان ذلك ممكنا .
والأسلوب نفسه يجب اتباعه مع قريبي العهد بالإسلام أو أصحاب الأعذار والحرف الشاقة .
فالرخصة ما شُرِعت إلا رأفة من الله بعباده ، فليس لله حاجة في تحمل المرء مشقة لا يطيقها فليس هناك عبادة مقصودها المشقة والحرج .
إلاّ أن ذلك لا يعني اتباع الرخص في محلِّها وغير محلها .
فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم بالليل حتى تورمت قدماه ، ولو اعتمد على إخبار الله له بغفران ما تقدم من ذنبه وما تأخر كعذر لترك قيام الليل لما قامه.
وهنا يخطئ بعض الناس في الاستفسار عن مسألة معينة في المذاهب الفقهية المختلفة لكي يأخذوا بأيسرها على الدوام معتبرين أن ذلك هو المقصود من الأمر بالتيسير ، متناسين الظروف المحيطة بتلك الرخصة والحدود المسموح بها وعلاقتها مع غيرها من الأحكام .
لذلك فالتيسير ليس معناه التحايل على الأحكام باتباع البدائل السهلة على الدوام ، وإنما اعتبار الحكم المرخص به حكما يجوز الأخذ به إن كان هناك عسر أو مشقة أو ضيق في الوقت أو إكراه أو ما شابه ذلك.
من الأمثلة الواضحة على التيسير أن لا يطيل الإمام القراءة إن كان بين المصلين شيوخ أو مرضى أو أصحاب حاجات .
ولكن له أن يطيل صلاته في جوف الليل .
فالصلاة بقدر تحمل أضعف الناس بين الجماعة هي الصلاة الأفضل .
وكذلك تتحدد سرعة مشي الركب بسرعة أضعف القوم ، لذلك قيل قائد الركب أضعفهم.
إن خير الأمور أوسطها .
فالأخذ بالعزيمة لمن لا يستطيعها يولد نفورا وكرها للدين!
والأخذ بالرخص لمن أوتي قوة وقابلية يولد فتورا وضعفا في الإيمان .
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتفرس في وجه السائل فيجيبه أو ينصحه بحسب طاقته ، فيجيب الضعيف غير ما يجيب القوي ، ويجيب حديث العهد بالإسلام غير ما يجيب السابقين الأولين .
إن للشطط و الغلو مظاهر عديدة ، منها التناوب بين فترات الفتور في العبادة والغلو فيها فترى المرء تاركا للصلاة مسرفا على نفسه حتى إذا جاء رمضان لزم المسجد وهجر الناس أو عبد الله بغير ما فرض الله تعالى أو سن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كصيام زكريا أو صلاة مائة ركعة في يوم مخصوص ، فإذا ما خرج رمضان أو ملّ من العبادة التي فرضها على نفسه عاد لسابق عهده ، فترك فرائض الله وسنن رسوله وتلك هي الغواية.
إن في العبّاد المتعصبين عن غير علم من أفراد الأمة شبه بالنصارى الذين ابتدعوا الرهبانية التى لم يكتبها الله عليهم ، أما ذوي العلم غير المتقين من هذه الأمة ففيهم شبه باليهود ألذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وضرب الله مثلهم:
( كمثل الحمار يحمل أسفارا )
والمؤمن يدعو الله تعالى أن لا يكون من هؤلاء ولا من هؤلاء:
( اهدِنا الصِراطَ المُستَقيمَ صراطَ الّذينَ أنعَمتَ عَليهِم غيرِ المَغضوبِ عَليهِم ولا الضّالينَ )
وفي السنة العديد من الأمثلة على الحث على تخير أوسط الأمور والنهي عن التعصب والغلو.
فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
” هلَكَ المُتَنَطِّعونَ ”
قالها ثلاثا ، والمتنطعون هم المتشددون في غير موضع التشديد.
ومضه : نقلا عن كتاب الاستقامة في مائة حديث نبوي
للدكتور محمد زكي محمد خضر موقع الاستقامة
●
●