فارس الاقتصاد
خالد بن إبراهيم الدعيجي
احتفل فارسنا مع أصدقاءه بحصوله على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، فأمضى زهرة عمره يدرس نظريات الاقتصاد في جامعة بلاده، ولكن كلما خرج من الجامعة مر بقرية صغيرة، تكسو أرضها مستنقعات قذرة، أطفالها هياكل عظمية ينتظرها الموت، رجالها تفرقت أجسادهم في مواطن البسيطة لهفاً وراء سراب المستقبل المظلم، وأما نساؤها أنهكتهن صنعة تدر لقمة تسد بها قرقرة بطون أطفالها.
شعر فارسنا أن كل ما تعلَّمه وما يُعلَّمه عبارة عن قصص ملفقة لا أثر لها على حياة الناس. سأل نفسه: هل باستطاعتي – كفرد – أن أقوم بأي عمل يؤخِّر أو يوقف الموت ولو موت شخص واحد؟
قرر فارسنا أن يترجل يوما في هذه القرية، فالتقى بسيدة كانت تصنع كراسي من الخيزران، اتسمت هذه التحفة اليدوية بلمسات إبداعية، وألوان فاتنة خلابة، أبهرت فارسنا، وزادت من فضوله فبدأ بنقاش امتد لفترة طويلة، انقطع عند نقطة ربحها من هذه الصنعة الجمالية.
يا لهول المفاجأة... سنتان أمريكيان فقط ربحها اليومي من هذا العمل المضني! وسبب ذلك أنها لا تملك المال الكافي لشراء الخيزران، لذلك تقترضه من التاجر الذي يشترط عليها أن تبيعه الكراسي بالسعر الذي يحدده.
سألها فارسنا: كم يكلف شراء الخيزران؟ أجابت: " حوالي عشرين سنتاً"!. يا للعار... أين نحن؟ أين شهادتنا؟ أين قيمنا؟
هذه الحادثة قلبت فكر فارسنا، جعلته يتساءل: ماذا يمكنني أن أفعل الآن؟ لقد فعل فارسنا الكثير... نعم الكثير.
في ذات اليوم أقرض المحتاجين في هذه القرية هذه السنتات فلم تتجاوز سبعة وعشرين دولاراً. ولكن لم يقف عند هذه القرية فقط، فرؤيته عاليه، وطموحه خيالي، فانتهى به الأمر إلى إنشاء بنك الفقراء يعمل في 46 ألف قرية في بلاده، لديه 12 ألف موظف، قام المصرف بإقراض 4.5 بليون دولار، على شكل قروض تتراوح من 12 إلى 15 دولاراً. 96% من المقترضين هم من النساء، لتشجيعهن على الصنعة اليدوية. بل وصل الأمر إلى إقراض المتسولين لمساعدتهم على التوقف عن التسول.
لعلكم عرفتم فارسنا، إنه الدكتور الاقتصادي محمد يونس مؤسس " بنك غرامين" للقروض الصغيرة في بنغلادش، والملقب " أبو الفقراء".
إنها تجربة فريدة بالدراسة والتحليل، وهي دعوة لرجال الاقتصاد والتمويل، إلى تدبر هذه القصة، وهذا النجاح، علَّ أن يخرج من بيننا رجل كمحمد يونس، فيصنع كما صنع بل أفضل مما صنع.
فعندما تلهمك غاية عظيمة، أو مشروع خارق، فإن كل أفكارك ستحطم قيودها، وستجد عقلك يتجاوز الحدود، وإدراكك يتوسع في كل اتجاه، وستجد نفسك في عالم جديد مدهش عظيم.
كتبه
خالد بن إبراهيم الدعيجي