السلام عليكم ورحمة الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال:
( تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من كان يريد حرث الآخرة } الآية . قال : يقول الله : ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ، وأسد فقرك ، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ، ولم أسد فقرك ) .
وفي حديث الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له )
صححه الألباني .
إن صاحب الهمّ ان كان فقير او به مصيبه ومع هذا كله جرّد نفسه لله ولم يجعل في قلبه أحدًا سواه
لذالك أنعم الله عليه بثلاث نِعَمَ،
جمعُ الشمل والأمر: وكل ما يحيط بالإنسان، فإن الله سبحانه وتعالى يعطيه السكينة والطمأنينة،
ويجمع عليه أفكاره ويقلل نسيانه، ويجمع عليه أهله ويزيد من المودة بينهما،
ويجمع عليه أبناءه وييسرهم له، ويجمع عليه أقربائه ويبعد عنه الشقاق، ويجمع
عليه ماله فلا يتشتت بتجارة
خاسرة أو تصرف أحمق، ويجمع القلوب عليه بعد أن يكتب له القبول في الأرض،
فلا يراه أحد إلا أحبه، ويجمع عليه كل ما يحيط به من أمور الخير جميعها.
أما النعمة الثانية :
ألا وهي نعمة غنى القلب، إذ يقول الرسول في الحديث الصحيح:
((ليس الغِنَى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس)).
غنى النفس يعني استغناؤها بما قُسم لها، وقناعتها ورضاها به بغير إلحاح في طلب ولا إلحاف في سؤال، ومن كفَّت نفسه عن المطامع قرت وعظمت،
أما الغني بالمال الفقير القلب فإنه يلهث كما يلهث الوحش في جمع المال
وهو يملك الملايين، ولكنه غير قانع بما رزقه الله
فهو فقير، فقد اتخذ المال إلهًا من دون الله، فالفقير هو الذي يشعر بانعدام المال عنده والحاجة الدائمة إليه. اللهم اجعل غنانا في قلوبنا.
وآخر نعمه يمنها الله على صاحب الهم الأخروي هي مجيء الدنيا، فصاحب همّ الآخرة يهرب من الدنيا وزينتها يخشى فتنتها وزخرفها،
وهذا لا يعني أن ينقطع عنها ويهرب هروب الغلاة والضالين،
بل يأخذ منها قدر ما يبلِّغُه إلى الآخرة، ومع إعراضه عنها فهو متبع هدي نبيه
إذ قال:
((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))
وأما الذي كانت الدنيا همه لا يفكر إلا فيها، ولا يعمل إلا لها، ولا يهتم إلا
من أجلها، ولا يفرح إلا لها،
ولا يوالي أو يعادي
إلا فيها، فهذا يعاقبه الله
بثلاث عقوبات:
أولها: تشتت الشمل والأمر؛
فيفرق الله عليه شمله وأمره،
فما من شيء كان يحيط به
إلا مزقه الله عليه، فتراه متشتت
البال والفكر ومضطرب النفس، كثير القلق على كل أمر مهما كان تافهًا، يفرق عليه ماله فلا يوفق في تجارة أو عمل، ويفرق عليه أبناؤه وزوجه فيرى عقوقًا
دائمًا يزيد همه وغمه، ويجد من زوجه تأففًا وتمردًا وشكوى لا تنقطع
تجعله يتمنى الخلاص من الدنيا من شدة ما يجد، ويفرق الله الناس عنه
فلا يحبه أحد، بعد أن كتب الله له
البغضاء في الأرض.
نسأل الله العافية والسلامة.
العقوبة الثانية التي تصيب صاحب الهم الدنيوي
الفقر اللازم وإن كان غنيًا، فيجعله لا يشعر بالقناعة أبدًا مهما ملك من المال، يشعر دائمًا بالفقر والحاجة، يجعله يجري ويلهث وراء المال كلما ازداد شعوره بالفقر، وهذا مما يزيد في تعبه وهمه وقلقه...
أما العقوبة الثالثة والأخيرة فإنها هروب الدنيا، فتجده دوما يطلبها وهي دومًا هاربة منه، ويطلبها وهي تبتعد عنه، يجري وراءها كما يجري من يحسب السراب ماء،
حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا،
فهو يسعى للمنصب والجاه
والشهرة والثناء وغيرها، فهو يهلك نفسه من أجل ذلك،
ولا يأتيه من الدنيا غير
ما كتب له، ولكن ذلك عقوبة من الله له،
وهذا ما جعل عثمان بن عفان ذا النورين رضي الله عنه يقول فيما روي عنه: (همّ الدنيا ظلمة في القلب، وهمّ الآخرة نور في القلب).
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا.
أستغفرك اللهم وأتوب إليك