>
اتعبتني عروبتي
صراحة
لا أعلم من أين أبدأ
لا أعلم إن كان هذا المشهد الذي بات حلقة يومية من حياتنا سيلازمننا إلى أبد الآبدين,
وهذا الطاقم الإخراجي الذي يقرر متى نأكل ومتى نشرب متى نحتج ومتى نصمت متى نثور ومتى نخور سيبقون إلى الأبد يجلسون فوق حناجرنا ..
لا أعلم حتى أي الكلمات انسب لوضع كهذا أم أن كل كلمة تعبر عن القرف والقذارة والخــــجل والخــــــزي والعـــار والســــقم والــــدناءة والنــــــذالة والــــــغباء والـــــــخيانة الــــخ الــــخ.. ستكون مـــــعــــبـــــرة.
لا أعلم إن كان الجميع ببساطة يقفون دون حراك أو دون القدرة حتى على تغيير تضاريس الوجه لتلائم ما يُقرأ, لاستحالة وجود مثل هذه التضاريس... كـما يحـدث معي.
لا اعلم إن كان ما أقــرأه يـوميا عن تخاذل وتعاون الأنظمة وما يحدث لا يقرأه غيري.
لا أعلم إن كنت وحدي أتآكل يوميا أمام الشاشة بأنواعها
لصمت العالم عن المجزرة.
لا أعلم متى أصبحنا هكذا وأين كانت مصيبتنا ومن كان سبب ما آلت إليه أوضاعنا.
لا أعلم إن كنت وحدي أعلم أن ما يقارب ال5000 جريح سقطوا
في هذه المجزرة
لا أعلم إن كــنـــت وحدي أخجل من عروبتي واستحى أني أنطق الضاد.
لا أعلم بأي ذنبٍ قتلتموهم وبأي حق ضحيتم بهم في سبيل القضية.
لا أعلم إن كنت وحدي أعلم أن ربع القتلى أطفال.
لا أعلم من ألومُ ومن اشتمُ
لا أعلم ماذا سأكتب أو كيف سأكمل.
لا أعلم حتى كيف سأُنهي.
رغم محاولاتي اليائسة الإبتعاد عن الشاشات المتلفزة
في الأيام الأخيرة من تلك المجزرة
لما تسببه من الإحباط، إلا أن الصراخ والنواح، التضامن والاستنكار، التنديد والتظاهر، وغيرها من المفردات والمظاهر التي اعتدنا عليها في مثل هذا اليوم من أيام السنة الفلسطينية أو هذا الفصل من فصول السنة العربية، تلاحقك أينما ذهبت...
صور ما بين صفحات الجرائد، إنذارات وتوعد على الجدران أعلام ويافطات فوق أسطح البيوت. غرف الدردشة بشتى أنواعها ومواقع الشبكات الاجتماعية التي باتت تغص بالمجموعات منها المؤيد ومنها المعارض منها الحانق ومنها السعيد لما يحدث.
ناهيك عن استغلال شتى الطرق وتوظيف التكنولوجيا الحديثة كالتجسيد الواقعي لتظاهره تضامن مع أهل غزة، وحتى المدونون لم يسلموا من هذه الموضة، فكان لا بد لكل من يكتب العربية (وهذا يشملني طبعا) أن يذكر غزة أو فلسطين بالسوء أو بالخير ولو بكلمة واحده أو صورة واحده أو مقطع مصور أو أغنية.
كلنا دخلنا أو ندخل أو سندخل في نقاشات مع كل من تـُحرك الأحداث الأخيرة في غزة شيئا في داخله, وللذين يعلمون منكم كيف تسير هذه النقاشات وخاصة بما يتعلق بإسرائيل وعلاقتها أو تعاملها مع الدول العربية والشعب الفلسطيني بالذات سيعلم جيدا ما أقصده بقولي بأن الحوار لم يخلق لنا يا جماعه فما شاء الله علينا لا نحتاج إلى محاكم دولية أو شرعية أو مدنية, فقد شاهدنا وقررنا من هو الخائن بطبيعة الحال
ومن هو العميل ومن هو مجرم الحرب وحكمنا على بعضهم بالإعدام، والبعض الآخر بالنفي، وقلة سنسامحهم (مشكورين على كرم الأخلاق).
ولكي أكمل لكم الصورة فأن القطعة الأخيرة منها هي معلومة كلي ثقة بأنكم تعرفونها عن ظهر قلب...
إن كل من صاح وندد, تظاهر واستنكر, ناقش وحكم جزافا... هم في نهاية الأمر أناس لا يقدمون ولا يؤخرون على المسرح السياسي, مجرد مشاهدين يضحكون لما يُضحك يحزنون لما يُحزن ويصفقون حين ينتهي العرض لا أكثر.
أما بالنسبة لي، وبعد كل هذا السرد لواقع يعيشه معظمنا وجدت انه لا بد من أن اتخذ موقف، مع أني اعتدت الحياد.
لا لخوف أو جهل، إنما لتوفير ثمن مسكنات أوجاع الرأس التي تسببها لي مثل هذه المتاهات التي لا قرار لها.
ربما سيعتبر بعضكم أن موقفي هذا غير منصف أو منحاز لطرف ما، ربما ستعتبرونه مجحف وخائن لعروبتي أو قوميتي, ربما يكون غير إنساني بالنسبة للبعض وتافها للبعض الآخر. ولأوفر عليكم إرهاق الإحساس أو مشقة الاستنتاج فآرائكم من هذا القبيل لا تهمني. ما يهمني هو احترامكم لرأيي، ولي كإنسان. يشاهد ويستنتج ويناقش بموضوعية، وللراغبين بالتعليق منكم سأسعد بالرد عليكم بالطريقة التي ذكرت أعلاه.
نعم لتوحيد الصف... لكن لا لإلغاء الآخر. فلا مفر من الاعتراف أن الشعب الفلسطيني منقسم على قلته وكثرة مصائبه من مؤيد لحماس أو لفتح. والاختلاف رغم عفن الخيارات المتاحة مطلوب. ولا يمكن أن نتجاهل اختيار الفلسطينيين لحركة حماس في يوم من الأيام كممثل لهم، وما قامت به رجالات فتح بالتعاون مع كل من هب ودب من الأجانب والعرب، تصرف دنيء مخجل يعطينا صورة تقريبية لما ستكون الحال عليه إن أعطيت لهم دولتهم وسلطتهم. وما قامت به رجالات حماس تصرف مخزي ومشين لا يرضيني ولا يرضي كل من حلم بوطن سلام فوق ارض فلسطين.
نــــعــــم للتـــظــــاهر والاحتجاج... لكن لا لغزة بل لأنفسكم. إن ما نحتاج إليه فعلا هو أن يتظاهر كل شعب لنفسه, فكل عنده مصائبه وبلاويه. حكامنا جاثمون فوق صدورنا إن تنفسنا خنقونا،
فلولا تخاذل الأنظمة لما وصلنا إلى وصلنا إليه اليوم.
ولولا قتلنا ونفينا لأسياد الحرب والتكتيك وخريجي الجامعات والعلماء لكنا الآن بأفضل حال. ومصر أم الدنيا باتت أم نفسها، لا لوم عليها إن أقفلت في وجوهكم معبرا أو مخرجا، فلا حاجة لكم بدخول سجن أكبر يتكلم لغتكم.
نعم لإقامة دولة فلسطينيه... لكن لا لدكتاتورية عربية جديدة. فكلنا شهدنا الأحداث الهمجية أو ما يطلق عليه اسم الانقلاب في غزة والضفة, ورأينا بأم أعيننا رجالات فتح وحماس الذين لا يذكروننا برجالات الحكومات العربية والمخابرات التي تجلس فوق رقاب مواطنيها فحسب، بل أنهم لا يفقهون غير الضرب والاضطهاد. ومن قال لا فمصيره مجهول حتى هذه الساعة.
نعم للثورة... لا للهمجية
نعم للتمرد... لا للتخريب
نعم للتغير... لا للخلف بل للإمام
نعم أتعبتني عروبتي... لكني لن أتخلى عنها
مضى زمن يسير على ماحدث في غزة
لكني أخاطبكم الآن
لأن تلك المجازر ستعود
بعد يوم بعد اسبوع بعد شهر بعد سنة
لا أعلم
لكنها ستعود
فأعدوا لافتاتكم
وجهزوا أقلامكم
ووفروا دموعكم
واحضروا مسكناتكم
فالحرب قادمة لامحالة
هنيئا لنا
حطمنا الرقم القياسي
في الصمت على الظلم والعدوان
>
مما راق لي