وهذا الشعر ترثي به أخاها صخرا وقتله زيد بن ثور الأسدي يوم ذي الأثل.
أخبرنا بالسبب في ذلك محمد بن الحسن بن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، وأضفت إليه رواية الأثرم عن أبي عبيدة قال: غزا صخر بن عمرو، وأنس بن عباس الرعلي في بني سليم، بني أسد بن خزيمة ،-قال أبو عبيدة: وزعم السلمي أن هذا اليوم يقال له يوم الكلاب ويم ذي الأثل-في بني عوف وبني خفاف، وكانا متساندين، وعلى بني خفاف صخر بن عمرو الشريدي، وعلى بني عوف أنس بن عباس. قال: فأصابوا في بني أسد بن خزيمة غنائم وسبيا، وأخذ صخر يومئذ بديلة امرأة . قال: وأصابت صخرا يومئذ طعنة، طعنه رجل يقال له ربيعة بن ثور، ويكنى أبا ثور، فأدخل جوفه حلقا من الدرع فاندمل عليه حتى شق عنه بعد سنين، وكان سبب موته.
قال أبو عبيدة: وقال غيره: بل ورد هو وبلعاء بن قيس الكناني. قال: وكانا أجمل رجلين في العرب. قال: فشربا عند يهودي خمار كان بالمدينة. قال:فحسدهما لما رأى من جمالهما وهيأتهما، وقال: إني لآحسد العرب أن يكون فيهم مثل هذين! فسقاهما شربة جويا منها . قال: فمر بصخر طبيب بعد ما طال مرضه، فأراهما به،فقال: أشق عنك فتفيق. قال: فعمد إلى شفار فجعل يحميها قم يشق بها عنه، فلم ينشب أن مات. قال أبو عبيدة: واما أبو بلال بن سهم فإنه قال: اكتسح صخر أموال بني أسد وسبى نساءهم، فأتاهم الصريح فتبعوه فتلاحقوا بذات الأثل، فاقتتلوا قتالا شديدا، فطعن ربيعة بن ثور السدي صخرا في جنبه، وفات القوم فلم يقعص وجوي منها، ومرض قريبا من حول، حتى مله اهله. قال: فسمع صخر امرأة وهي تسأل سلمى امرأة صخر: كيف بعلك؟ فقالت سلمى:لاحي فيرجى، ولاميت فينعى، لقينا منه الأمرين! قال: وزعم آخر أن التي قالت هذه المقالة بديلة الأسدية التي كان سباها من بني أسد فاتخذها لنفسه. فأنشد هذا البيت:
ألا تلكم عرسي بديلة أوجسـت
فراقي وملت مضجعي ومكاني
وأما أبو بلال بن سهم فزعم أن صخرا حين سمع مقالة سلمى امرأته قال:
أرى أم صخر لاتمل عـيادتـي
وملت سليمى مضجعي ومكاني
وما كنت أخشى أن أكون جنازة
عليك ومن يغتر بالـحـدثـان
أهم بأمر الحزم لو أستطـيعـه
وقد حيل بين العير والنـزوان
لعمري لقد نبهت من كان نائمـا
وأسمعت من كانت لـه أذنـان
وللموت خير من حياة كأنـهـا
محلة يعسوب برأس سـنـان
وأي امرىء ساوى بأم حـلـيلة
فلا عاش إلا في شقاوهـوان
فلما طال عليه البلاء وقد نتأت قطعة مثل اللبد في جنبه في موضع الطعنة، قالوا له: لو قطعتها لرجونا ان تبرأ. فقال: شأنكم. فأشفق عليه بعضهم فنهاهم، فأبى وقال: الموت أهون علي مما أنا فيه! فأحموا له شفرة ثم قطعوها فيئس من نفسه.
قال: وسمع صخر أخته الخنساء تقول: كيف كان صبره؟ فقال صخر في ذلك:
أجارتناإن الـخـطـوب تـنـوب
على الناس، كل المخطئين تصيب
فإن تسأليني هل صبرت فإنـنـي
صبور على ريب الزمان صلـيب
كأني وقد أدنوا إلـي شـفـارهـم
من الصبر دامي الصفحتين ركوب
أجارتنا لست الغـداة بـظـاعـن
ولكن مقـيم مـا اقـامعـسـيب
عن أبي عبيدة: عسيب: جبل بأرض بني سليم إلى جنب المدينة، فقبره هناك معلم.
وقال أبو عبيدة: فمات فدفن هناك، فقبره قريب من عسيب.
فقالت الخنساء ترثيه:
ألاما لعينـك أم مـا لـهـا
لقد أخضل الدمع سربالهـا
ابعد ابن عمرو من آل الشري
د حلت به الأرض أثقالهـا
فإن تـك مـرة أودت بــه
فقد كان يكثرتـقـتـالـهـا
سأحمل نفسي علـى خـطة
فإما علـيهـا وإمـا لـهـا
فإن تصبر النفس تلق السرور
وإن تجزع النفس أشقى لها
غنى فيه ابن سريج خفيف رمل بالبنصر.
قال السلمي: ليست هذه في صخر، هذه إنما رثت بها معاوية اخاها، وبنو مرة قتلته. ولكنها قالت في صخر:
قذى بعينـك أم بـالـعـين عـوار
أم أقفرت إذ خلت من أهلها الـدار
تبكي لصخر، هي العبرى وقد ثكلت
ودونه من جديد التـرب أسـتـار
لابد من ميتة في صرفـهـا غـير
والدهر في صرفه حول وأطـوار
يا صخر وراد مـاء قـد تـنـاذره
أهل الموارد ما فـي ورده عـار
مشى السبنتى إلى هيجاء معضـلة
له سـلاحـان أنـياب وأظـفـار
فما عجول على بو تـطـيف بـه
لها حنينـان إصـغـار وإكـبـار
ترتع ما رتعت حتـى إذا ادكـرت
فإنـمـا هـي إقـبـال وإدبـار
لاتسمن الدهر في أرض وإن رتعت
فإنما هي تحـنـان وتـسـجـار
يوما بأوجد منـي يوم فـارقـنـي
صخر وللدهـر إحـلاء وإمـرار
فإن صخـرا لـوالـينـا وسـيدنـا
وإن صخرا إذا نشتـو لـنـحـار
وإن صخرا لتـأتـم الـهـداة بـه
كأنـه عـلـم فـي راسـهنـار
-غنى في هذين البيتين الأولين ابن سريج، من رواية يونس-:
لم ترأه جارة يمشي بساحتها
لربية حين يخلي بيته الجار
ولا تراه وما في البيت يأكله
لكنه بارز بالصحن مهمار
مثل الرديني لم تنفد شبيبتـه
كأنه تحت طي البرد أسوار
في جوف رمس مقيم قد تضمنه
في رمسه مقمطرات وأحجار
طلق البدين بفعل الخير ذو فجر
ضخم الدسيعة بالخيرات أمـار
ورفقة حار هاديهم بمهـلـكة
كأن ظلمتها في الطخيةالقـار
عروضه ثان من البسيط.
العوار والعائر: وجع، وهو مثل الرمد. وذرفت: قطرت قطرا متتبعا لايبلغ أن يكون سيلا. والعبرى، يقال امرأة عبرى وعابر. والعبرة : سخنة العين . والوله : ما يصيب الرجل والمرأة من شدة الجزع على الولد. حول وأطور، أي تحول وتقلب وتصرف. قد تناذره، أي أنذر بعضهم بعضا هوله وصعوبته. ويروى: تبادره وقولها مافي ورده عار أرادت ما في ترك ورده عار، أي لايعير أحد إن عجز عنه من صعوبة ورده .
العجول: الثكول. والبو: أن ينحر ولد الناقة ويؤخذ جلده فيحشى ويدنى من أمه فترأمه. إحلاء وإمرار، يقال: ماأحلى ولاأمر. أي ما أتى بحلوة ولامرة . والمعنى أن الدهر يأتي بالمشقة والمحبة . كأنه علم في رأسه نار أي إنه مشهور. والعلم: الجبل، وجمعه أعلام. كأنه تحت طي البردأسوار، أي من لطافة بطنه وهيفه شبيه أسوار من ذهب.والرديني: الرمح منسوب إلى ردينة: امرأة كانت تقوم الرماح. أي هو معصوب البدن ليسبمهيج منحل. وهذا كله من انفاخ الجلد والسمن والاسترخاء. وقال أبو عمرو: مقمطرات: صخور عظام.والأحجار صغار .ذو فجر: يتفجر بالمعروف. والدسيعة: العطاء. الطخية، من الطخاء، وهو الغيم الرقيق الذي يواري النجوم فيتحير الهادي .