عثمان بن مظعون بن حبيب الجمحيّ ( أبو السائب ) من أوائل المسلمين
وأغلـب الظـن الرابع عشر ترتيبـاً ، وناله ما ينال المسلمين من أذى
المشركين وصبـر ، ، وكان ممن حرّم الخمـر على نفسه قبل تحريمها
وكان أمير المهاجرين الأوائل الى الحبشـة مصطحبا ابنه السائب معـه
وكان أول المهاجرين وفاة بالمدينة ، وأولهم دفنا بالبقيع000
إسلامه
انطلق عثمان بن مظعون ، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد ، وأبو عبيدة بن الجراح ، حتى أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فعَرَض عليهم الإسلام ، وأنبأهم بشرائعه ، فأسلموا جميعاً في ساعةٍ واحدةٍ ، وذلك قبل دخول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم ، وقبل أن يدعو فيها000
جوار الله
بلغ أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذين خرجوا الى الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا ، فغادروا الحبشة عائدين ، ولكن حين دنو من مكة علموا بأن هذا النبأ خاطيء ، فلم يدخل أحد منهم الى مكة إلا بجوار أو مستخفيا وكانوا ثلاثة وثلاثون منهم عثمان بن مظعون الذي دخل بجوار من الوليد بن المغيرة000
ولكن لما رأى -رضي الله عنه- ما فيه أصحـاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-من البلاء وهو يغـدو ويروح في أمـان من الوليد بن المغيرة قال : ( والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من الشرك ، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي )000فمشى الى الوليد بن المغيرة فقال له : ( يا أبا عبد شمس ، وَفَت ذمتك ، قد رددت إليك جوارك )000فقال له : ( يا ابن أخي لعله آذاك أحد من قومي )000قال : ( لا ، ولكني أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره )000فقال : ( فانطلق الى المسجد فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية )000فانطلقا حتى أتيا المسجد فقال الوليد : ( هذا عثمان قد جاء يرد عليّ جواري )000قال عثمان : ( صدق قد وجدته وفيا كريم الجوار ولكني أحببت أن لا أستجير بغير الله ، فقد رددت عليه جواره )000
ثم انصرف عثمان ، ولبيـد بن ربيعة في مجلس من قريش يُنشـدهم ، فجلس معهم عثمان ، فقل لبيـد : ( ألا كل شيء ما خلا الله باطـل )000قال عثمان : ( صدقت )000قال لبيد : ( وكل نعيم لا محالة زائل )000قال عثمان : ( كذبت ، نعيم الجنة لا يزول )000قال لبيد : ( يا معشر قريش ، والله ما كان يؤذى جليسكم ، فمتى حدث هذا فيكم ؟)000فقال رجل من القوم : ( إن هذا سفيه من سفهاء معه ، قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله )000فرد عثمان عليه حتى شري أمرهم ، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضّرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان ، فقال : ( أما والله يا ابن أخي ، إن كانت عينك عما أصابها لغنية ، لقد كنت في ذمة منيعة )000فقال عثمان : ( بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة الى مثل ما أصاب أختها في الله وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس )000فقال الوليد : ( هلم يا ابن أخي ، إن شئت فعد الى جوارك )000فقال عثمان : ( لا )000
الراهب الجليل
وهاجر عثمان بن مظعـون الى المدينة مع الرسـول -صلى الله عليه وسلم- والمسلميـن ، وظهرت حقيقته الطاهرة ، فهو راهـب الليل والنهار وفارسهمـا معا ، تفرغ للعبادة وانقطع عن مناعم الحياة فلا يلبس إلا الخشـن ولا يأكل إلا الطعام الجشِب ، فقد دخل يوما المسجد ، وكان يرتدي لباسا تمزق ، فرقعه بقطعة من فروة ، فرق له قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- ودمعت عيون الصحابة فقال لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( كيف أنتم يوم يغدو أحدكم في حُلّة ، ويروح في أخرى ، وتوضع بين يديه قصعة وترفع أخرى ، وسَتَرتم بيوتكم كما تستر الكعبة ؟)000قال الأصحاب : ( وَدِدْنا أن ذلك يكون يا رسول الله ، فنُصيب الرخاء والعيش )000فأجابهم الرسول الكريم : ( إن ذلك لكائن ، وأنتم اليوم خير منكم يومئـذ )000
البيت
واتّخَذَ عثمان بن مظعون بيتاً فقعد يتعبّد فيه ، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاه ، فأخذ بعِضادتَيْ باب البيت الذي هو فيه فقال : ( يا عثمان إن الله لم يبعثني بالرهبانيّة ، مرّتين أو ثلاثاً ، وإنّ خيرَ الدّين عند الله الحنيفيّة السمحة )000
الأسوة الحسنة
وحين سمع ابـن مظعـون ذلك زاد هربا من النعيم ، بل حتى الرفث الى زوجته نأى عنه وانتهى ، فقد دخلت امرأةُ عثمان على نساء النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- فَرَأيْنها سيّئة الهيئة ، فقُلن لها : ( مَا لكِ ؟ فما في قريش أغنى من بعلِك ؟)000قالت : ( ما لنا منه شيءٌ ، أمّا ليلهُ فقائمٌ ، وأمّا نهارَهُ فصائم )000
فدخل النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- فذكَرْنَ ذلك له ، فلقيهُ فقال : ( يا عثمان بن مظعون أمَا لكَ بي أسوة )000فقال : ( بأبي وأمي ، وما ذاك ؟)000قال : ( تصوم النهار وتقومُ الليلَ ؟!)000قال : ( إنّي لأفعل )000قال : ( لا تفعلْ ، إنّ لعينيك عليك حقّاً ، وإن لجسدك حقّاً ، وإن لأهلك حقّاً ، فصلّ ونمْ ، وصُم وأفطر )000
فأتت امرأته على زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك عطرةُ عروس ، فقُلنَ لها : ( مَهْ ؟!)000قالت : ( أصابنا ما أصاب الناس )000
الحـــــياء
أتى عثمان بن مظعون النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : ( يا رسول الله إنّي لا أحبّ أن ترى امرأتي عورتي )000قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( ولِمَ ؟)000قال : ( أستحيي من ذلك وأكرهه )000 قال -صلى الله عليه وسلم- : ( إنّ الله جعلها لك لباساً ، وجعلك لها لباساً ، وأهلي يرون عورتي ، وأنا أرى ذلك منهم )000قال : ( أنت تفعلُ ذلك يا رسول الله ؟)000قال : ( نعم )000قال : ( فمِنْ بعدِك )000فلمّا أدبر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( إنّ ابن مظعون لَحَييٌّ سِتّيرٌ )000
وفاته
وحين كانت روحه تتأهب للقاء ربها وليكون صاحبها أول المهاجرين وفاة بالمدينة سنة ( 2 هـ ) ، كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى جانبه يقبل جبينه ويعطره بدموعه وودعه الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- قائلا : ( رحمك الله أبا السائب ، خرجت من الدنيا وما أصبت منها ولا أصابت منك )000ولم ينسه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك أبدا حتى حين ودع ابنته رقية حين فاضت روحها قال لها : ( الحقي بسلفنا الخيِّر ، عثمان بن مظعون )000
هذا والله تعالى أعلى وأعلم